عرض مشاركة مفردة
  #15  
قديم 29-01-2007, 07:34 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

محطات مفصلية أثرت على شكل الحياة السياسية العربية الحالية

إذا كان لنا الحق أن نفخر بالتجربة العربية الإسلامية التي بدأت بدولة الرسول صلى الله عليه وسلم وامتدت الى النصف الأول من الدولة العباسية، فإنه لا بد لنا من الاعتراف بأن هناك محطات مفصلية أدت بهذا الزهو والروعة بالأداء (السياسي) الذي تفجرت من خلاله إبداعات المواطنين (بصرف النظر عن دياناتهم ومذاهبهم وقومياتهم) في ظل تلك النمطية من الحكم، الى التراجع الذي قاد في النهاية الى ما سمي بعصر الانحطاط والذي امتد زهاء ألف سنة ..

الانتكاسة الأولى :

مع انتصار معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه مع القوى المساندة له، على آخر الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب رضي الله عنه والقوى المساندة له، تحول الحكم الى نظام ملكي وراثي، لا دور فيه للإرادة الجماهيرية أو حتى الشرعية .. ومع ذلك استمرت ايجابيات الدولة العربية الإسلامية حيث تجلت في :

أ ـ لم توقف تلك الانتكاسة استمرار عملية تفاعل المجموعات البشرية التي شملها الفتح العربي، ووصلتها الدعوة الإسلامية حتى تم تبلور أمة عربية واحدة في رقعتها الحالية وضمن عالم إسلامي يشمل أمما أخرى. واستمرت المبادئ والأسس التي رُسِخَت في صدر الإسلام في الانتشار بين جماهير كل مجموعة تصلها الدعوة الجديدة.

ب ـ أتاح استقرار الحكم في العهدين الأموي والعباسي (لمنتصفه)، بالرغم من التحول في طبيعة نظام الحكم، وبفعل المبادئ الجديدة التي قدمها الإسلام وفجر بها الطاقات الخلاقة الكامنة .. أتاح قيام تفاعل عميق وشامل أنتجت الحضارة العربية الإسلامية في شتى الميادين الفكرية والتطبيقية..

ج ـ لم تتوقف قطاعات كبيرة من الناس عن الرغبة في تصويب أسلوب تداول السلطة، والعودة الى الأسلوب الذي ساد في صدر الإسلام، وقد كان أول مؤشر لتلك الحركات قد ظهر أثناء الاقتتال على السلطة بين علي و معاوية رضي الله عنهما، فكان هناك فصيلان فكريان:

1ـ الشيعة: التي ناصرت الإمام علي وغالت في مناصرتها، فحصرت حق الخلافة ثم السلطة السياسية في آل البيت، فابتعدت بذلك عن مفهوم الاختيار الشعبي..

2ـ الخوارج: وهي الحركة التي عارضت الفريقين المتصارعين، وتمسكت بمبادئ الاختيار المباشر للحاكم وخضوع السلطة السياسية للإرادة الشعبية، غير أنها وقعت بالتباس شديد إذ أنها عادت السلطة الشرعية ونفذت جزءا من مخططها الذي كان يقتضي بقتل أطراف الصراع، وهو المتعلق بقتل الإمام علي، فظهرت وكأنها تناصر طرفا ضد طرف. ومع ذلك فإنها لم تلق من النظام الجديد سوى التنكيل والتشريد.

انتكاسات متتالية مع بداية النصف الثاني من الحكم العباسي:

مع بداية النصف الثاني من العصر العباسي وتغلغل العنصر غير العربي في الشؤون الداخلية العربية، فأصبح تنصيب وعزل الخليفة يتم من خلال إرادات تبحث عن مصالحها بالدرجة الأولى، وإن كانت بعض تلك الإدارات قد نتج عنها بعض النشاطات الفكرية والعلمية الخالدة، إلا أنها مهدت لتفكك جسم الأمة وظهور الدويلات (عصر الأتابكة) في المشرق وإمارات متعددة في المغرب والأندلس، كل هذا قاد الى الغزو الصليبي والمغولي واختفاء شكل الإرادة الذاتية (الجمعية) العربية ..

