عرض مشاركة مفردة
  #33  
قديم 24-10-2005, 05:51 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

المصلح السياسي .. و مفهوم البطولة المنتظرة ..



عندما يسود الكبت في مجتمع ما و زمان ما ، فان مكنونات المجتمع من أحاسيس ستجد طريقها للظهور بأشكال مختلفة .. تماما كما هي الحال اذا ترك أحد أنابيب معجون الأسنان مفتوحا لمدة فان فوهة الأنبوبة ستتصلب عليها المادة ، حتى لا تعود تخرج منها بيسر .. و اذا ما تعرضت الأنبوبة لضغط عليها فان محتوياتها ستخرج من خاصرتها أو من أي مكان عدا الفتحة الأساسية ..

لن يتوقع أحد مكان خروج الاحتقانات ، ولن تنسب الأقوال و الانتقادات الى أشخاص معينين .. وستغيب ظاهرة البطل الذي له اسم محدد ، وسيظهر أبطال بشكل أشباح ترى أثرهم و لكن لن تعرف أسماؤهم .. وقد يسرق أي شخص أو أي فئة عمل الأبطال المستترين ، وينسبه لنفسه ، أو قد تنسب جهة ثالثة البطولة الى جهة أخرى ، لتوظف هذا التنسيب لأغراضها . كل هذا يحدث طالما الأبطال الحقيقيون لا يفضلون الإعلان عن أنفسهم .. لغايات يدركونها تمام الإدراك و يعلمون وقت تبيان شخوصهم ..

في القديم ، خرج بعض الرواة بالحديث بلسان الحيوانات ، لكي يعبروا عما يسود من بؤس ومن ظلم ، لا يستطيعون قوله بالقلم العريض .. فأسهمت أعمالهم في ملئ الفضاء الذهني بما يجول بخاطر البؤساء من الشعب ، فكان عمل ( كليلة و دمنة ) إعلانا مواربا لمنطوق الصامتين من الشعب ..

و اليوم الطاغوت الأكبر بظلاله العالمية الثقيلة يحاول أن يخرس أي صوت يخرج هنا وهناك ، منذ بدايته .. فمن الطبيعي أن يتحول التذمر الى تأمل و تفكير و همس و من ثم الى صراخ صامت .. يتم التعبير عنه بمقالة بحديث في زاوية ، بعمل فني ، أو بأشكال تعبيرية مختلفة ستملأ الفضاء الذهني برأي عام لا يستطيع من يكرهه أن يتتبع مصادره ..


سيكتشف القاصي و الداني أن حالة الرضا المزعومة ، لم تعد كما تعبر عنها لا الدوائر الغربية و لا الدوائر الرسمية العربية ..

ان المصلح السياسي هو كالمصلح الاجتماعي ، أو هو مصلح اجتماعي أصلا ، لن تكون مناسبة ظهوره ، مناسبة استثنائية ، أو محض صدفة ، بل تكون نتيجة انشغال المجموع العام من الناس في التفكير بمسائل مشتركة ، دون إبلاغ بعضهم البعض عن هذا الانشغال .. فتكون مناسبة ظهور المصلح السياسي (البطل في هذه الحالة) .. هي مناسبة طبيعية .. ولكنه سبق الآخرين الى خط اكتشاف الممر المؤدي للخلاص قبل غيره ..

قد يكون المصلح فردا ، وقد يكون فردا من مجموع أفراد .. خاضوا تجربة جماعية عملاقة ، لكنهم لم يستطيعوا الوصول بها الى نهايتها ، لأن الظروف الموضوعية تغلبت على قدرتهم الناشئة في عينة من الوقت . وهذا لا يعني بالضرورة التسليم بخطأ السلوك .. بقدر ما هو اعتراف بعدم إحكام فنون اللعبة بما يتلاءم مع شراسة القوى الداخلة ضمن الظرف الموضوعي ..

في حالة أن يكون الفرد أو الفئة هم من النوع الذي خاض تجربة عملاقة ، وبدا لمن يراقب أو من الضعاف الذين اشتركوا بخوض التجربة تلك ، والذين خاضوها لا لتمثل عقيدة منهجها بسلوكهم المتصاعد .. بل من خلال التصرف كمن هم سائرين ضمن ( نزعة القطيع ) .. في تلك الحالة فان التعنيد أي استخراج جيل قد عركته التجارب المريرة و بقي على إيمانه ، سيكون من ضمن المكاسب الهائلة التي قد لا يطول الاعتراف بوضعها ..

في حين يرتكس من كان يراهن على التجربة كمراقب ، أو من الضعاف ، على أن لا أمل يرتجى بعد من المضي بما تم السير به .. وسيكونون بابتعادهم أو بالافصاح عن مكنونات دواخلهم ، قد قدموا خدمة جليلة للأمة .. حيث يكون من تبقى على عهد الإيمان الأولي قد ارتقى لمصاف الأبطال ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس