عرض مشاركة مفردة
  #18  
قديم 11-08-2001, 07:11 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

أما القسم الثالث الذي ورد فيه نص صريح ان الرسول استخلف عليا ليكون خليفة من بعده فهو حديثان : احدهما رواية من روايات حديث الغدير في رواية من روايات صاحب كتاب ( الغدير ) ، والثاني الحديث الذي يسمونه حديث الدار.


اما رواية صاحب كتاب الغدير فانه ذكر رواية له في اول كتابه لم يذكر فيها كلمة " وصيي وخليفتي " وذكر رواية أخرى نسبها للطبري ورد فيها لفظ وصيي وخليفتي صريحا فقد قال – اي الشيخ عبد الحسين احمد الاميني النجفي صاحب كتاب الغدير في كتابه تحت عنوان : الغدير في كتاب العزيز – ما نصه " الحافظ ابو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفي سنة 310ه . اخرج باسناده في – كتاب الولاية في طريق الغدير – عن زيد بن ارقم قال : لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم في رجوعه من حجة الوداع وكان في وقت الضحى وحر شديد امر بالدوحات فقمت ونادى بالصلاة جامعة فاجتمعنا فخطب خطبة بالغة ثم قال : ان الله تعالى انزل إلي { بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس } وقد امرني جبريل عن ربي ان اقوم في هذا المشهد وأعلم كل أبيض وأسود ان علي بن ابي طالب اخي ووصي وخليفتي والامام بعدي ". هذه احدى روايات غدير خم.

وهذه الرواية ترد دراية، ونصها يجعل ما قيل فيها من الوصاية والاستخلاف والامامة بعد الرسول باطلا لا اصل له وذلك لعدة وجوه :

أحدها : ان هذه الآية لم تنزل في حجة الوداع وانما نزلت بعد سورة الفتح عام الحديبية ، فان هذه الآية من سورة المائدة ، وسورة المائدة نزلت بعد سورة الفتح وسورة الفتح نزلت اثناء رجوعه صلى الله عليه وآله وسلم من صلح الحديبية. ونظرة واحدة الى المصحف تري ببساطة ووضوح وقت نزول آية { يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك } وتري انها نزلت بعد الفتح. فتكون الآية نزلت قبل حجة الوداع بأربع سنين ولا علاقة لها بحديث غدير خم على جميع الروايات، لان جميع روايات حديث خم تقول انه حصل في حجة الوداع. وهذا وحده كاف لرد الحديث والقطع ببطلان ما زعم فيه من الوصية والاستخلاف .

ثانيها : ان معنى الآية صريح في منطوقها ومفهومها في ان الرسول أمر بتبليغ ما أنزل اليه من ربه، وما أنزل اليه من ربه هو الرسالة الاسلامية. ويعين ذلك ويجعله وحده المعنى المقصود دون غيره قوله في نفس الآية { وان لم تفعل فما بلغت رسالته } أي وان لم تبلغ ما أنزل إليك فانك لا تكون بلغت رسالته، وهذا نص بأن المراد بقوله { ما أنزل اليك } رسالة الله وليس شيئا آخر.
وفوق ذلك فإن كلمة { بلغ } حيثما وردت في القرآن فالمراد منها تبليغ رسالة الله ، ولم ترد في غير هذا المعنى في القرآن مطلقا. قال تعالى { يبلغون رسالات الله } { أبلغكم رسالات ربي } { وأبلغكم ما أرسلت به } { أبلغوا رسالات ربهم } { أبلغكم رسالة ربي } { أبلغتكم رسالات ربي } { أبلغتكم ما أرسلت به }.
وأيضا فإن كلمة { ما أنزل إليك } حيثما وردت في القرآن فالمراد منها الشريعة ولم ترد في غير هذا المعنى في القرآن مطلقا . قال تعالى { والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } { نؤمن بما أنزل علينا } { آمنا بالله وما أنزل إلينا وما انزل الى ابراهيم } { آمن الرسول بما انزل اليه من ربه } { قل آمنا بالله وما انزل علينا وما انزل على ابراهيم } { وان من اهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل اليكم وما انزل اليهم } { هل تنقمون منا الا ان آمنا بالله وما انزل الينا وما انزل من قبل } { ولو انهم اقاموا التوراة والانجيل وما انزل اليهم من ربهم } { حتى تقيموا التوراة والانجيل وما انزل اليكم من ربكم وليزيدنَّ كثيرا منهم ما انزل اليك من ربك طغيانا وكفرا } { واذا سمعوا ما انزل الى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع } وهكذا جميع الآيات في القرآن . وآية { بلغ ما انزل اليك } قد ذكرت في الآية التي قبلها كلمة ما انزل وفيها وفي الآية التي بعدها بمعنى واحد هو الشريعة ، حتى أن اللفظ في الآية التي بعدها هو نفس اللفظ الذي فيها { ما أنزل إليك من ربك } وهذا كله يعين أن معنى { ما أنزل إليك } في قوله { بلغ ما انزل اليك } هو الشريعة الاسلامية. وهو واضح لكل من يتتبع كل كلمة من هاتين الكلمتين { بلغ } و { ما أنزل إليك } في جميع آيات القرآن .