بالمقابل فقد كانت تتشكل دول تشاركنا في هذا الكوكب، فبعد استكمال بناء الكيانات القومية الأوروبية وانتقالها من عصر الإقطاع والتخلص من (الثيوقراطية) التي تتدخل فيها الكنيسة في الحكم، ثم انتقلت الى الشكل البرجوازي( فكريا وعمليا) وانتقلت الى الليبرالية التي توجت جهدها في حالة إمبريالية لم تقف أطماعها عند حدود. فدخلت منطقتنا بما يشبه الذهول الطويل والركون لنصرة أقوام غير مفهوم تحركها (في وقته) تحت عباءة الدين، ليتوالى حكم أربع وثمانين حاكما مملوكيا و سبعة وثلاثون حاكما عثمانيا.

وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان لا بد لمن أراد أن يفكر في حال الأمة أن يتلمس موقع انفلات إرادتها منها ليرتق الشق الذي حدث، من عند طرف بدايته، وبالمقابل على من أراد التفكير في أي حل أن يضع بالحسبان تقدم الذين تقدموا في العالم من شعوب، وأن لا ينسى قدراتهم، ويعيد في نفس الوقت موضوع استثارة الهمم الطيبة لتكون سرعة الأمة في تخطيها أوضاعها لتلحق بمن سبقها من أمم ومن ثم بعد أن ينجز مهمته في التعبئة العامة أن يفكر في شكل الحكم وطريقة تداوله .. لم تكن المهمة سهلة، وهي مهمة مركبة من ثلاث ركائز: تهيئة الأمة وتسريع أدائها أولا، والتخلص من ثقل الشعور بانعدام الوزن والاتكال على قوى غير عربية ثانيا، و مقاومة أطماع القوى الإمبريالية التي كانت تتربص بالدولة العثمانية التي أنهكتها الديون والفساد ثالثا.

كانت النخب التي تولت عملية تحريك الإرادة العربية، قد تلقت علومها في أوروبا واحتكت بالحضارة الأوروبية، وأعجبها قسم مما لاحظته هناك، ولكنها لم تنس جذورها وتراثها العربي الإسلامي، فبدأت بحركة تبشيرها بشكل أدبي مموه بالفكر السياسي، وكان من هؤلاء كل من (رفاعة الطهطاوي، و عبد الرحمن الكواكبي، ومحمد عبده، و جمال الدين الأفغاني وغيرهم) . ثم حدثت مجموعة من الأحداث التي أثرت على الفضاء الذهني العربي في بداية القرن العشرين ولا زالت نتائجها ماثلة حتى اليوم لتفرز مدارس فكرية وسياسية تبحث بها الشكل العام للدولة:

أولا: عندما ظهرت جماعة الاتحاد والترقي التركية التي استلمت الحكم في الدولة العثمانية في مطلع القرن العشرين حاولت (تتريك) وطمس هوية العرب وتحويلهم لأتراك، تصدت النخب القومية العربية لتلك المحاولة اللعينة، فتعرضت تلك النخب الى أبشع أنواع التصفيات من خلال (الخوازيق) والتشريد والإعدام، حتى أعدم في يوم 6/5/1916 مجموعة هائلة من الرموز العربية في يوم واحد على يد جمال باشا، فاستحق هذا اليوم أن يسمى بالتاريخ الحديث يوم (الشهيد العربي)..كما استحق جمال باشا أن يحظى باسم (جمال السفاح).

ثانيا: أدى انتصار الثورة السوفييتية الى انتشار الأفكار الاشتراكية والشيوعية في العالم ومنها منطقتنا..

ثالثا: مع انكشاف سر اتفاقية (سايكس بيكو) وصدور وعد بلفور وزرع الكيان الصهيوني في نهاية المطاف في قلب الأمة العربية، أخذ النضال العربي مقترنا وممزوجا بأفكار أخذت أولوياتها تتشكل بمقاومة الصهيونية ومقاومة الإمبريالية التي غذت ومهدت وشرعنت لوجود هذا الكيان في المنطقة، والانتباه لمن يمد يد العون أو يبارك أو يتساهل مع تلك المصادر المقلقة والمعيقة لإرادة النهوض لدى الأمة، وقد طال هذا الحذر الاتحاد السوفييتي والحكومات العربية المتعاونة مع الغرب ..

هذه البيئة السياسية التي سبقت حالة النظام العربي الرسمي الراهن والتي تشكل الرافعة الأساسية لتقييم ما نحن فيه، وسيكون لها دور في اقتراح الحلول في تداول السلطة.
__________________
ابن حوران