عرض مشاركة مفردة
  #19  
قديم 09-02-2004, 04:02 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

مقام المراقبة أعلى منه لأهل العلم مقام المشاهدة، وهو الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( أن تعبد الله كأنك تراه ) فإن العبد المؤمن كلما عظم عِلمه وعظم يقينه بصفات الله -جل وعلا- وبأسمائه أرجعَ كل شيء يحصل في ملكوت الله إلى اسم من أسماء الله -جل وعلا- أو إلى صفة من صفاته.
والمشاهدة -كما ذكرت لك- في وصفها، وكل هذا راجع إلى الإحسان، إحسان العمل: وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ {7} سورة هود ، وكلما عظم مقام المشاهدة أو المراقبة زاد إحسان العمل .
قال: ( فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل ) ؛ لأن علم الساعة عند الله -جل وعلا-: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ {187} سورة الأعراف.
قال: ( فأخبرني عن أماراتها ) الساعة لها أمارات، وهي الدلائل والعلامات، والأمارات يعني: الأشراط كما جاء في آية سورة محمد قال -جل وعلا-: فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ {18} شورة محمد ، يعني: أشراط الساعة، وهي علاماتها، جمع شرط وهو العلامة البيِّنة الواضحة التي تدل على الشيء
قال: ( فأخبرني عن أماراتها ) .
أمارات الساعة قسمها العلماء إلى قسمين: أشراط وأمارات صغرى، وأشراط وأمارات كبرى، وهذا المذكور هنا هي الأمارات الصغرى، ذكر منها: ( أن تلد الأمَةُ ربَّتها ) .
والمقصود بالأشراط الصغرى أو الأمارات الصغرى: هي التي تحصل قبل خروج المسيح الدجال، فما كان قبل خروج المسيح الدجال مما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من علامات الساعة، فإن هذا من الأشراط الصغرى.
ثم ما بعد ذلك من الأشراط الكبرى، وهي عشر تحصل تباعا في ذلك فمثلا قوله: ( لا تقوم الساعة حتى تقاتلون قوما كذا ) هذا من الأشراط الصغرى، ( لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من المدينة تضيء لها أعناق الإبل بالبصرة ) هذا من الأمارات الصغرى، ( لا تقوم الساعة حتى يفتح بيت المقدس ) أو اعْدُدْ سِتًّا كما في حديث عون بن مالك المعروف: ( اعْدُدْ سِتًّا بين يدي الساعة: موتي، وفتحُ بيت المقدس، ثم مُوتَانٌ يخرج فيكم كقُعَاصِ الغنم، ثم استفاضة المال ) … إلخ، هذه جميعاً أشراط صغرى.
وهذه الأشراط الصغرى ذِكْرُها لا يدل على مدح أو على ذم، فقد يذكر الشيء على أنه علامة من علامات الساعة وليس هذا دليلاً على أنه محمود أو مذموم، أو على أنه منهي عنه في الشريعة.
فقد يكون الشيء من الأشراط وهو من الأمور المحمودة في الشريعة، كما قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الذي ذكرتُ لك حديث عوف بن مالك قال: ( اعدد ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس ) وهو من الأمور المحمودة، وقد يكون من الأمور المذمومة.
فإذًا وصف الشيء بأنه من أشراط الساعة الصغرى أو الكبرى لا يدل بنفسه، يعني: بكونه شرطاً لا يدل على مدحه أو ذمه بل هذا له اعتبار آخر.
قال هنا: ( فأخبرني عن أماراتها ) يعني: الأمارات الصغرى، قال: ( أن تلد الأمة ربتها ) ربتها يعني: سيدتها، فالأمة إذا ولَدت فإن مولودها الذكر أو الأنثى هو سيد كمالك الأمَة.
فإذًا الأمة هذه التي وَلدت هذا الولد أصبحت مَسُودَة له فهو سيِّد على أمِّه، والبنت سيدة على الأَمَة باعتبار أن الأب سيد؛ لهذا تعتق أم الولد بعد موت السيد؛ ولا تعتق بمجرد ولادتها منه بل بعد موته لأجل الولادة؛ فلذلك قال هنا: ( أن تلد الأمة ربتها ) .
الربة هنا بمعنى: السيدة تلد سيدتها؛ لأن البنت المولودة حرة وسيدة، وقال أهل العلم في هذا: هذا كناية أو إخبار عن كثرة الرقيق حيث يكثر هذا، وإلا فإنه موجود في العصور الأولى، في عهد الإسلام الأول، موجود فيما قبله وُلود الأمة لسيدها أو لسيدتها، وهذا غير المقصود به هذا الخبر بأنه من أمارات الساعة.
لكن المقصود به: أن يكثر ذلك بحيث يكون ظاهراً فيكون علامة، وقد حصل هذا، فقد حصل لما كثرت الفتوح صار الرجل يأخذ إماء كثيرة ويصير له عشر أو عشرون من الإماء، فيطأ هذه ويطأ هذه، فكل واحدة تنجب فيصبح الأولاد أسيادا على الأمهات لكثرة الرقيق .
قال: ( وأن ترى الحُفَاة العُراة العالة رِعَاءَ الشاة يتطاولون في البنيان ) يعني: أن ترى الفقراء الذين ليسوا بأهل للغنى، وليسوا بأهل للتطاول لِما جعلهم الله -جل وعلا- عليه مِن رعي للشاة أو تتبع للجِمال أو نحو ذلك، جعلهم الله -جل وعلا- على هذا، فمن العلامات أنهم يتركون هذا الذي هو لهم، ويتجهون للتطاول في البنيان.
والتطاول في البنيان جاء في ذمِّه أحاديث كثيرة معروفة، فقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- لا يتطاولون في البنيان، بل كانت منازلهم قصيرة -رضوان الله عليهم- ففي هذا ذمٌّ للذين يتطاولون في البنيان، وهم ليسوا أصلاً بأهل لذلك.
وهذا فيه تغير الناس وكثرة المال، وأن يكون المال في أيدي مَن ليس له بأهل .
قال: ( ثم انطلق، فلبثت مليًّا ) انطلق يعني: جبريل، "فلبثتُ": ذلك عمر رضي الله عنه مليًّا: جاءت في بعض الروايات أنها ثلاثة أيام، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم ( يا عمرُ أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) .
أخبره -عليه الصلاة والسلام- بذلك مع علمه -عليه الصلاة والسلام- به، أخبره حتى يعظم وقع هذه الأسئلة، وجواب هذه الأسئلة .
ونسأل الله -جل وعلا- أن ييسره لي ولكم
وأستغفر الله العظيم
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .

إنتهى شرح الحديث الثاني

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }