عرض مشاركة مفردة
  #12  
قديم 27-11-2006, 04:52 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الديمقراطية .. آلية أم عقيدة؟

بالقدر الذي يسعفنا فيه اطلاعنا على تجارب تاريخية من العراق القديم الى اليمن الى اليونان والرومان الى التجربة الإسلامية الى عصر التنوير والحداثة في العرب وانتهاء بالعصر الراهن. فإن الكلام عن الديمقراطية أو التلميح عن أسلوب شبيه ولكنه لا يحمل نفس الاسم، فإننا نخلص الى أنها آلية في إدارة المجتمعات بصورة عامة وفي الإدارة السياسية بصورة خاصة تستصحب في صورتها المثلى مجموعة من القيم في مقدمتها: الحرية والدفاع عن كرامة الإنسان والمساواة بين الخلق ومن ثم احترام كل (آخر) وتدعو للتعددية السياسية والفكرية وتداول السلطة، وحق الناس في المشاركة في صياغة حاضرهم ومستقبلهم، وحقهم في مساءلة حكامهم.

وكونها آلية فإنها تتغير بتغير الأزمان والأمكنة والمجتمعات والمعتقدات. ولكن عندما يصبح الإيمان بهذا الأسلوب عقيدة تسقط عليه المعتقدات التي يؤمن بها من يدعو لهذا الأسلوب، فتكون دعواته لتطبيق الآلية مشوبة بطابع عقيدته التي يرفضها المخاطَب، فيعارضها.

إن ربط الديمقراطية بالعلمانية أو الدين، جعلها في بلادنا مثارا للجدل، استغلت أطراف كثيرة نقاط الربط فيه لتعيق تطور نمو الديمقراطية في بلادنا، وهذا الربط في اعتقاد الكثيرين أنه خاطئ ولا صحة فيه، فالتجارب القديمة قبل آلاف السنين لم تكن تعرف العلمانية ولم تكن فيها الأديان بالشكل التي هي عليه في أيامنا سواء بتجربة (المزود) في دول اليمن القديمة أو في دول اليونان وروما القديمة.

كما أن هناك من الجهات الدينية كجبهة الإنقاذ في الجزائر وحماس في الأراضي الفلسطينية وحتى التجربة الإيرانية، يعرف أصحابها بأنهم ليسوا علمانيين، فالربط بين العلمانية والديمقراطية ليس باستمرار دالة على أصالة الإيمان بالمبادئ التي ذكرناها في جلب العدل واحترام الآخر وصون حقوق الإنسان، فقد انتخب هتلر وشارون وغيرهما، وسجلاتهم مليئة بالإنسانية والعدل والرفق بالآخرين!

وكذلك لم يكن كل العلمانيين محبين للديمقراطية، بل كان بعضهم معاد لها بقوة فستالين و ماو وغيرهما والذين كانوا يحرمون دهماء الشعب من حق المشاركة في تقرير مصير البلاد، ولهم فلسفتهم الخاصة بذلك، فأوجدوا ما سمي بالديمقراطية المركزية التي تعني الانتخابات داخل كواليس الحزب الواحد أو الحزب القائد ..

لن نتوقف كثيرا عند هذه النقاط، ابتعادا عن أجواء الملل، لكننا سنخوض في حديث موائمة تلك الآلية لمجتمعاتنا العربية الإسلامية ومدى النجاح في إيجاد نموذج يصلح لبلادنا في هذه الأيام ويراعي عامل التراث والمزاج العام مع ما يؤمن نمو مفهوم المصلحة العامة (مصلحة الأمة .. هنا). آخذين بنظر الاعتبار العوامل التالية :

أولا: إن واقعنا يسبح في فضاء ذهني مشبع بنظرة الى الكون تنطلق من الإيمان بالله سبحانه وتعالى، خالق كل شيء في الكون، والناس فيه كما هي الكائنات الحية الأخرى تتعبد لله وتعمر الأرض وفق مشيئته سبحانه.

ثانيا: إن المرجعية الأولى لمجتمعاتنا تتمثل في القرآن والسنة، الأمر الذي يعني أن حرية حركة المجتمع ليست مطلقة بل محكومة بمجموعة قيم مفهومة منها القطعي الوارد في نصوص قرآنية غير قابلة للتأويل، ومنها ما هو قابل للاجتهاد يغلب عليه الطابع الظني، ويعني بالمعاملات بين الناس.

ثالثا: إن الناس مكلفون بعمارة الأرض والاستمتاع بما أحله الله لهم، وتكليفهم هنا يتطلب منهم البحث عن الأساليب التي تصون حقوق الناس والمخلوقات الأخرى وفق حق تلك المخلوقات في التمتع بما أعطاها إياه الله سبحانه.

رابعا: إن السياسة عند المسلمين ليست فن الممكن كما يسود في المفاهيم الليبرالية الغربية، لكنها كل طريق يؤدي للتهذيب والإصلاح. فهي عند ابن القيم " أخذ الناس الى الصلاح وإبعادهم عن الفساد" أو هي جلب المصلحة ودرء المفسدة. وعند ابن عقيل من فقهاء الشافعية ف ( لو أنك تقصد أنه لا سياسة إلا ما نطق به الشرع، فهذا غلط وتغليط للصحابة، السياسة هي أي فعل يكون فيه الناس أقرب الى الصلاح وأبعد عن الفساد، ولو لم يفعله الرسول صلوات الله عليه، ولو لم يرد فيه نص قرآني).

لم تكن السياسة هي الدولة كما هو شائع في الخطاب المعاصر، وإنما كانت فعلا اجتماعيا ينشد التهذيب والتربية والإصلاح، ولذلك وجد في أدبيات السلف (سياسة الموردين) للطرق الصوفية، وسياسة الصبيان عند ابن سينا، وسياسة الخيل الخ .

يتبع
__________________
ابن حوران