عرض مشاركة مفردة
  #50  
قديم 14-04-2007, 09:32 AM
عبدالحميد المبروك عبدالحميد المبروك غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 172
إفتراضي مشاركة

أولا لدي ملاحظة و يمكن أخذها بشكل عام لكافة صفحات الخيمة وهو إستعمال الخط الكبير في كثير من المقالات مم يكثر الصفحات و يضيع الوقت. فأرجو أن يستخدم متصفحي الخيمة الخط العادي دون تكبير أو أن يقوم المشرفين بذلك بالطرق التقنية المتوفرة. و هذه مساهمة أرجو أن تنال إعجاب القراء... رغم إضطراري لتقسيمها إلى جزئين بحكم أن التحميل لا يجب أن يزيد عن 10000 حرف.

الليل والمصباح 1

لقد بعد ضوء الكوكب قليلا حتى انقطع ولم يبلغنى منه شيئا وعاد الليل الى ظلمته وسكونه الهادئ الثقيل ، واطمأن من حولى كل شئ ، فما أسمع الا دقات منتظمة تصدر عن الساعة الحائطية أو أزيز بعض الطائرات ... ودقات مضطربة تصدر عن قلبى الحزين ... وأنا آخذ نفسي بهدوء لألائم بينها وبين ما حولها فلا أوفق لبعض ذلك الا فى عناء شديد ومشقة مرة وأنظر الى هذه الاشياء حولى فى الغرفة فأرى يسرا وثراء وبعضا من الترف والكلفة بالجمال والفن. وأمد عينى إلى مرآة امامى واثبتهما فى صفائها حينا فتعود الي بصورة ان لم تكن رائعة بارعة فإنها نضرة حسنة التنسبق .
ثم انهض من مجلسي ، وأمشى فى غرفتى لحظة غير قصيرة ، اذهب فيها وأجئ
وأقف عند ما يملأ هذه الغرفة من أدوات الترف والنعمة فأطيل النظر اليه....لا معجبا به ولا متكبرا له .... وانما أسأل نفسي....
أأنا صاحب هذا كلــــــــه .....؟
أأنا حقــــا المالك لهذا كله.....؟
أأنا صاحب هذا القصر .... وهذه الاشياء؟
أأنا صاحب هذه الصورة التى تردها المرآة ؟
وأفكر قليلا فاذا أنا أستطيع ... وقد تقدم الليل حتى كاد يبلغ ثلثيه، أن أمد يدي الى جهاز .... فلا أكاد انتهى من ادارة ازراره حتى يرد علىّ أحد الأصدقاء أو الزملاء ....أتجاذب معه الحديث قليلا فى ذلك الوقت المتأخر من الليل.
ثم امضى الى النافذة فلا أكاد أفتحها حتى تمتلىء نفسي روعة لهذه الأشجار النائمة ،وهذه الورود المتأرجحة وهذه الثمرات التى تحلم فى ثنايا الغصون وتحت الاوراق. وكل هذا ملك خالص لى ، لايشاركنى فيه بشر أو يزاحمنى عليـــــــه مخلوق ...
أستطيع أن أعبث به إن شئت ومتى شئت وكيفما شئت .... لايسألنى ولا يسائلنى أحد .
فاذا اجتمعت فى نفسي صور هذا النعيم كله أحسست راحة وأمنّا ، وثقة ، ثم لا ألبث ان أحس شيئا من الكبرياء الغريبة لانى لا ألبث ان أرى صورتى منذ سنوات بعيــــــــدة جدا حينما كنت بائس ، يائس قد تشوه شكلى ملقيا على وجهى غشاء كئيبا من القبح والدمامة .... فأجد هذا الحزن اللاذع العميق حين اذكر هذه المأساة التى كنت اتحدث بها منذ قليل الى ذلك الكوكب العزيز ، والتى كان يتحدث بها لي منذ حين هذا الكوكب الساطع .
