عرض مشاركة مفردة
  #28  
قديم 10-06-2007, 05:30 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile

تابــــع

الوجه الرابع: أنّا نعفيه من الإجماع، ونطالبه أن ينقل ذلك بإسناد واحد صحيح. وهذا الإسناد الذي ذكره الثعلبي إسناده ضعيف، فيه رجال متهمون. وأما نقل ابن المغازلي الواسطي فأضعف وأضعف، فإن هذا قد جمع في كتابه من الأحاديث الموضوعات ما لا يخفي أنه كذب على من له أدنى معرفة بالحديث، والمطالبة بإسناد يتناول هذا وهذا.
الوجه الخامس: أن يُقال: لو كان المراد بالآية أن يؤتي الزكاة حال ركوعه، كما يزعمون أن عليّاً تصدق بخاتمه في الصلاة، لوجب أن يكون ذلك شرطاً في الموالاة، وأن لا يتولى المسلمون إلا عليّاً وحده، فلا يُتَوَلّى الحسن ولا الحسين ولا سائر بني هاشم. وهذا خلاف إجماع المسلمين.
الوجه السادس: أن قوله: "الذين" صيغة جمع، فلا يصدق على عليٌّ وحده.
الوجه السابع: أن الله تعالى لا يثني على الإنسان إلا بما هو محمود عنده: إما واجب، وإما مستحب. والصدقة والعتق والهدية والهبة والإجارة والنكاح والطلاق، وغير ذلك من العقود في الصلاة، ليست واجبة ولا مستحبة باتفاق المسلمين، بل كثير منهم يقول: إن ذلك يبطل الصلاة وإن لم يتكلم، بل تبطل بالإشارة المفهمة. وآخرون يقولون: لا يحصل المِلْك بها لعدم الإيجاب الشرعي. ولو كان هذا مستحبّاً، لكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يفعله ويحض عليه أصحابه، ولكان عليّ يفعله في غير هذه الواقعة.
فلما لم يكن شيء من ذلك، عُلم أن التّصدُّق في الصلاة ليس من الأعمال الصالحة، وإعطاء السائل لا يفوت، فيمكن المتصدق إذا سلَّم أن يعطيه، وإن في الصلاة لشغلاً.
الوجه الثامن: أنه لو قُدِّر أن هذا مشروع في الصلاة، لم يختص بالركوع، بل يكون في القيام والقعود أولى منه في الركوع، فكيف يُقال: لا وليّ لكم إلا الذين يتصدقون في كل الركوع. فلو تصدّق المتصدّق في حال القيام والقعود: أما كان يستحق هذه الموالاة؟
فإن قيل: هذه أراد بها التعريف بعليّ على خصوصه.
قيل له: أوصاف عليّ التي يُعرف بها كثيرة ظاهرة، فكيف يَتْرُك تعريفه بالأمور المعروفة، ويعرفه بأمر لا يعرفه إلا من سمع هذا وصدَّقه؟.
وجمهور الأمة لم تسمع هذا الخبر، ولا هو في شيء من كتب المسلمين المعتمدة: لا الصحاح، ولا السنن، ولا الجوامع، ولا المعجمات، ولا شيء من الأمّهات. فأحد الأمرين لازم: إن قصد به المدح بالوصف فهو باطل، وإن قصد به التعريف فهو باطل.
الوجه التاسع: أن يُقال: قوله: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} على قولهم يقتضي أن يكون قد آتى الزكاة في حال ركوعه. وعليّ رضي الله عنه لم يكن ممن تجب عليه على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم. فإنه كان فقيراً، وزكاة الفضة إنما تجب على من ملك النصاب حولاً وعليُّ لم يكن من هؤلاء.
الوجه العاشر: أن إعطاء الخاتم في الزكاة لا يجزئ عند كثير من الفقهاء، إلا إذا قيل بوجوب الزكاة في الحُلِيّ. وقيل: إنه يخرج من جنس الحلي. ومن جوَّز ذلك بالقيمة، فالتقويم في الصلاة متعذّر، والقيم تختلف باختلاف الأحوال.
الوجه الحادي عشر: أن هذه الآية بمنـزلة قوله: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] هذا أمر بالركوع.
وكذلك قوله: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:43] وهذا أمر بالركوع.
قد قيل: ذكر ذلك ليبيّن أنهم يصلُّون جماعة، لأن المصلّي في الجماعة إنما يكون مدرِكاً للركعة بإدراك ركوعها، بخلاف الذي لم يدرك إلا السجود، فإنه قد فاتته الركعة. وأما القيام فلا يشترط فيه الإدراك.
وبالجملة "الواو" إما واو الحال، وإما واو العطف. والعطف هو الأكثر، وهي المعروفة في مثل هذا الخطاب. وقوله إنما يصح إذا كانت واو الحال، فإن لم يكن ثمَّ دليل على تعيين ذلك بطلت الحجة، فكيف إذا كانت الأدلة تدل على خلافه؟!.
الوجه الثاني عشر: أنه من المعلوم المستفيض عند أهل التفسير، خلفاً عن سلف، أن هذه الآية نزلت في النهي عن موالاة الكفار، والأمر بموالاة المؤمنين، لَمّا كان بعض المنافقين، كعبد الله بن أُبَيّ، يوالي اليهود، ويقول: إني أخاف الدوائر. فقال بعض المؤمنين، وهو عبادة بن الصامت: إنّي يا رسول الله أتولّى الله ورسوله، وأبرأ إلى الله ورسوله من حِلف هؤلاء الكفّار وولايتهم.
ولهذا لَمّا جاءتهم بنو قينقاع وسبب تآمرهم عبد الله بن أُبَيّ بن سلول، فأنزل الله هذه الآية، يُبيّن فيها وجوب موالاة المؤمنين عموماً، وينهى عن موالاة الكفار عموماً. وقد تقدّم كلام الصحابة والتابعين أنها عامة لا تختص بعليّ.
الوجه الثالث عشر: أن سياق الكلام يدل على ذلك لمن تدبّر القرآن، فإنه قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51] فهذا نهي عن موالاة اليهود والنصارى.
ثم قال: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} {فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ} [المائدة: 52، 53]. فهذا وصف الذين في قلوبهم مرض، الذين يوالون الكفَّار كالمنافقين.
ثم قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54] فذكر فعل المرتدّين وأنهم لن يضروا الله شيئاً، وذكر من يأتي به بدلهم.
ثم قال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55، 56].
فتضمن هذا الكلام ذكر أحوال من دخل في الإسلام من المنافقين، وممن يرتد عنه، وحال المؤمنين الثابتين عليه ظاهراً وباطناً.
فهذا السياق، مع إتيانه بصيغة الجمع، مما يوجب لمن تدبّر ذلك علماً يقيناً لا يمكنه دفعه عن نفسه: أن الآية عامّة في كل المؤمنين المتصفين بهذه الصفات، لا تختص بواحد بعينه: لا أبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا عليّ، ولا غيرهم. لكن هؤلاء أحقّ الأمة بالدخول فيها.

وللحديث بقية بإذن الله تعالى
__________________