عرض مشاركة مفردة
  #19  
قديم 14-08-2007, 07:28 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

تناقل السلطة في العهدين الأموي والعباسي

مع توسع الهجرة، وانتقال قوى القبائل للأمصار، وتنافر المفاهيم القبلية مع فكرة السلطة المركزية، وشعور القبائل بدورها في الفتوح والتحولات الاجتماعية التي رافقتها، انتقل الثقل من النخبة في المدينة المنورة الى القوى القبلية في الأمصار*1. وكانت الأزمة التي انفجرت في الفتن تمثل صراعا بين الاتجاهات القبلية والإسلامية، انتهى بخطين: الأول نقل السلطة الى الأمويين في الشام، والثاني بدايات ظهور الأحزاب وخاصة الخوارج والشيعة. انتهت الفتنة وبقيت وحدة الأمة، واستمرت الخلافة في قريش، ثم استؤنفت حركة الجهاد والتوسع. ولكن كما في الفترة الراشدية، لم تحسم مسألة وحدة النمط في تناقل السلطة، ولم يتم اختيار أسلوب لتناقل السلطة يصلح أن يُحتذى به ..

أصبحت الخلافة محور الصراع السياسي والفكري، كان صراعا بين المدينة المركز الأول للإسلام ـ باسم الشورى وبين الشام، وصراع بين القبائل الكوفية ـ على أسس قبلية وبين الشام، وصراع بين الأحزاب الإسلامية وبين الأمويين، لينتهي كل ذلك بثورة عباسية وتنتقل السلطة من أسرة قرشية الى أسرة قرشية أخرى، ومن عاصمة الى أخرى.

استفاد الأمويون من فكرة مواصلة الفتوحات التي كملت ما تم في عهد الراشدين، لفرض سلطانهم، لكنهم ومع التوسع الحاصل، ومع سعة خصوم عصبيتهم كعنصر عربي، لم يحشد كل العرب خلفه، ومع ظهور خلافات فقهية كالتي حاول ابن الزبير طرحها من خلال انتخاب الخليفة من قِبل أبناء الصحابة، وتبنى تلك النظرة الخوارج، والذين نادوا بجواز انتخاب أي عربي ليصبح خليفة، ثم تحولوا الى جواز انتخاب أي مسلم (فاضل) من دون شرط أن يكون عربيا*2. مع بقاء هذا الخليفة قابلا للعزل والتنحية إذا انحرف .

سلك الأمويون سلوكا، جعل من التشاور في العاصمة هو الأساس لاختيار الخليفة، وكان الرأي المساعد في اختياره، يتمثل برأي رؤساء القبائل المتحالفة والمحيطة بالأمويين، والتي تحولت فيما بعد الى قوة مستفيدة تجاريا ومصلحيا من الجهد والواقع السياسي للدولة مع حالة توسعها. وتكونت طبقة أرستقراطية محاطة بالوكلاء والموالي، أعلى مراكزهم تركزت بالمروانيين (نسبة الى مروان ابن الحكم) ..

حاول الأمويون التأكيد على فكرة الجبر وإن السلطة تأتي بقدر من الله وأن الخليفة هو خليفة الله (ابتداء من عبد الملك)، وأن على الناس الطاعة. فتكون إزاء تلك النقطة اتجاهان: الأول يرى أن عدم الطاعة والثورة على الحكم، هو خروج على طاعة الحاكم ومخالف للنصوص الشرعية، والثاني: يرى أن الثورة أمر مشروع، وهي تتمشى مع لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومن أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر الخ.

لم يستطع الأمويون تأسيس نظاما يتم فيه تناقل السلطة بما يرضي جموع المسلمين، بل اتجه حكامهم في نهايات عهدهم الى التشبه بأباطرة الروم والفرس من حيث الفخامة ومركزية السلطة الخ.

أما في العهد العباسي، فقد قامت الثورة العباسية باسم العودة الى الكتاب والسنة، وإحياء العدل والمساواة وإعطاء الفيء لأهله، ولعلها وجدت استجابة من بعض قوى المعارضة، ولكنها لم تفلح في إقامة مؤسسات تحقق المفاهيم الإسلامية.

