عرض مشاركة مفردة
  #46  
قديم 27-03-2001, 10:03 AM
ناقد ناقد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2001
المشاركات: 22
Post

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها التميري

أرسل إليك هنا بعض النصوص الدالة على أن ابن تيمية يقول بالقدم النوعي للعالم وأنه يقول بأن الخلق لا يزالون مع الله تعالى. وأن النوع لازم للذات الإلهية، وغير ذلك من مخالفاته للحق في هذه المسألة.

النص الأول:
قال ابن تيمية في درء التعارض طبعة دار الكتب العلمية سنة 1997(1/216): " وأما الثاني فيجوز أن يكون كل ما يعتبر في حدوث المعين كالفلك وغيره حادثا، ولا يلزم من حدوث شرط الحادث المعين هذا التسلس، بل يلزم منه التسلسل المتعاقب في الآثار، وهو أن يكون قبل ذلك الحادث حادث وقبل ذلك الحادث، وهذا جائز عندهم وعند أئمة المسلمين، وعلى هذا، فيجوز أن يكون كل ما في العالم حادثل مع التزام هذا التسلسل الذي يجوزونه."اهـ
هذا النص يصرح فيه ابن تيمية بتجويز التسلسل، وأن القدم النوعي يلائم القول به القول بالتسلسل في الأزل.
ثم تكلم ابن تيمية بعد النص السابق على التسلسل وأنواعه فقال:
"وإن أريد به أن يحدث قبل كل حادث حادث وهلمَّ جرا، فهذا فيه قولان، وأئمة المسلمين وأئمة الفلاسفة يجوزونه."اهـ
فهذه عبارة أخرى صريحة كل الصراحة في أن ابن تيمية يقول بالتسلسل في المخلوقات والحوادث في الأزل، أي ما من حادث ومخلوق إلا وقبله حادث ومخلوق إلى ما لا بداية.
ثم قال ابن تيمية في (1/217):" وإن قيل (لم يزل فعالا)، وإن قيل بدوام فاعليته، فذلك لا يناقض حدوث كل ما سواه، بل هو مستلزم لحدوث كل ما سواه".اهـ
ثم قال في شرح هذا المعنى:"وليس في أجزاء الزمان شيء قديم، وإن كان جنسه قديما، بل كل جزء من الزمان مسبوق بآخر فليس من التأثيرات المعينة تأثير قديم، كما ليس من أجزاء الزمان جزء قديم."اهـ
فهذه العبارة وإن كان فيها إثبات التسلسل في المفاعيل في القدم بصراحة كما تقدم، إلا أن ما نستفيده منها الآن أمر آخر يقول به ابن تيمية، وهو أن الزمان قديم أي لا أول لوجود الزمان فكل جزء من أجزاء الزمان حادث ولكن جنسه قديم.

النص الثاني:
قال ابن تيمية في درء التعارض (1/218):"فإذا قال قائل : ( لو حدث سبب يوجب ترجيح جنس الفعل للزم هذا التسلسل) فهو صادق، ولكن هذا يفيد أنه لا يحدث مرجح يوجب ترجيح الفعل، بل لا يزال جنس الفعل موجودا، فهذا يسلمه لهم أئمة المسلمين"اهـ
وهذا تصريح بأن جنس الفعل لا يزال موجودا مع الله.

النص الثالث:
قال ابن تيمية في درء التعارض(1/309):"وأما أكثر أهل الحديث ومن وافقهم فإنهم لا يجعلون النوع حادثا بل قديما، ويفرقون بين حدوث النوع وحدوث الفرد من أفراده، كما يفرق جمهور العقلاء بين دوام النوع ودوام الواحد من أعيانه."اهـ

والعارف بأسلوب ابن تيمية يعرف أنه إذا نسب رأيه لجمهور أهل الحديث، فإن هذا دليلا على قوله به.

النص الرابع
قال ابن تيمية في درء التعارض(1/312):" وإذا قالوا كل حادث مشروط بحادث قبله لا إلى أول)، قيل لهم: فليست أعيان الحوادث من لوازم الواجب بنفسه".اهـ

وهذا اعتراف من ابن تيمية بأن نوع الحوادث لازم لذات الله تعالى.

