عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 01-12-2006, 09:32 AM
alaa_abes2 alaa_abes2 غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2006
المشاركات: 96
إفتراضي

4- ادعوا بالحكمة والحسنى:

وأنصح هؤلاء الشباب المتدينين، رابعا: أن يتبعوا المنهج الذي رسمه القرآن في الدعوة إلى سبيل الله وجدال المخالفين، وهو ما جاء في خواتيم سورة النحل خطابا للرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكي نهتدي بهديه من بعده: (( ادع إلى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجاد لهم بالّتي هي أحسن )) (النحل: 125 ).

ومن تأمل الآية الكريمة وجد أنها لا تكتفي بالأمر بالجدال بالطريقة الحسنة، بل أمرت بالتي هي أحسن، فإذا كان هناك طريقتان للحوار والمناقشة، إحداهما: حسنة، والأخرى أحسن منها، وجب على المسلم أن يجادل بالتي هي أحسن، جذباً للقلوب النافرة، وتقريبا للأنفس المتباعدة.

ومن التي هي أحسن: ذكر مواضع الاتفاق بين المتجادلين، والانطلاق منها إلى مواضع الخلاف، عسى أن يتفق عليها كما في قوله تعالى: (( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاَّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم وقولوا: آمنَّا بالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون )) (العنكبوت:46 ).

أما مواضع الاختلاف، فالحكم فيها إلى الله يوم القيامة: ((وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون )) (الحج : 68-69 ).

وإذا كان هذا أسلوب جدال المسلم لغير المسلم، فكيف يكون جدال المسلم للمسلم وقد أظلتهما وحدة العقيدة والأخوة في الدين؟

إن بعض الإخوة يخلطون بين الصراحة في الحق والخشونة في الأسلوب، مع أنه لا تلازم بينهما، والداعية الحكيم هو الذي يوصل الدعوة إلى غيره بألين الطرق، وأرق العبارات، دون أدنى تفريط في المضمون.

والواقع المشاهد يعلمنا: أن الأسلوب الخشن يضيع المضمون الحسن، ولهذا ورد في الأثر: من أمر بمعروف، فليكن أمره بمعروف.

وقال الإمام الغزالي في كتاب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " من "الإحياء " لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا رفيق فيما يأمر به، رفيق فيما ينهى عنه ، حليم فيما يأمر به، حليم فيما ينهى عنه، فقيه فيما يأمر به، فقيه فيما ينهى عنه .

ومما ذكره هنا رحمه الله: أن رجلا دخل على المأمون، الخليفة العباسي، يـأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، فأغلط له القول، وقسا في التعبير، ولم يراع أن لكل مقام مقالاً يناسبه، وكان المأمون ذا فقه فقال له: يا هذا، ارفق، فإن الله بعث من هو خير منك إلى من هو شر مني، وأمره بالرفق، بعث موسى وهارون، وهما خير منك، إلى فرعون، وهو شر مني، وأوصاهما بقوله: ((اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا ليِّناً لعلّه يتذكر أو يخشى )) (طه:43 )

وبهذا حج المأمون ذلك الرجل وخصمه، فلم يجد جواباً. ومما علمه الله لموسى أن تكون دعوته لفرعون بهذه الصيغة اللينة الرقيقة: ((فقل: هل لك إلى أن تزكّى وأهديك إلى ربك فتخشى )) (النازعات: 19 ).

ومن اطلع على حوار موسى مع فرعون في القرآن الكريم، يجده قد وعى وصية الله له، ونفذها بكل دقة برغم تجبر فرعون واستعلائه، وتهجمه واتهامه وتهديده، كما يتبين ذلك من سورة الشعراء.

ومن درس سيرة رسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم وسنته في هذا الجانب رأى في هديه: الرفق الذي يرفض العنف، والرحمة التي تنافي القسوة، واللين الذي يأبى الفظاظة: كيف لا، وقد وصفه الله بقوله: ((لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكمْ بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم )) (التوبة: 128 ).

وصور علاقته بأصحابه في قوله: ((فَبِما رحمة مِنَ الله لِنْت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك )) (آل عمران: 159 ).

ولوى بعض اليهود لسانه في تحيته صلى الله عليه وسلم قال: السام عليكم (أي: الموت ) بدل "السلام عليكم " فغضبت عائشة وردت عليه رد عنيفاً، ولم يزد عليه السلام على أن قال: وعليكم. ثم قال لعائشة: "إن الله يحب الرفق في الأمر كله " (متفق عليه )، أي في أمر الدين والدنيا، قولاً أو عملاً.

وعنها أنه قال: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه " (رواه مسلم ).

وعنها أيضا أنه قال: "وإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه " (رواه مسلم ) بهذا التعميم الذي يشمل كل شيء.

وعن جرير بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من يحرم الرفق يحرم الخير كله " (رواه مسلم ) وأي عقوبة أشد وأقسى من أن يحرم الإنسان الخير كل الخير؟!

وأحسب أن في هذا القدر من النصوص ما يكفي لإقناع أبنائنا -الذين اتخذوا التهجم والعنف سمة لهم - بالعدول عن طريقتهم الخشنة إلى طريق الحكمة والموعظة الحسنة.