ويلاحظ أن العباسيين أسندوا سلطانهم الى مبدأ القرابة من الرسول صلوات الله عليه، ونادوا بفكرة العائلة المطهرة بالرجس، ورفض مبدأ الانتخاب. وهذا النمط من الادعاء بالحق قد شابههم فيه أو سبقهم إليه المنادون بضرورة حصر الخلافة بأبناء علي بن أبي طالب، ومن يطلع على المراسلات التي كانت بين (أبي جعفر المنصور) وأحد أحفاد علي بن أبي طالب، حيث افتقده المنصور في مبايعته له، فكان جوابه للمنصور أن العباسيين قد اغتصبوا الخلافة من أبناء علي بن أبي طالب وهم أولى بها، وكانت المفاخرة تدور على أن حفيد ابن أبي طالب قال(أنا ابن الفاطمتين وأنت ابن أم ولد) ويقصد فاطمة الزهراء وفاطمة زوجة أبي طالب نفسه.. في حين رمى المنصور بأنه ابن جارية .. فرد عليه المنصور: بأن الرسول كان أربعة أعمام اثنان منهما كفار وكان أحدهما جدكم (ويقصد أبا طالب) واثنان مؤمنان وأحدهما جدنا (ويقصد حمزة والعباس) .. أما أنك تعيرني بأني ابن جارية، فجدنا كان ابن جارية وهو نبي الله إسماعيل (ويقصد هاجر)*3

أنهى العباسيون فكرة أن الأمة هي الجيش، وأحدثوا جيشا نظاميا من العرب والفرس مع شيء من التوازن، اختل حين فتحت بغداد من قبل جيش (خراساني) غريب أثناء الفتنة بين الأمين والمأمون.. وبقيت بعض القبائل العربية في الديوان ولكنها أسقطت نهائيا أيام المعتصم، ورافق هذه الضربة للعرب في الحياة العامة اتخاذ المماليك الأتراك أساس الجيش وبذلك بدت الخلافة دون قاعدة وفرضت سلطتها على الأمة بقوة غريبة ما لبثت أن هددت أسسها..

بالغ العباسيون في رفع منزلة الخليفة، واستحدثوا منصب (قاضي القضاة) ليستندوا إليه في نحت شرعيتهم، وتدخلوا في العقائد منذ فرضوا (الاعتزال) وأوجدوا فجوة بينهم وبين العلماء المسلمين وجمهور الفقهاء.. ومن جهة برزت فئات من التجار الذين كانوا ينشدون الربح والاستقرار فاصطفوا الى جانب الحكم فأصبحوا يملكون الضيع والمصالح. هذا لم يمنع من قيام ثورات عدة على الحكم العباسي (الزنج والزط وبابك الخرمي وغيرها)..

تناقل السلطة عند العباسيين

كانت الوراثة أساسا للحكم العباسي في عهده الأول، ولكن كان يشوبها تسمية أكثر من ولي للعهد في آن واحد كما حدث مع (الأمين والمأمون) وعاملا خطيرا في التآمر على (المتوكل) وقتله.

وفي حالة وفاة الخليفة دون عهد تحكمت القوى القائمة من جند وكُتَاب في اختيار خليفة وفي تدهور المؤسسة.. فلما توفي (الواثق) 232هـ/847م دون عهد، عقد مجلس من الوزير وقاضي القضاة واثنين من الكتاب واثنين من قادة الأتراك لاختيار خليفة، وكان الرأي المؤثر للعسكريين ، واختير (المتوكل).



وبعد مقتل المتوكل تحكم القادة الأتراك في تنصيب الخلفاء وعزلهم والتنكيل بهم. وحين انتعشت الخلافة في الثلث الأخير من القرن الثالث الهجري وتوفي (المكتفي) 295/908م دون عهد واضح، تشاور الوزير ورؤساء الكتاب واختاروا (المقتدر).

ولما عاد الجند للتدخل في أمور الخلافة نتيجة الأزمة المالية والإدارية، زمن المقتدر، اصطدموا بالخليفة وقتلوه، ونصبوا أخاه(القاهر)، ثم خلعوه واختاروا(الراضي)، الذي عجز عن تسيير الأمور. فاستحدث منصب (أمير الأمراء) لقائد الجيش وسلمت السلطة إليه في سنة 324هـ/936م *4

في سنة 334هـ/946م جاء الغزو البويهي وصارت أمور الخلافة بيد أمير الأمراء البويهي، والذي أعطى للخليفة حقا شرعيا لكن هذا الحق بيده هو! وأصبح الأمراء في الولايات يشترون حق ولايتهم (حكمهم المنفصل) من الخليفة ليكتسبوا شرعيته ..

وهكذا نرى أن العباسيين لم يفلحوا في تطوير مؤسسة دولة تضمن ثبات الحكم وممارسة العدل فيه بصورة جيدة ..

المراجع
ـــ
*1ـ عبد العزيز الدوري/ النظم الإسلامية: الخلافة، الضرائب، الدواوين والوزارة/ بغداد / مطبعة نجيب/1950/ص 25ـ26
*2ـ عبد العزيز الدوري/الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي/مركز دراسات الوحدة العربية/بيروت /ط2/1986/ص 194
*3ـ العقد الفريد/ ابن عبد ربه الأندلسي/دار الفكر/بيروت/ومكتبة الرياض الحديثة/الجزء الخامس/ص 309
*4ـ عبد العزيز الدوري / المصدر السابق صفحة 197
__________________
ابن حوران