الموضوع: لله ثم للتاريخ
عرض مشاركة مفردة
  #39  
قديم 04-09-2006, 11:15 AM
زومبي زومبي غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
المشاركات: 664
إفتراضي

-59-

فإن النار بالعيدان تذكى وأن الحرب مبدؤها الكلام
فقلت من التعجب ليت شعري أأيقاظ أمية أم نيام "6"

ولم يكن بنو أمية نياما ، ولكن التنظيم أقوى من الفوضى ، وما كانت الفرقة والتناحر والترف قادرة على دحر التخطيط والعمل الجاد المستمر .. وهذه كانت حالة بني أمية مع خصومهم .
مؤامرة أبي مسلم الخراساني
في عام 129 ظهر أبو مسلم الخراساني قرب ( مرو ) واحتلها عام 130 ثم سقطت خراسان كلها بأيدي العباسيين .. وبعد سقوط خراسان وجه أبو مسلم جيوشه الى العراق فاحتلها وأظهرت أبا العباس السفاح من مخبئه ، وبويع له بالخلافة عام 132 .
ومنذ هذا التاريخ بدأ حكم الفرس فعلا ، وكان خلفاء بني العباس أشبه بالضيوف في بيت أبي مسلم الخراساني أو في بيت جعفر البرمكي باستثناء وقفات طيبة جريئة من بعض خلفاء بني العباس وتكاد لا تذكر من ندرتها "7" .


(6) البداية والنهاية ، ج 10 ، ص 32 .
(7) أبو مسلم الخراساني يقال له عبد الرحمن بن شيرون _ ابن اسفنديار أبو مسلم المروزي ، وقيل كان اسمه ابراهيم بن عثمان بن يسار بن سندوس بن حوذون ، من ولد بزر جمهر . ولما بعثه ابراهيم بن محمد الامام الى خراسان قال له : غير اسمك وكنيتك فتسمى عبد الرحمن بن مسلم . عن البداية والنهاية . فهو فارسي الأصل ، وكان أتباعه من الفلاحين الفرس ، ودعايته كانت قائمة على أساس من المعتقدات المجوسية . خافه المنصور بعد أن شق عليه عصا الطاعة وقتله عام 137 .


-60-

وأشفى معظم الفرس غليلهم من العرب المسلمين فأشبعوهم قتلا وتنكيلا وبطشا منذ بداية قيام الدولة العباسية وحتى عام 137 ، وعندما هم المنصور أن يكون خليفة فعلا ، سخر منه أبو مسلم ، وشق عليه عصا الطاعة ، وحاول أن يستقل بخراسان لولا أن المنصور استدرجه بحنكته ودهائه ، وفرق عنه معظم أتباعه وأنصاره ثم قتله عام 137 .

ولم يكن مقتل أبي مسلم الخراساني أمرا سهلا ففي عام 138 خرج (سنباذ ) يطالب بدم أبي مسلم ، وسنباذ هذا مجوسي استطاع أن يجمع تحت لوائه جيشا من الفرس تغلب بهم على قوس وأصبهان ، فبعث إليه أبو جعفر المنصور جيشا هزمه بين همذان والري .

وفي عام 141 ظهرت جماعة من الخراسانيين من جماعة أبي مسلم في قرية رواندا قرب أصفهان وعرفوا ( بالرواندية ) وكانوا يقولون بتناسخ الأرواح ، ونادوا بألوهية المنصور ، وأردوا من وراء ذلك قتله ثأرا لزعيمهم أبي مسلم ، لكن المنصور قاومهم بنفسه وانتصر عليهم غير أنهم تمكنوا من قتل عثمان بن نهيك قاتل أبي مسلم .

وفي عام 161 ظهر رجل فارسي أطلق عليه اسم ( المقنع ) وادعى أن الله سبحانه وتعالى قد حل بآدم عليه السلام ثم في نوح ثم في أبي مسلم الخراساني ، ثم حل فيه بعد أبي مسلم ، واجتمع عليه خلق كثير تغلب بهم على بلاد ما وراء النهر واحتمى بقلعة ( كش ) ، فأرسل إليه المهدي جيشا بقيادة سعيد الجرشى فحاصره وهزمه وقتل كثيرا من أصحابه ، فلما أحس بالهلكة شرب سما ، وسقاه نساءه وأهله ، فمات وماتوا جميعا ، ودخل المسلمون قلعته ، واحتزوا رأسه ، وأرسلوه الى المهدي عام 163هجرية .