ثالثها : ان { أنزل } في قوله { ما أنزل إليك } فعل ماض مبني للمجهول وهو يعني أن ما يريد منه أن يبلغه سبق ان انزل إليه من الله ، أي سبق ان جاء به الوحي وانزل على الرسول، فالله يأمر الرسول ان يبلغ الناس ما سبق وانزل اليه. فيكون المعنى تبليغ شيء نزل قبل نزول الآية، لا تبليغ امر معين حاصل بنزول الآية ونزلت الآية في شأنه وأمر بتبليغه وفسره الرسول بانه الوصية والاستخلاف. لذلك لا يتأتى جعل الحديث شرحا لسبب نزول الآية . لأن الحديث الذي يكون سبب نزول الآية ، تكون الآية نزلت في الحادثة التي يذكرها الحديث فتكون نزلت في شيء وقت حصوله، وهذه الآية صريحة بأنها تبليغ شيء حصل قبل ان تنزل الآية . ومن هنا لا يصلح الحديث سببا للنزول.

رابعها : ان كلمة { ما } في قوله { ما أنزل إليك } اسم موصول او نكرة مقصودة وهي تصلح لان يكون ما أنزل اليه امرا واحدا وحكما واحدا ، وتصلح ان يكون ما انزل اليه امورا متعددة واحكاما كثيرة. أي يصلح لان يكون معناها بلغ الحكم الذي انزل اليك، ويصلح ان يكون معناها بلغ جميع ما انزلناه اليك من الامور والاحكام . والذي يعين احد المعنيين هو القرينة. ومن مجرد قراءة الآية فضلا عن التدقيق فيها يتبين ان قوله { فما بلغت رسالته } يعين في قوله رسالته ان معنى { ما } هو جميع ما انزل اليك وهو رسالة الله ، وينفي ان يكون معنى { ما } الحكم الذي انزل اليك نفيا قاطعا، فوق كون كلمة رسالته قد بينت معنى ما أنزل اليك بانه رسالة الله .

خامسها : ان قوله تعالى في ختام الآية { والله يعصمك من الناس ان الله لا يهدي القوم الكافرين } تطمين من الله للرسول وأمان له من الأذى الذي يصيبه من جراء تبليغ رسالته، وهذا التطمين لا يكون من اذى يصيبه من تبليغ حكم معين وانما هو تطمين من اذى يصيبه من تبليغ الرسالة كلها للكفار ولا سيما اذا كان تبليغها يصحبه القتال. فمعنى ختام الآية والله يعصمك في تبليغ هذه الرسالة بواسطة الجهاد من اذى الناس . لانه حين نزلت هذه الآية كانت طريقة تبليغ الرسالة هي الجهاد أي القتال بالسيف . ولا يمكن ان يراد يعصمك من حساد علي في جعل الخلافة له اي يعصمه على حد قولهم من ابي بكر وعمر وعثمان وامثالهم. لان العصمة في الآية من الناس لا من المؤمنين. ويعين ان المراد بالناس هم الكفار قوله في ختام الآية { ان الله لا يهدي القوم الكافرين } . وعليه يكون وعد الله للرسول في حمايته وحفظه من اذى الكفار في تبليغ ما انزل اليه يعين ان المراد من التبليغ في الآية تبليغ رسالة الاسلام .

قد يقال ان الرسول سبق وبلغ الرسالة قبل نزول هذه الآية فلا معنى لقوله بلغ ما انزل اليك وهو قائم بالتبليغ. والجواب على ذلك هو ان هذا الامر بالتبليغ لا يخرج عن احد امرين : اما ان يكون الرسول كتم الرسالة ولم يبلغها ، واما ان يكون هنالك اناس لم يبلغهم الرسالة بعد ويعتبر عدم تبليغهم عدم تبليغ للرسالة للعالم. ولا يمكن ان هذا الامر يعني كتمانا لحكم معين انزل اليه ولم يبلغه، ولا تبليغا لحكم معين لا تتم الرسالة الا به. وذلك لان كتمان حكم واحد يطعن في نبوة الرسول ورسالته ككتمان رسالته كلها فيستحيل ان يكون كتمانا لحكم معين. ولأن الآية تقول { فما بلغت رسالته } فهي تنفي التبليغ . وهذا يعني انه لم يبلغ الرسالة ، لا انه لم يبلغ حكما معينا، لا سيما وان تبليغ حكم واحد يعتبر تبليغا للرسالة . والرسول من اول يوم كان يبلغ الاحكام حسب نزولها منجما وكان يعتبر تبليغه كل حكم تبليغا . ولهذا لا يمكن ان يكون المعنى لم تبلغ حكما معينا ، بل الذي تعطيه الجملة انه لم يبلغ الرسالة . وبما انه يستحيل عليه عدم التبليغ وثبت انه قبل نزول هذه الآية كان يبلغ ، فيكون معنى نزول الآية ان هنالك اناسا لم يبلغهم الرسالة بعد ، ويعتبر عدم تبليغهم عدم تبليغ للرسالة للعالم، والتبليغ للرسالة لا يعتبر تبليغا لهم الا اذا كان تبليغا للعالم. لذلك امره الله بتبليغ الرسالة للناس الذين لم يبلغهم ، اي بتبليغها للعالم حتى يعتبر تبليغا، وان يكون هذا التبليغ بطريقة الجهاد. ويؤيد هذا ان الآية نزلت على الرسول بعد صلح الحديبية، وقد كان العدو الرئيسي الذي يحاربه الرسول لنشر الدعوة حتى ذلك التاريخ هم قريش ، فبصلحهم ربما يفهم وقف التبليغ في الجهاد، فأمره الله بالاستمرار في التبليغ بطريقة الجهاد لباقي الناس الذين لم يبلغهم من العرب والروم والفرس والقبط وغيرهم حتى يكون تبليغه تبليغا للرسالة للعالم حتى يعتبر تبليغا لهذه الرسالة العالمية. وهذا ما حصل بالفعل ، فبعد نزول هذه الآية قاتل الرسول اليهود في خيبر، وجهز معركة مؤتة، وذهب في جيش ضخم الى تبوك ليحارب الروم وأقام فيها، وفتح مكة ، وكاتب ملوك فارس والقبط والروم وسائر الملوك مما يتضح منه معنى نزول قوله { بلغ ما أنزل إليك } وقوله { فما بلغت رسالته } وقوله { والله يعصمك من الناس } وقوله { ان الله لا يهدي القوم الكافرين }.
.....
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله