عرض مشاركة مفردة
  #13  
قديم 01-12-2006, 06:58 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

مصادر قوة الديمقراطية :

ينظر البعض منا الى الإنجازات التي حصلت عند الأمم المتقدمة علميا وصناعيا فيرى التقدم بالطائرات والأسلحة وأجهزة الحاسوب، فيطلق تنهيدة مليئة بالأسى ويقلب الأسباب، فيصل في النهاية الى أسلوب الحكم في بلادهم وأساليب الحكم في بلادنا .. فتقفز عند البعض فكرة أن الديمقراطية وراء ذلك .. ثم ينادي بتلك الفكرة بأسلوب مبتدئ لماذا لا نطبق الديمقراطية عندنا؟ .. فيجيبه آخر وهل كان السوفييت ديمقراطيين عندما طاولوا تلك الأمم بتقدمهم في علوم الفضاء والنفس والطب وغيره؟

في المقابل يجيب آخر أن أجدادنا كانوا على قدر من التقدم تفوقوا فيه على كل الأمم عندما كانوا يتمسكون بكتاب الله .. ثم يستعيد صورة الذي دخل جنته فرآها خاوية على عروشها لأنه تباهى بقدرته العلمية دون الإيمان بالله، ولا ينسى ذكر قارون، فيشعر بعد قوله أنه أدى مهمته و برأ ذمته، وسيكون محظوظا لو رأى من يخالفه الرأي ليدخل بنقاش طويل يفلح (هو) ويتراجع من عارضه .. لتتصلب عنده مسألة الاعتداد بالرأي .. ولكنه سيستفيق على تطاول الأمم على رموز ديننا والغمز بأغلى رمز وهو القرآن الكريم والرسول صلوات الله عليه .. فيعاود الشعور بالخيبة الممزوجة بإيمان ملفوف بضبابية، يكاد لا يرى حدودها بشكل دقيق، لكي تتحول الى خطاب عملي تكون الخطوات التطبيقية فيه واضحة.

لو تحقق حلم فقير بأنه حصل فجأة على مبلغ من المال، بشكل هبة وليكن هذا المبلغ بالملايين، فإن أمامه خطوات لم يحسبها، أنه كيف سينقل هذا المبلغ دون أن يتعرض للصوص في الطريق، والى أين سيذهب به، وقد يكون حاله كأحد معارفنا الفقراء الذين وجه أحدهم له سؤالا: لو حصلت على مليون دولار ماذا ستعمل بها؟ كانت إجابته الفورية: أشتري نصف كيلوغرام من الكبد!

في شمال العراق يزعم الأكراد أن لديهم نظام ديمقراطي في إقليمهم، وسيكون من الصعب على البعيد الذي يستمع لأخبارهم أن يتحقق من ذلك .. كما هي الحال عند الذين تسلموا الحكم (الصوري) في ظل الاحتلال الأمريكي، لا يفتئوا يرددون كلمات الدستور والشرعية والبرلمان وغيرها من المصطلحات التي تستخدم في النظم الديمقراطية، وعندما يرد مسامعهم أن المحتلين قد يغادرون قريبا، فإنهم يبادرون بالتصريح بخطورة انسحاب المحتل، ومن يدري سيكون حالهم شبيه بحال سكان إحدى (جزر القمر) الأربعة الذين يخرجون بمظاهرات بين فترة وأخرى لعودة الاستعمار!

في المقابلات التلفزيونية التي يجريها إعلاميون ضليعون بمهنتهم مع أي مسئول عربي حكومي، فستكون إجابات المسئول كلها ثقة و لغة مهذبة بأن نظام حكومته من أفضل النظم بالعالم فهو يراعي حقوق الإنسان وأبواب المسئولين مفتوحة أمام المواطنين .. والانتخابات تتسم بالشفافية الخ. ويبادل الإعلامي الضليع المسئول الابتسامة وتنتهي المقابلة .. أين المشكلة إذن؟

لقد نوهنا سابقا أن علاقات الإنتاج والمصلحة الفردية التي تلتحم مع المصالح الفردية الأخرى، لتتكون مصالح جماعية له أنصارها الحقيقيون وحماتها الأشاوس الذين لا يربطهم بالجماعة مجرد (طيف) فكري يتمثل بالخطاب والثرثرة الأدبية .. بل تكون الخطابات تعبيرا عن حالهم وعن مصالحهم بشكل واضح وحاسم وقاطع .. فتكون الدولة أمام كتل اقتصادية واجتماعية وفكرية لها وزنها .. وغضبها وعدم رضاها له ألف حساب عند الدولة ..

فقوة الديمقراطية تأتي من قوة من يحتاجها .. وتلك القوة تنمو بالتمارين وكثرتها، وهي لا تهدى هدية من حاكم يرتاح لوضعه الذي هو فيه، بل تبدأ من الطرف المحكوم، ابتداء بالتوعية وكسب الأنصار في الشريحة الواحدة سواء كانت مهنية (نقابات) أو فكرية أو سياسية أو غيرها، وتصعد بخطابها حتى تنتهي بالعصيان المدني (عند اللزوم) .. لانتزاع قوانين تحاصر الفساد وتطور عملية تناقل السلطة بين المواطنين بشكل سلس ودون (تقنين مفبرك) .


ولكنها لا تبدأ بالعصيان المدني أو الشتائم، فلو قامت ثلة بدعوة الناس لمسيرة سلمية لن تجد من المجيبين الكثير لها، لضعف آلية (القوة) المطالبة بالديمقراطية، في حين لو أرادت أي حكومة أن تخرج أنصارها للشارع ليتظاهروا تأييدا لها فسيكون العدد بالتأكيد أكثر، طالما أن نمو القوى المنادية بالديمقراطية لا يزال ضعيفا.
__________________
ابن حوران