-61-

والمهدي كان شديدا في حرب الملاحدة ، وأنشأ هيئة مهمتها التنقيب والبحث عن الزنادقة ، وجعل لها رئيسا أطلق عليه اسم ( صاحب الزنادقة ) .

قال المسعودي في المهدي :
( انه أمعن في قتل الملحدين والمداهنين عن الدين لظهورهم في أيامه ، واعلانهم عن معتقداتهم في خلافته لما انتشر من كتب ماني ، وابن ديصان ومرقيون ، مما نقله عبد الله بن المقفع وغيره وترجمه من الفارسية والفهلوية الى العربية ، وما صنف في ذلك ابن أبي العوجاء وحماد عجرد ، ويحيى بن زياد ، ومطيع بن إياس من تأييد المذاهب المانوية والديصانية والمرقونية . فكثر بذلك الزنادقة ، وظهرت آراؤهم في الناس .

وكان المهدي أول من أمر الجدليين من أهل البحث من المتكلمين بتصنيف الكتب في الرد على الملحدين ممن ذكرنا من الجاحدين وغيرهم ، وأقاموا البراهين على المعاندين ، وأزالوا شبه الملحدين فأوضحوا الحق للشاكين"8" ) .

ولقد أوصى المهدي ابنه (الهادي) بتتبع الزنادقة والبطش بهم ، ورغم قيام هيئة مختصة مهمتها تتبع الزنادقة استطاعوا ان يحتفظوا بأنشطتهم بصورة سرية ، وعن هذا الطريق تمكنوا من احتلال أغلب المناصب في دولة بني العباس ، وبلغ أحدهم ( الأفشين ) قائد جيوش المعتصم .

(8) ضحى الاسلام ، ج1 ، ص 140 ، عن المسعودي ، ج2 ، ص 401 .
-62-

المبحث الثالث
البرامكة
تنسب هذه الأسرة الى جدها برمك وهو من مجوس بلخ وكان يخدم النوبهار وهو معبد كان للمجوس بمدينة بلخ توقد فيه النيران فكان برمك وبنوه سدنة له ، وكان برمك عظيم المقدار عندهم ولم يعلم هل أسلم أم لا ؟ .

ولما جاءت الدعوة العباسية خراسان كان خالد بن برمك من أكبر دعاتها وقد استوزره أبو العباس السفاح ثم استمر في منصبه أيام المنصور ، وبعد وفاة خالد ولى المنصور ابنه يحيى اذربيجان ثم أصبح كاتبا ووزيرا لهارون الرشيد"9" .

وملك البرامكة أمر الرشيد فاحتازوا الأموال دونه ، حتى كان الرشيد يحتاج الى اليسير من المال فلا يقدر عليه ، وأصبحت بيوتهم موئل الأدباء والعلماء وذوي الحاجات ، فملكوا القصور والضياع والمزارع حتى طغى صيتهم على صيت الخليفة .

وفي عام 187 أمر الرشيد بالقضاء عليهم ، فقتل جعفر وسجن يحيى وبقية أولاده حتى ماتوا في السجن ، واختلف المؤرخون في سبب نكبتهم ، فذكر ابن كثير أنهم أظهروا الزندقة والله أعلم .

(9) محاضرات تاريخ الأمم الاسلامية للخضري الدولة العباسية ، ص 111 .

