عرض مشاركة مفردة
  #16  
قديم 20-04-2007, 08:42 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المثقفون والديمقراطية

منذ أسبوع وأنا أحاول ربط ما كتبته سابقا، بما سيليه، فوضعت لا يقل عن اثني عشر مرجعا، منها ما كتب في الستينات ومنها ما كتب في الثمانينات أو أوائل التسعينات، فأجبرني هذا الوضع أن أقرأ فصولا من تلك الكتب كاملة، أو أعيد قراءتها أكثر من مرة، فأحسست لأول مرة بشعور يثبط الهمة ويشعرني بالقرف الشديد .. فبالرغم من قدرة الذين كتبوا سواء كانوا من الكتاب العرب، أو من الكتاب الأجانب الذي تطوع بعض المفكرين العرب أن يترجموا ما كتبوا، ويضيفوا بصماتهم أو تدخلاتهم العربية على تلك المساهمات الأجنبية، فإن ما حدث خلال العقدين الماضيين من تغيرات هائلة نسف كل ما كتب وجعل تلك الكتابات تصلح أن تكون مقبولة فيما لو قورنت في ذاتها، أي إذا ما قارنها كاتبها بما أسس له أصلا في محاكمة ما أراد من سوق لنظريته أو ما أراد أن يوصله للقارئ، من جداول إجرائية من سياق ما كتب ..

يستطيع أي كاتب أن يضع وصفة لحل مشاكل الأمة العربية، والإسلامية بخمس دقائق، فيبدأها بالمطالبة أن نعود لكتاب الله ولا بأس أن يزين كتابته ببعض الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة، ثم ينتقل للإعداد للخطوة الأخرى من نقل التقانة والتدريب على السلاح وتوحيد الجيوش والالتزام بالأخلاق و نبذ الفرقة وإخماد مواضع الصراعات الجانبية المضيعة لجهد الأمة، وسد المنافذ أمام الجواسيس والمخترقين لصفوف الأمة، وتشجيع العلم ومحاربة الفساد وتقليل الفوارق بين طبقات الشعب الخ ..

لكن ما أهمية ذلك؟ ومن سيحول هذا الكلام لإجراء؟ ألم يتناوب على ذكر تلك الوصفة منذ مئات السنين خطباء الجُمَع، وأساتذة التاريخ، وتوسع بشروحاتها وأساتذة كليات السياسة والقانون والشريعة، والإعلام، والإعلاميين ؟.. وهل هناك تاريخ معين سنتوقف به عن الكلام في هذه المواضيع وقد أنجزنا ما تكلمنا به؟ وقد نُصاب حينها بإحباط عندما تحل مشاكل الأمة، إذ لن يبقى موضوع للكتابة به!

لو عدنا للعقدين السابقين، وألقينا نظرة سريعة عليهما، دون فحص عميق، لخرجنا بوصف يمكن تلخيصه بما يلي:

1ـ بعد تصاعد موجات المعارضة التي قادتها نقابة (تضامن) في (بولندا) وترنح التجربة الشيوعية، رأينا سرعة توجه شعوب البلدان التي كانت تنضوي تحت مجموعة (المنظومة الاشتراكية) نحو التحول السريع الى النموذج الليبرالي الغربي في الانتخابات وتداول السلطة، كما رأينا سرعة التكيف التي اعتمدتها الأحزاب الشيوعية، أو ما تبقى من أعضائها الملتزمين، إذ استبدلت أسماء تلك الأحزاب من (الحزب الشيوعي الفلاني) الى (الحزب الديمقراطي الفلاني) .. وقبلت بالنموذج الليبرالي الغربي، واحتكمت الى الصناديق، وكأنها زاولت العمل بهذا النموذج منذ عشرات السنين ..

2ـ سارعت الكثير من دول أمريكا اللاتينية وآسيا وحتى إفريقيا (عدا الدول العربية طبعا) لاعتماد هذا النموذج، باستثناء (تجربة موريتانيا) ..

