عرض مشاركة مفردة
  #14  
قديم 09-02-2004, 03:43 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

قال: ( يا محمد، أخبرني عن الإسلام ) ( أخبرني عن الإسلام ) هذا سؤال عن نوع من أنواع الدين ألا وهو الإسلام المتعلق بالأعمال الظاهرة، فسأل عن الإسلام، ثم سأل عن الإيمان، ثم سأل عن الإحسان... إلى آخره.
فقال: ( يا محمد، أخبرني عن الإسلام ) وفي قوله: "أخبرني" فيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم مخبر، يعني: أنه ينقل أيضًا الخبر عن الإسلام، وهذا موافق لما هو متواتر في الشريعة أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو مبلغ للدين عن الله -جل وعلا-.
( قال: أخبرني ) يعني: اجعل كلامك لي خبرا، فأخبرني بذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم أيضًا مخبر عن ربه -جل وعلا- في ذلك، كما جاء في بعض الأحاديث القدسية، قد قال -عليه الصلاة والسلام- فيما يخبر به عن ربه -جل وعلا-.
( قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) إلى آخره، هذا التفسير للإسلام تفسير للأركان الخمسة المعروفة التي سيأتي -إن شاء الله- بعض بيانها في حديث ابن عمر الثالث الذي نشرحه غدا -إن شاء الله- فـ ( قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) وهذا ركن واحد ( وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. فقال: صدقت ) .
الإسلام هنا فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالأعمال الظاهرة، ولم يجعل فيه الأعمال الباطنة، أو بعض الأعمال الباطنة، ومعنى هذا أن الإسلام استسلام ظاهر، وهذا الاستسلام الظاهر يخبر عنه بالشهادتين، وبإقامة الأركان العملية الأربعة، والشهادة في نفسها لفظ فيه الاعتقاد، والتحدث، والإخبار الذي هو الإعلام.
وعلى هذا فسر السلف كلمة شهد، فقوله -جل وعلا-: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {18}سورة آل عمران ، شهد الله ما معناه هل الله يشهد بمعنى أي شيء؟ يشهد بمعنى يعلم ويخبر.
فإذًا شهادة المسلم بأن لا إله إلا الله لا تستقيم مع كتمانه هذه الشهادة، فمن شهد ذلك بقلبه ولم يظهر هذه الشهادة دون عذر شرعي فإنه لا شهادة له؛ بل لا بد في الشهادة من حيث اللفظ الذي دلت عليه اللغة، وأيضًا من حيث الدليل الشرعي لا بد فيها من الإظهار، وهو الموافق لمعنى الإسلام الذي هو الأعمال الظاهرة.
فإذًا دخول الشهادتين في الإسلام الذي هو الأعمال الظاهرة راجع لمعنى الشهادة، وهو أن معنى الشهادة الإظهار، يعني: بعد الاعتقاد الإظهار والإعلام والإخبار، وهنا يأتي الاعتقاد؛ اعتقاد الشهادتين يرجع إليه؛ لأنه في معنى شهد، يرجع إليه أركان الإيمان جميعًا.
ولهذا نقول: الإسلام هو الأعمال الظاهرة، ولا يصح إلا بقدر مصحح له من الإيمان، وهو الإيمان الواجب بالأركان الستة؛ فالإيمان الواجب يعني: أقل قدر من الإيمان به يصبح المرء مسلمًا، هذا مشمول في قوله: ( أن تشهد أن لا إله إلا الله ) لأن الشهادة معناها الاعتقاد والنطق والإخبار والإعلام، فتشمل هذه الأمور الثلاثة، فالاعتقاد يرجع إليه أركان الإيمان الستة.
فنخلص من هذا إلى أن الإسلام، وإن قال أهل العلم فيه: إن المراد به هنا الأعمال الظاهرة، فإنه لا يصح الإسلام إلا بقدر من الإيمان مصحح له، وهذا القدر من الإيمان دلنا على اشتراطه لفظ أن تشهد؛ لأن لفظ الشهادة في اللغة والشرع متعلق بالباطن والظاهر.
والاعتقاد في الشهادتين بأن لا إله إلا الله، هذا هو الإيمان بالله، وبأن محمدًا رسول الله، يرجع إليه الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما أخبر به -عليه الصلاة والسلام- من الإيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، والإيمان باليوم الآخر، والقدر خيره وشره.
الإيمان فسره النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل بالاعتقادات الباطنة، وهذا الفرق بين المقامين لأجل وردوهما في حديث واحد، فالإسلام إذا اقترن مع الإيمان رجع الإسلام إلى الأعمال الظاهرة ومنها الشهادتان، ورجع الإيمان إلى الأعمال الباطنة، وإذا أفرد الإسلام فإنه يراد به الدين كله، وهو الذي منه قسم الإسلام هذا، وإذا أفرد الإيمان فإنه يراد به الدين كله بما فيه الأعمال.
ولهذا أجمع السلف والأئمة على أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، وعلى أن الإيمان قول وعمل يعني: قول وعمل واعتقاد، يعني: إذا أفرد، وهذا هو الذي عليه عامة أهل العلم من أهل السنة والجماعة في أن الإسلام غير الإيمان، وأن الإيمان إذا جاء مستقلًا عن الإسلام فإنه يعنى به الدين كله؛ يعنى به الإسلام والإيمان والإحسان، وإذا أتى الإسلام في سياق مستقل عن الإيمان يعنى به الدين كله، وأن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا من حيث الدلالة، فجعل الإسلام للأعمال الظاهرة، وجعل الإيمان للاعتقادات الباطنة.
من أهل العلم من السلف أيضًا، من رأى أن الإسلام والإيمان واحد، وهذا -كما ذكرت لك- غير صحيح، ومنهم أيضًا رأى أن الإسلام والإيمان يختلفان، ولو تفرقا أيضًا، ولكن الصحيح أن الإسلام إذا اجتمع مع الإيمان صار الإسلام -كما ذكرت لكم- للأعمال الظاهرة والإيمان للاعتقادات الباطنة، كما دل عليه حديث جبريل هذا.

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }