الموضوع: لله ثم للتاريخ
عرض مشاركة مفردة
  #36  
قديم 04-09-2006, 11:07 AM
زومبي زومبي غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
المشاركات: 664
إفتراضي

الفصل الثاني
موقف الفرس من الإسلام

_ كسرى يجدد فتوة الإمبراطورية .
_ كسرى يمزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
_ حوار يزدجرد مع النعمان بن مقرن .
_ دحض فريه .
-37-

كسرى يجدد فتوة الامبراطورية :
شاء الله سبحانه وتعالى أن توافق ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بداية حكم كسرى أنوشروان لبلاد فارس ، ولقد كان كسرى أنو شروان من أعظم ملوك ساسان ، وأكثرهم شهرة ، وأشدهم قوة وبطشا ، وأوسعهم حيلة ودهاء .

دام حكم كسرى ثمانية وأربعين عاما ، وبدأ عهده بتطهير مملكته من طاعون المزدكية واباحيتهم فقتل مزدك ومعظم أنصاره ، وجمع جمهور مملكته على ( المجوسية ) دين آبائه وأجداده .

وبعد قضائه على مزدك وأتباعه باشر الاصلاحات الداخلية ، فقضى على الفوضى ، ورد الأموال المغصوبة الى أهلها ، وأعاد بناء ما هدمه المزدكيون من مساكن وقرى ، وأقام الحصون والجسور ، وأصلح نظام الضرائب التي كانت تثقل كاهل المزارعين وأرباب الصناعات .

وأولى الجيش أكثر عناية ، فأحسن اختيار أفراده وقادته ، وأصلح نظام التدريب ، وجدد العتاد ، وبدأ انتهائه من اعداد الجيش بدأ غزو البلدان المجاورة ، فجدد سيطرته على الحيرة ، وجند اللخميين في حروبه وفتوحاته .
وخاض أنو شروان معركة ضارية مع الامبراطورية البيزنطية ، وحقق انتصارات عليها ، واستولى على أنطاكية عام 540 ، ثم بسط نفوذه على اليمن فاحتلها عام 570 وطرد الأحباش منها .

واستمرت بلاد فارس في قوتها وجبروتها بعد هلاك كسرى أنو شروان الذي جدد فتوة المملكة ، ووحد الصفوف ، ورفع رايات فارس في معظم بلدان العالم .

-38-

ثم جاء ( كسرى بن هرمز بن كسرى ) الذي كان يسمى (ابرويز) ومعناها المظفر ، فحافظ على الأمصار التي احتلها جده ، وحقق انتصارات جديدة ، وتمكن من احتلال : الرها ، ودمشق ، وبيت المقدس ، والاسكندرية .
وبينما كان كسرى بن هرمز يتيه غرورا وكبرياء ، وهو يرى ملوك الدنيا وعظماءها يركعون أمامه ذلا واستسلاما .

وبينما كان كسرى ينظر الى جيشه الذي كان يشرق ويغرب فاتحا دون أي مقاومة تستحق الذكر .. في هذا الوقت أشرقت الأرض بنور الاسلام ، ومن الله على البشرية حين أوحى لعبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحى ، وفتحت المدينة المنورة ذراعيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من المؤمنين .

ومن المدينة المنورة _ عاصمة الدولة الاسلامية الجديدة _ انطلق صلى الله عليه وسلم مبلغا دعوة الاسلام ، مجاهدا في سبيل الله ، وكان العالم اجمع يتابع أخبار الرسالة والرسول ، وكان من بين الذين يستطلعون أخبار الوحي والاسلام كسرى _ بن هرمز وغيره من قادة الفرس والرومان .

وقام صلى الله عليه وسلم بإرسال رسالة الى كل زعيم دولة يبلغه دعوة الاسلام ، ومن الذين وصلهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرى بن هرمز .

كسرى يمزق كتاب رسول الله (ص) :
روى البخاري عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه مع رجل الى كسرى وأمره أن يدفعه الى عظيم البحرين ، فدفعه عظيم البحرين الى كسرى ،


-39-

فلما قرأه كسرى مزقه وقال : فحسبت أن ابن المسيب قال فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق .

وفي رواية لابن جرير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل كتابا مع عبد الله بن حذافة الى كسرى بن هرمز ملك فارس يدعوه الى الاسلام ، فلما قرأه شقه وقال :
يكتب إلي بهذا وهو عبدي ، ثم كتب كسرى الى باذام وهو نائبه على اليمن أن ابعث الى هذا الرجل بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به"1" .

وفعلا أرسل باذام رجلين ليأتياه برسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستبشر مشركو العرب برسول كسرى ، وأدركوا أن محمد سينتهي لأنه لا طاقة له بكسرى وجنده .
وهذا منطق الذين التصقوا بالتراب ، وضاقت عقولهم عن ادراك أبعاد الرسالة ، فجحدوا قدرة الله ، وكل الذي يفهمه كسرى وأعوان كسرى : أن هؤلاء المسلمين ناس أذلة جياع يتطاولون على أسيادهم الفرس ..، وهذه الدعوة كلها لا تستحق _ بزعم كسرى _ أكثر من جنديين يأتيان بمحد صلى الله عليه وسلم ، وكسرى بن هرمز نفسه عندما غضب من النعمان بن المنذر أرسل إليه يطلبه فلم يستطع أي حي من أحياء العرب أن يحميه من كسرى ، واضطر أن يمتثل للأمر فوضع في يده القيد وزج به في سجن من سجونه المظلمة حتى هلك ، وولي على الحيرة بدلا منه إياس بن قبيصة الطائي .

(1) البداية والنهاية لابن كثير ، ج 4 ، ص 269 .


-40-

وأين محمد صلى الله عليه وسلم المستضعف المطارد من قبل سفهاء مكة ، أين هو من النعمان المنذر ملك العرب وسيدها ؟! .

بهذه العنجهية والغطرسة كان كسرى بن هرمز ينظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم والى الرسالة التي شرفه الله بحملها .

وشاء الله ان يسلط (شيرويه ) على أبيه كسرى فيذله ويقتله ، ويخبر صلى الله عليه وسلم (باذام ) بما حدث لسيده ، ويعود ( باذام ) فيجد صدق خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ثم يستجيب الله لدعوة نبيه عندما دعا الى تمزيق مملكة كسرى .

حوار يزدجر مع النعمان بن مقرن :
لقد دانت الجزيرة العربية بالاسلام ، وامتطى جند الله صهوات خيولهم يطرقون أبواب المدائن ودمشق والقدس بأيد مضرجة بالدماء ، ونفوس متعطشة الى وعد الله لهم في جنان الخلد وملك لا يفنى .
وعندما صمم المسلمون على فتح بلاد فارس انتدبوا سعد بن أبي وقاص لهذه المهمة ، كانت هناك مفاوضات ورسل بين الجيشين ونسوق فيما يلي بعض ما حدث :

أرسل سعد بن أبي وقاص طائفة من أصحابه الى كسرى ، يدعونه الى الاسلام قبل أن تنشب الحرب بينهما ، فاستأذنوا عليه فأذن لهم ، وخرج أهل البلد ينظرون الى أشكال الرسل وأرديتهم على عواتقهم ، وسياطهم بأيديهم ، والنعال بأرجلهم .. كما نظر أهل البلد الى خيول رسل سعد الضعيفة ، وجعلوا يتعجبون منها ومنهم غاية العجب ويتساءلون :


-41-

كيف يتحدى هؤلاء كسرى مع كثرة عدد جيشه وشدة بأسه ؟!
ولما استأذن الرسل على الملك (يزدجرد ) أذن لهم وأجلسهم بين يديه ، وكان متكبرا قليل الأدب ، ثم جعل يسألهم عن ملابسهم هذه ما اسمها أي عن النعال والسياط والثياب و ..
وكلما قالوا له شيئا من ذلك تفاءل فرد الله فأله على رأسه ثم قال لهم : ما الذي أقدمكم هذه البلاد ؟ أظننتم أنا لما تشاغلنا بأنفسنا اجترأتم علينا ؟!

فقال النعمان بن مقرن :
إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولا يدلنا على الخير و يأمرنا به ، ويعرفنا الشر وينهانا عنه ، ووعدنا على اجابته خيري الدنيا والآخرة . فلم يدع الى ذلك قيبلة إلا صاروا فرقتين فرقة تقاربه وفرقة تباعده ، و لا يدخل معه في دينه إلا الخواص ، فمكث كذلك ما شاء أن يمكث ، ثم أمر أن ينهد الى من خالفه من العرب ويبدأ بهم ، ففعل فدخلوا معه جميعا على وجهين مكره عليه فاغتبط ، وطائع إياه فازداد . فعرفنا جميعا فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق ، وأمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم الانصاف ، فنحن ندعوكم الى ديننا وهو دين الاسلام حسن الحسن وقبح القبيح كله ، فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه الجزية ، فإن أبيتم فالمناجزة .

