عرض مشاركة مفردة
  #14  
قديم 23-12-2006, 12:59 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

تطور أنظمة الحكم في المنطقة العربية
وصور الديمقراطية فيها ..

لقد حقق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة التي حَمَلها الله عز وجل إياه ثورة اجتماعية هائلة، بالإضافة الى الجانب الديني ( ربانية الرسالة). فسحبت السلطة من البيوتات الثرية والتي كانت تتقاسم السيادة في أشكال مختلفة( الرفادة و السقاية والرايات و غيرها)، ووضع الناس تحت حكم مركزي قوام عناصره الرسالة السماوية. وقد أثرى الرسول صلوات الله عليه بالتوجيه والشرح ما يرشد المسلمين الى طريق الصواب.


وكانت النصوص في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة تبين حدود الطريق الذي يسير عليه الناس ( مسلمون وغيرهم). فالدعوة قد حُدِدَت بنص (لا إكراه في الدين قد بين الرشد من الغي)1 و (أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن)2 و (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم)3 و (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)4 .

وراعت النصوص القرآنية إرساء القيم الاجتماعية الأساسية ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى)5 ووضعت القواعد المحاسبية وفق ( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى، وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)6.

ثم شرح الرسول صلوات الله عليه الأسس تلك، فأعلن أن الإنسان متخلف في الأرض وفي المال وأن الملكية هي ملكية انتفاع وأن الناس شركاء في المرافق العامة للمجتمع ومصادر الثروة فيه كما ورد في الحديث الشريف ( الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار) ودعم ذلك بمبدأ التكافل الاجتماعي (من يكن ذا فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له)7. وتجلت هذه الأسس في مؤاخاة المهاجرين والأنصار وتقسيم أموالهم فيما بينهم والأمثلة كثيرة.

وُضعت السلطة السياسية في أيدي الناس وأصبحوا هم أصحاب القرار في تصريف أمور حياتهم وبهذا المنحى يقول الرسول صلوات الله عليه ( ما كان من أمر دينكم فإلي .. وما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به).. كما عُدت المشاورة وفق الآيتين ( وأمرهم شورى بينهم) و ( وشاورهم في الأمر).

فأصبح أي مسلم تتوافر فيه صفات الإيمان والحكمة والاستعداد لتحمل المسئولية وأن يحوز رضا الناس ليبايعوه حاكما عليهم أن يعتلي أعلى مواقع الحكم. وقد ابتدأ الرسول بنفسه في بيعتي العقبة الشهيرتين.

لقد وجد نص في القرآن يعترف بالعقائد الأخرى ويوفر لمعتنقيها الحرية في ممارسة شعائرهم وصيانة حقوقهم كمواطنين ضمن المجتمع شريطة احترامهم للأسس الجديدة التي أُرسيت (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا، فلا خوف عليهم ولا يحزنون)8

حض الإسلام الناس على المشاركة الإيجابية في شؤون الحكم ومطالبتهم بالنقد البنَاء، وقصة الخليفة عمر ابن الخطاب رضوان الله عليه واضع الخطوط الرئيسية لنظام الحكم الإسلامي، المعروفة حينما قال: ( من رأى منكم فيَ اعوجاجا فليقومه) فقام أحد الأعراب فقال: ( والله يا عمر لو رأينا منك اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا).. كما قوله عندما صوبت قوله إعرابية : (أصابت إعرابية وأخطأ عمر). ومثال آخر أورده أبو جعفر الطوسي في كتابه (تلخيص الشافي) عن الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضوان الله عليه وهو يخطب بالناس فيقول ضمن خطابه: ( إن رسول الله كان يُعصم بالوحي وكان معه ملك، وإن لي شيطان يعتريني ألا فراعوني، فإن استقمت فأعينوني وإن زغت فقوموني)9

إعطاء الشرعية للتغيير عندما يحصل انحراف أو عندما يتوقف النظام عن التعبير عن الناس، في هذا يقول رسول الله صلوات الله عليه (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)10 وحديث آخر ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهو أضعف الإيمان)11. والآية الكريمة من سورة الرعد ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)

هذه الأسس التي أُرسيت، نشأ على هامشها ثقة متبادلة وتلاحم خلاق بين السلطة والناس وزالت الحواجز بينهما وانتفى وجود الخلاف المتبادل بينهما بشكل لم تعد فيه حاجة لوجود أجهزة القمع التي تحرس السلطة وتحميها.. وحادث رسول كسرى الذي قدم الى المدينة فلقي عمر بن الخطاب رضوان الله عليه نائما تحت شجرة دون حرس.. فقال قوله الشهير الذي يكاد يكون قانونا تاريخيا : ( حكمت فعدلت .. فأمنت فنمت) أبلغ مثال على ذلك .. إن تلك الممارسة التي تمت قبل أربعة عشر قرنا كانت متقدمة على عصرها، وسابقة لنداءات مونتسكيو وجان جاك روسو وجون لوك وغيرهم. وليس لهذا القول مداعبة للغرور القومي أو التحسر على الماضي، بل إن لهذا علاقة بالأزمة التي نعيشها و نناقشها ..

يتبع

هوامش
ــــ
1ـ البقرة 256
2ـ النحل 125
3ـ الحجرات 13
4ـ آل عمران 103
5ـ النجم 38ـ41
6ـ الإسراء 15
7ـ حديث نبوي رواه مسلم. المقصود بالظهر وسيلة الركوب.
8ـ المائدة 69
9ـ محمد عمارة : الإسلام والسلطة الدينية ص 16
10ـ رواه أبو داوود عن عبد الله بن عمر
11ـ رواه مسلم والبخاري
__________________
ابن حوران