3ـ تراجعت الصيغ الديمقراطية (الصورية) في بعض الأقطار العربية، عما كانت عليه في الفترة التي سبقت (تجربة الجزائر) ..

4ـ دخلت مجموعة من الدول العربية مرحلة التزويق الديمقراطي، في اختيار أشكال من الصيغ التي تذر الرماد في العيون، واعتبار خطواتها تلك، طريقا لتطوير الأسلوب الديمقراطي

5ـ تدخلت دول خارجية لتوليد ديمقراطيات مسخة في منطقتنا، وبالطريقة (القيصرية) لتستبق النمو الطبيعي لولادة ديمقراطيات حقيقية في المنطقة، وتقطع الطريق على تحقيق صيغ شعبية راقية، تجسد الرؤى التي حلم بها مواطننا طيلة العقود السابقة.

6ـ عادت جولات اللغو اللفظي في تحديد وتعريف المفاهيم حول الديمقراطية، وقد استعرت تلك المناوشات من قبل نخب تحيط بالحكومات العربية والمعارضة العربية، بعدما نجحت منظمة حماس في الأراضي المحتلة في انتخاباتها ..

استشعر الكثير من المثقفين العرب، أن تحريك الأحداث في المنطقة لا يخضع، لا لمفاهيم عربية ولا إسلامية ولا حتى عالمية بأشكالها المتناقضة، فمفهوم حقوق الإنسان يخترق في كل لحظة من قبل المتشدقين به عالميا، ومن يحرك عجلة الأحداث في المنطقة هم أعداء شرسون لا تهمهم لا قواعد خلقية ولا سلوكية ولا يبحثوا عن عدالة. ويعاونهم نخب تحكم وتخشى على ديمومة حكمها .. فاختلت كل المعايير التي تشجع المثقفين لأن يسهموا بجدية بتطوير العلاقات مع الحكومات العربية القائمة، فباتوا لا يعلقون آمالا على أي تحرك بهذا الاتجاه ..

بالمقابل، كان الانهيار الذي حدث في الاتحاد السوفييتي والمجموعة التي كانت تدور بفلكه قد شكل قناعات عند الكثير من المثقفين الذين كانوا في حالة تعاطف مع الفكر اليساري، حيث عبر الانهيار عن هشاشة الضمانات الخلقية عند من كان يتبنى الفكر اليساري، فالسرعة في التخلي عن الصمود حول تلك المبادئ، هو ما جعل المتعاطفين يتناسوا تلك التجربة، ولا يرجحوا عودتها نهائيا ..

استشعرت القوى التي تبشر بعودة تطبيق الشريعة، بزيادة نصيب شعبيتها في الساحة الثقافية، خصوصا بعد تراجع القوى القومية، إضافة لاختلال التوازن الدولي بغياب الاتحاد السوفييتي .. وحيث أن تلك القوى لم تمتحن في استلام الحكم (في العصور الحديثة) فإن سجلها خالي من الإخفاقات التي تلازم التيارين اليساري والقومي .. فهي عمليا تكتسح الساحة الثقافية وتسجل نجاحات في الانتخابات البرلمانية والبلدية، وقد يتمنى بعض القائمين على إدارة تلك الجهات (الإسلامية) أن لا تنفرد في الحكم بالوقت الحاضر .. بل تبقى أقليات برلمانية، تستخدم المنابر البرلمانية لنشر خطابها .. في حين لو استلمت الحكم في الوقت الحاضر، فقد تخسر بعض شعبيتها، إن انكشف عجزها في إدارة شؤون الدولة، وقد تكون تجربة السودان نموذجا يمكن القياس عليه في بعض جوانبه ..

هناك صنف من القوى الإسلامية، يدرك أهمية التعاضد والتعاون مع غيره من القوى السياسية الأخرى، وقد يكون التعبير عن تطوير اللغة حول مفهوم الديمقراطية هو ما يميز نشاط هؤلاء بالوقت الحاضر ..
__________________
ابن حوران