ان احداث الحياة وخطوبها لعظات وعبر .. لمن يتعظ ولمن يعتبر. انى لأتحدث الان الى نفسي حديثا ما كان يمكن ولاينتظر ان يتحدث به الى نفسه ذلك الشاب الذى كانوا يسمونه الناس "محمد "والذى يسمى الان "سامي "لانه اسم جميل يلائم المألوف من حسن الاختيار والتظرف فى الاسماء ..
لقد كان محمد ذلك الفتى البدوى قد انحدرت به وبأخته امراة من اهل البادية .. لانه منبت من اطراف الارض الخصبة مما يلي تلك الهضاب التى يسميها أهل تونس بالوطن القبلي . والساحل ..
كانت فاطمة أم محمد وأخته زينة ، امرأة بدوية ريفية تقيم فى أحدى قرى هذا الريف المزروعة بهذه الهضاب التى لايستقر أهلها فيها الا ريثما يزيلهم عنها فوج من أفواج الاعراب الذين يقبلون من الجنوب والوسط ليتعلموا الاستقرار فى الارض والحياة فى أطراف الريف ، ثم يدفعهم فوج اخر فاذا هم يمضون أمامهم مضياً بطيئا يتنقلون فى بطء ومهل من مكان الى مكان ، وهم يتقدمون نحو الريف المبتدي ، واذا هم على شاطيء النهرالذي كان يشق البلاد من غربها إلى شرقها و يفصل شمالها على جنوبها ، فاذا أتيح لهم ان يعبروا النهر فالقليل منهم فقط يحتفظ ببداوته ..... وماأكثر الذين يفنوا فى طبقات الفلاحين ويضيعون فى عذارهم ..... وعذار غيرهم...
كانت فاطمة أم هاذين الاخوين تعيش مع زوجها الاعرابى وأبنيها فى قرية من هذه القرى ، وقد اتخذت أسمها أكبر الظن من بطن من بطون الاعراب او قبيلة من قبائلهم ، كانت تسمى .......... .
كانت فاطمة تعيش مع زوجها وابنها وإبنتها عيشة متواضعة هادئة ، فيها رخاء معتدل ، وفيها عزة بهذه الاسرة الضخمة ذات العدد الكثير التى كانت الأم تنتسب اليها .ولكن الاب لم يكن صاحب حشمة ووقار وسيرة حسنة انما كان زير نساء ، حشاش دعابة ومجون، لايتحرج مما يتحرج منه الرجل ، وكانت له خطوب فى القرية والقرى المجاورة تخيف منه وتخيف عليه..
كانت الام أشقى الناس بهذه الخطوب ، تتأذى بها فى ذات نفسها ، فكم تحرقها الغيرة حينما يغيب عنها زوجها اليوم كله أو الليلة جلها ، وتشفق منها على هذا الماضي. فقد كانت تحبه على مجونه وفجوره وتعلم أنه يهىء لنفسه عداوات خطرة فى كل مكان باكثاره فى المجون والفجور، وتخاف منها على حياة فلذتي كبدها ومستقبلهما وامالهما فى العيش والهناء.
وذات ليلة وهي فيما هي فيه من غيرة واشفاق وفزع ، جاءها النبأ بأن زوجها قد صرع ... ويظهر الامر قليلا فاذا الرجل قد ذهب ضحية لشهوة من شهواته الاثمة . وهو الذي ليس له ثأر يطالب به، وليس هناك من سبيل الى الشكوى للسلطات على قاتليه انما هو العار كل العار قد الم بهذه المرأة البائسة وفلذتى كبدها التعيسين ، واذا الاسرة الكبيرة كلها تضيق بهؤلاء المساكين ، تكره مكانهم منها ، وتنفيهم من الارض التى عاشوا فيها وتزودهم بقليل من المال والرحمة وتكرههم على السعي فى الارض التماسا للحياة فيها يائسين اشقياء . ليس لهم سند يعتمدون عليه ولا ركن يأوون اليه ، وهي امرأة وحيدة لها حظ من الجمال يطمع الناس فيها ويغرى اصحاب المجون لها . وصبي وصبية بائسان لا يكادان يحسنان شيئا .
وتنتقل الخطوب بهذه الاسرة من قرية الى أخرى ومن ضيعة الى ضيعة ، يلا قون بعض اللين فى مكان وبعض الشدة فى مكان أخر.لا تستقر بهم الارض فى أى حال ، حتى ينتهون الى هذه المدينة المترامية الاطراف ، الواسعة البعيدة ذات السكان الكثيرين ، والتى تشقها طرقا حديدية ويمضي فيها ذلك الشئ المروع الغريب الذى يبعث فى الجو شررا ونارا وصوتا ضخما وصفيرا عاليا ، والذى يسمونه القطار ..
وهناك ...فى طرف من أطراف هذه المدينة أستقرت هذه المرأة مع الصبى والصبية . لجأت الى شيخ أحد الاحياء فآواها يوما وبعض يوم ، ثم أبتغى لها وللفلذتين حجرة ضيقة حقيرة قذرة ، قد أقيمت من الطين ، فسكنوا فيها على ان تدفع أجرها كل شهر ، ثم نصحها بأن تلتمس لها عملا تعيش به وفلذتى كبدها فى بيت من بيوت هؤلاء المترفين الذين لايعملون فى الفلاحة .... أوالزراعة ، بل يعملون فى خدمة الحكومة ....منهم من يعمل فى الشرطة ومنهم من يعمل فى المحكمة.... منهم التجار الذين لا يتاجرون فيما تخرج الارض من الحب وإنما يتاجرون فى الأمتعة والعروض التى تأتى من الخارج ومن مدن أخرى أكثر تحضرا حيث الناس لا يتكلمون كما يتكلمون ...بل يتكلمون لهجة كلها دلال وغنج .... و لا يعيشون كما نعيش .... بل يعيشون عيشة كلها بذخ واسراف....
عند هؤلاء الذين يربحون الاموال الضخمة ويعيشون فى قصور عيشة السادة والامراء .... لا يأكلون على الارض ، إنما يأكلون على موائد ويجلسون على كراسي .... ويأكلون بأشياء حديدية أو فضية أو ذهبية ... وأطباق من الخزف ، و لا يسمحون لنسائهم ان يخرجن متبذلات ، وإنما يخرجن ملففات فى ثياب حريرية ، وعلى وجوههم قطعة قماش أسود .... تخفى تحتها وجها عليه براقن صفيقة وأذنين بهما الذهب الخالصة أوالفضة المذهبة.
فعند هؤلاء وأولائك الموظفين تشتد الحاجة الى الخدم. والحياة فى بيوتهم لينة ناعمة فالتمسي أيتها المرأة البائسة ولابنك وأبنتك بعض العمل فى بعض البيوت ،ثم سمى لها أشخاصا ووصف لها بيوتا ووعدها بأن يعينها قدر المستطاع .
بعد أيام قليلة ثقيلة كانت الأم خلالها تدور فيها وابنيها على البيوت تعرض نفسها وفلذتى كبدها للخدمة كما تعرض الاماء على السادة . ولم تتصل هذه الأيام حتى أستقر كل واحد فى بيت يعمل فيه بالنهار وينام فيه الليل . وفى اخر الاسبوع تلتقى الام بأبنيها فى تلك الحجرة الحـــــــقيرة القذرة فتقضى ليلة سعيدة راضية وقد حمل كل واحد ما أتيح له حمله من الطعام فيتجمعون اليه ويتحدثون عن الأهل والقرية ....والسادة والسيدات حتى اذا تقدم الليل يغرقون فى نوم لذيذ هادئ فاذا كان الصباح تفرقوا الى حيث يعملون فى بيوت التجار والموظفين ......