وإن أجبتم الى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله وأقمناكم عليه على أن تحكموا بأحكامه ونرجع عنكم ، وشأنكم وبلادكم ، وإن أتيتمونا بالجزية قبلنا ومنعناكم وإلا قاتلناكم .

قال فتكلم يزدجرد فقال :
إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عددا و لا أسوأ ذات بين منكم

-42-

قد كنا نوكل بكم قرى الضواحي ليكفوناكم ، ولا تغزركم فارس ، ولا تطمعون أن تقوموا لهم . فإن كان عددكم كثر فلا يغرنكم منا ، وان كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتا الى خصبكم وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم وملكنا عليكم ملكا يرفق بكم . فأسكت القوم فقام المغيرة بن شعبة فقال :

أيها الملك ان هؤلاء رؤوس العرب ووجوههم ، وهم أشراف يستحيون من الأشراف ، وانما يكرم الأشراف الأشراف ، ويعظم حقوق الأشراف الأشراف ، وليس كل ما أرسلوا له جمعوه لك ، و لا كل ما تكلمت به أجابوا عليه ، و لا يحسن بمثلهم ذلك ، فجاوبني فأكون أنا الذي أبلغك ويشهدون على ذلك .

انك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالما ، فأنت ما ذكرت من سوء الحال فما كان أسوأ حالا منا ، وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع ، كنا نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات ، ونرى ذلك طعامنا ، وأما المغازل فإنما هي ظهر الأرض ، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم .

ديننا أن يقتل بعضنا بعضا ، وأن يبغي بعضنا على بعض ، وان كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهية أن تأكل من طعامه ، وكانت حالنا قبل اليوم على ما ذكرت لك ، فبعث الله إلينا رجلا معروفا نعرف نسبه ونعرف وجهه ومولده ، فأرضه خير أرضنا ، وحسبه خير أحسابنا ، وبيته خير بيوتنا ، وقبيلته خير قبائلنا ، وهو نفسه كان خيرنا في الحال التي كان فيها أصدقنا وأحلمنا ، فدعا الى أمر فلم يجبه أحد .
أول ترب كان له الخليفة من بعده ، فقال وقلنا ، وصدق وكذبنا وزاد ونقصنا

-43-

فلم يقل شيئا إلا كان ، فقذف الله في قلوبنا التصديق له وأتباعه ، فصار فيما بيننا وبين رب العالمين .

فما قال لنا فهو قول الله ، وما أمرنا فهو أمر الله ، فقال لنا أن ربكم يقول :
أنا الله وحدي لا شريك لي كنت اذا لم يكن شيء ، وكل شيء هالك إلا وجهي ، انا خلقت كل شيء وإلي يصير كل شيء ، وإن رحمتي أدركتم فبعث إليكم هذا الرجل لأدلكم على السبيل التي أنجيكم بها بعد الموت من عذابي ، ولأحلكم داري دار السلام .
فنشهد عليه أنه جاء بالحق من عند الحق ، وقال من تابعكم على هذا فله مل لكم وعليه ما عليكم ، ومن أبى فأعرضوا عليه الجزية ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم ، ومن أبى فقاتلوه فأنا الحكم بينكم ، فمن قتل منكم أدخلته جنتي ، ومن بقى منكم اعقبته النصر على من ناوأه .

فاختر إن شئت الجزية وأنت صاغر ، وإن شئت فالسيف ، أو تسلم فتنجي نفسك .

فقال يزدجرد :
أتستقبلني بمثل هذا ؟.
فقال _ المغيرة _ :
ما استقبلت إلا من كلمني ، ولو كلمني غيرك لم أستقبلك به .

فقال :
لولا أن الرسل لا تقتل لقتلك ، لا شيء لكم عندي . وقال ائتونى بوقر من تراب فاحملوه على أشرف هؤلاء ثم سوقوه حتى يخرج من أبيات المدائن .