ثم قال ابن تيمية:"وإذا كان النوع من لوازم الواجب، امتنع وجود الواجب بنفسه بدون النوع، ونوع الحوادث ممكن بنفسه ليس فيه واجب بنفسه، فيكون نوع الحوادث صادرا عن الواجب بنفسه، فلا يجب قدم شيء معين من أجزاء العالم لا الفلك ولا غيره، وهو نقيض قولهم."اهـ

وهنا يصرح أيضا باستحالة وجود الواجب (وهو الله تعالى) بدون نوع الحوادث. نعم هو ينفي قدم مخلوق معين من المخلوقات، ولكن ليست هذه هي المشكلة، لأن أحدا لم يتهمه بالقول بذلك، وليست محل الإشكال. وهو بالإضافة إلى ذلك يصرح بأن نوع الحوادث صادر عن الواجب بنفسه، وهذا هو معنى لزوم وجود النوع وامتناع انفكاك وجود الله تعالى عن وجود بعض مخلوقاته.

النص الخامس:
قال ابن تيمية في درء التعارض(2/262):"ويقول الخصم: رابعا: قوله لم لا يجوز أن يكون متحركا، قولك: الحركة حادثة. قلت: حادثة النوع أو الشخص؟ الأول ممنوع والثاني مسلم."اهـ
وهذا اعتراف منه بالقدم النوعي لحركة الله تعالى، وهو عين المقصود بالتسلسل النوعي للحوادث.

النص السادس:
قال ابن تيمية في شرح حديث عمران بن حصين المطبوع في مجموعة السائل والمسائل المجلد الثاني ص361:"وأما كون الفاعل لم يزل يفعل فعلا بعد فعل فهذا من كمال الفاعل."اهـ

والمعلوم أن عبارة لم يزل يفعل دالة على استمرار الفعل من الأزل، وهي غير عبارة لا يزال يفعل أو لن يزال يفعل الدالتين على استمرار الفعل في الحاضل والمستقبل.
وفي هذا النص تصريح من ابن تيمية بأن صدور الفعل لازم لكمال الله تعالى.
ثم قال في ص369:"الوجه الخامس عشر: إن الإقرار بأن الله لم يزل يفعل ما يشاء ويتكلم بما يشاء هو وصف الكمال الذي يليق به، وما سوى ذلك نقص يجب نفيه عنه."اهـ
وهذا النص فيه تصريح بلزوم فعل الله تعالى في القدم ومنذ الأزل.

ثم قال في ص371 مصرحا أكثر بقدم الحوادث النوعي:"وإذا قيل لم يزل يخلق، كان معناه لم يزل يخلق مخلوقا بعد مخلوق، كما لا يزال في الأبد يخلق مخلوقا بعد مخلوق".اهـ

وهذا النص فيه أيضا اعتراف أصرح بقدم نوع المخلوقات وعدم وجود بداية لها في القدم، وهو المفهوم من قوله لم يزل يخلق مخلوقا بعد مخلوق، كما لا يزال في المستقبل يخلق مخلوقا بعد مخلوق.

ثم قال في ص371:"وليس في ذلك وصفه بدوام الفعل ولا بأن معه مفعولا من المفعولات بعينه، وإن قدر أن نوعها لم يزل فهذه المعية لم ينفها شرع ولا عقل، بل هي من كماله، قال تعالى(أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون) والخلق لا يزالون معه."اهـ
وهذا النص تصريح واضح بلزوم وجود نوع المخلوقات مع الله تعالى منذ الأزل، وأن هذا هو الموافق للشريعة على زعمه، ثم تأمل قوله (والخلق لا يزالون معه) وقوله(وإن قدر أن نوعها لم يزل فهذه المعية لم ينفها شرع ولا عقل، بل هي من كماله).

ولا أعتقد أنك تريد عبارات أصرح من هذه التي نقلناها لك، ولكن لو شئت لجلبنا لك الكثير الكثير أيضا.

ملاحظة:
ولو تأملت استدلاله بالآية (أفمن يخلق كمن لا يخلق) لعرفت الدليل على أن ابن تيمية لا يطلق اسم الخالق على الله تعالى إلا بأن يكون خالقا بالفعل لا بمجرد كونه قادرا على الخلق. مع أن الآية لا تدل على ذلك مطلقا، ولكنه يفسرها بذلك المعنى تحريفا لها لنصرة مذهبه الذي يقول به.
فهذه كلها نصوص صريحة في قول ابن تيمية بقدم العالم بالنوع. لا يستطيع أحد أن ينكر قوله بذلك إلا كل مكابر عنيد، أو جاهل ظلوم.

والله الموفق