كنت أحسن الثلاث حظا فقد قدر لي أن أخدم فى بيت رئيس الشرطة ، وكانت خدمتى أول الامر غريبة ثقيلة على نفسي، ولكنى مالبثت أن أحببتها ووجدت فيها لذة ومتعة , فلقد كلفت بقضاء وشراء حاجيات سيدتا البيت وسيده . فلقد كان صاحب البيت أب لابنة وحيدة إسمها ((حياة)) ...وكانت الفاطقة الناطقة فى البيت...
كانت حياة تقاربنى فى السن أو أكبر منى قليلا... وكنت أرافقها أحيانا فى اللعب أو حينما يأتى المعلم ليلقي عليها الدروس الاضافية فى البيت قبل الغروب .
كانت حياة حلوة النفس ، مرضية الخلق ، مشرقة الوجه، وديعة الروح ... ولم يطل ما كان بيني وبينها من البعد حتى أشركتني فى العديد من حاجياتها ولم تبخل حتى ببعض من الحلوى التى كانت أمها تمنحها اياها ....
و ماهى الا فترة حتى زال ما كان بيننا من الكلفة ،وأصبحنا رفيقين صديقين .... وكانت ربة البيت تنكر ذلك ...الا أنها سرعان ما أذعنت له ....فأصبحتُ أتلقى مع الصبية الدرس فى الكُتًاب وفى البيت عند العصر ... واذا بثياب جديدة أنيقة تخلع عليً فيُقرَب مابين أبناء كبار العائلات وبيني من أختلاف وعندما أنظر الى المرآة لا أكاد أحس بين أبناء كبار العائلات وبيني فرقا ولا أختلافا.....
عشت مع حياة سنوات لم ألق فيها بأسا ، ولم أشكُ فيها أى عناء ... وانما عرفت الترف والنعيم ... وجنة الله على الارض ...وتعلمت خلالها شيء قليل مما لا يعرفه الا الاغنياء ..
وبعدت في هذه السنين الامد بيني وبين أمي وأختي ...أمي تلك المراة التى كانت تعمل فى بيت شيخ المسجد ....رجل معتدل الحال متوسط العيش ...لكنه أميل الى حياة البدو وأحرص على تقاليدها ...وأختى التى كانت تعمل فى بيت موظف فى الحكومة ...شاب رشيق ، أنيق ذو وجه وسيم جميل ، كان يعيش وحيدا فى دار واسعة كبيرة تحيط بها حدائق غناء جميلة نضرة.. و لا يعيش معه سوى خادم ريفى يحرس البيت ويعتنى بالحديقة.... وأختى التى تقوم بالتنظيف وتعتنى بمتاع الشاب .
كنت الاحظ أختى تشب مسرعة ، ويستدير جسمها استدارة حسنة ، وتظهر عليها أثار النعمة وآيات من الجمال ، ولكنها ظلت كما أقبلت من الريف ... بدوية ِأمية ، لا تقرأ ولا تكتب كما أقرأ وأكتب أنا... ولا تحس من أمور الأغنياء شيئا كما أحس أنا منها أشياء وأشياء...ومرت الايام و الشهور والسنوات....وذات مناسبة التقينا اخر النهار فى حجرتنا تلك الحقيرة القذرة .... و التى أخذت أكرهها وأضيق بها وأود لو أعفى من هذا اللقاء... ولو أستطعت أن ألقى أمى وأختى حيث كانتا تعملان ...لكان أحسن ... ولكن أمي كانت صارمة حازمة ملحة فى الصرامة والحزم ... فلما كان ذلك اليوم والتقينا مع الغروب لم أر بشراً ولا أبتساما ولابهجة ، ولاغبطة ، ولكن أحسست صمتا عميقا مخيفا ... ورأيت وجهين كئيبن مظلمين ، وخيل لى أنى أرى دموعا تضطرب فى عينى أمي ...وهممت أن
أسال عما أرى فرفضت أختى رفضا وأشارت على أمى بعدم السؤال!!؟
وقضينا معا وقتا طويلا ملؤه الملل واليأس ، ثقيلا ، فيه هم ممض لم أكن أفهمه و لا أعرف مصدره .
الرد مع إقتباس