-63-

خلاصة البحث

لقد سيطر الفرس على خلفاء بني العباس ، وتغلغل نشاطهم في مجالات كثيرة أبرزها ما يلي :
1_ ظهرت حركات فارسية كثيرة في عهد بني العباس ، وجوهر هذه الحركات وأصولها لا يختلف عن أديان الفرس التي كانت منتشرة قبل الاسلام : فالرواندية تؤمن بتناسخ الأرواح ، والمقنع نادى بالحلول ، وحركة الزنادقة لا تختلف كثيرا عن معتقدات ماني بل ان الاسم نفسه هو الاسم القديم .. ومن قبل نادت السبئية والكيسانية بتناسخ الجزء الالهي في الأئمة ، وبالحلول ، والرجعة بعد الموت وعلم الباطن .
2_ عاد الفرس في عهد بني العباس الى تصوراتهم وعاداتهم القديمة ، فلبسوا القلنسوة ، وصاروا يحتفلون بأعياد المجوس (كالنوروز)"10" وهو يوم رأس السنة الفارسية ، وعيد اليوم السعيد ، وعيد السقى ، وعيد النساء ، وعيد الثوم ، وعيد نوروز الأنهار والمياه الجارية .
3_ صار الفرس وزراء للخلفاء العباسيين ، وقادة لجيوشهم ، وتوصلوا لأعلى المناصب في دولة بني العباس واشتهر منهم : أبو مسلم الخراساني والبرامكة ، وفي عهد المأمون أصبح المجوسي ( الفضل بن سهل ) وزيرا وقائدا لجيشه فكان يلقب بذي الرياستين ( الحرب والسياسة ) ، وتمكن الفرس من تزويج بناتهم للخلفاء ، فنشأ أولاد الخلفاء في كنف أخوالهم ، وتربوا على معتقداتهم ووثنياتهم المجوسية :

(10) في عيد النوروز كان الملوك الساسانيين يسعدون رعاياهم في جميع الولايات في هذا اليوم ، وتقدم الضرائب ، وتضرب النقود الجديدة .

-64-

فأم المأمون ( مراجل ) فارسية ، وعندما انتهى الحكم إليه اتخذ من ( مرو ) عاصمة للخلافة بدلا من بغداد ، ونادى بأفكار وفلسفات غريبة عن الاسلام كقوله بخلق القرآن ، وجاءت هذه الدعوة من رواسب تربيته الفارسية المجوسية .
4_ استغل الفرس نفوذهم في دولة بني العباس فعمدوا الى نشر تراثهم الفكري والأدبي ، وانبرى شعراؤهم يذودون عن مجد وتاريخ فارس وكسرى ، ويسخرون من تاريخ العرب وحياتهم . قال أحدهم :
فلست بتارك إيوان كسرى
لتوضيح أو لحومل فالدخول
وضب في الفلا ساع وذئب
بها يعوي وليث وسط غيل

وتحدث الشاعر الفارسي المشهور الخريمي عن أصله فقال مفاخرا :
اني امرؤ من سراة الصغد ألبسني
عرق الأعاجم جلدا طيب الخبر
وقال أيضا :
وناديت من مرو وبلخ فارسا
لهم حسب في الأكرمين حسيب
فيا حسرتا لادار قومي قربية
فيكثر منهم ناصري ويطيب
وان أبي كسرى بن هرمز
وخاقان لى لو تعلمين نسيب

-65-

ملكنا رقاب الناس في الشرك كلهم
لنا تابع طوع القياد جنيب
نسومكموا خسفا ونقضي عليكمو
بما شاء منا مخطئ ومصيب

ولعل افتخار الخريمي وأمثاله بكسرى بن هرمز وخاقان ، وتعلقهم بمرو وبلخ وزردشت ومزدك هو الذي دفع الأصمعي الى هجائهم ، والتنديد بشركهم ، فقال :
اذا ذكر الشرك في مجلسي
أضاءت وجوه بني برمك
وان تليت عندهم آية
أتوا بالأحاديث عن مزدك"11"

5_ عمد المجوس من الفرس وهم الأكثرية الى تشويه التاريخ الاسلامي ، ودس الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعملوا على تجريح أعلام الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين ، وراحوا يجسمون الفتن التي وقعت بين الصحابة أو التابعين ، وأرادوا من وراء ذلك أن يقدموا التاريخ الاسلامي للبشرية على أنه فتن وحروب وسفك دماء .

وما من رواية أو حديث مكذوب في كتب الحديث والتاريخ والسير إلا وتجد مجوسيا وراءه .
(11) الأبيات الشعرية اعتمدنا في الاستشهاد بها على كتاب ضحى الاسلام لأحمد أمين ، ج1 ، ص 64 .

-66-

ولم يقفوا عند هذا الحد بل راحوا ينشرون الزندقة والالحاد حتى يتخلى الناس عن الاسلام ويتسنى لهم اعادة المانوية والزردشتية والمزدكية من جديد .

وفي كل تحركاتهم وأنشطتهم كانوا يعمدون الى الأسلوب السري ، فالروادندية وحركة المقنع وغيرهما كانوا يفاجئون الناس ويباغتونهم مباغتة .