عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 13-07-2005, 11:03 PM
الجلاد10 الجلاد10 غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2005
الإقامة: بلاد الله
المشاركات: 498
إفتراضي

وفي أواخر 1814 وبداية 1815، حشد الوهابيون في بسل، على مقربة من تربة، جيشاً بلغ 30 ألفاً كما يقول أبن بشر، و 20 ألفاً كما يقول بوركهاردت. وأكثر من نصفه أحضره طامي بن شعيب من عسير. وترأس بلك القوات الموحدة فيصل شقيق عبد الله. توفي كانون الثاني (يناير) 1815 نشبت معركة انتصرت فيها قوات محمد علي المتحالفة مع البدو. ودفع محمد علي 6 ريالات مقابل كل قتيل من الأعداء. واحتفل محمد علي بالنصر حيث اعدم في مكة مئات الأسرى. وبلغت خسائر الوهابيين عدة آلاف.

ثم احتلت قوات محمد علي تربة ورنية وبيشة. ووصل المصريون إلى ساحل البحر الأحمر واستولوا على القنفذة. وجرى تسليم زعيم عسير طامي بن شعيب إلى محمد علي الذي أرسله إلى مصر ثم إلى الأستانة حيث أًعدم. وكان محمد علي ينصب على القبائل البدوية في كل مكان أًناساً طائعين له(43). وبنتيجة العمليات الحازمة التي شنها محمد علي جرى دحر الوهابيين في عسير وفي المناطق الهامة من الناحية الإستراتيجية بين الحجاز ونجد وعسير.

وبعد عدة أشهر، عاد محمد علي إلى مصر حيث وصلته أنباء عن القلاقل. وبالإضافة إلى ذلك كان محمد علي، بعد احتلال الحلفاء لباريس، يخشى من إنزال جديد يقوم به الإنجليز على مصر أو من هجوم الأتراك(44).

دخول طوسون القصيم والصلح مع عبد الله. لم تكلل بالنجاح محاولة طوسون الأولى لدخول القصيم. فقد عاد أدراجه عندما علم بظهور عبد الله مع قوات كبيرة. إلا أن التذمر في القصيم من سلطة الوهابيين قد أشتد. واتصل وجهاء الرس بطوسون ووعده بالمساعدة إذا دخل القصيم. وتحرك طوسون بلا إبطاء مع عدد غير كبير من القوات نحو مدينة الرس ودخلها. ودمر هنا قسماً من التحصينات وفرض الضرائب على السكان ونصب معسكراً على مقربة من المدينة مؤّمناً تزويد الجيش بالأغذية على حساب السكان المحليين. فلم يتمكن من تأمين المؤن من المدينة المنورة بصورة منتظمة.

وكانت قوات عبد الله مرابطه في عنيزة. وقام الوهابيون بهجمات متفرقة باتجاه الرس وكانوا يستولون على قسم من القوافل القادمة من المدينة المنورة. فقد وقع فصيل الإمدادات الذي قاده توماس قيس في كمين نصبه الوهابيون وأبيد(45). واستمرت العمليات الحربية سجالاً طوال عدة أشهر حتى صيف 1815.(46).
غدت حالة طوسون عصيبة للغاية. فأن ضغط الوهابيين الشديد كان يمكن أن يدمره. بيد أن قوى عبد الله لم تكن كافية على ما يبدو، ثم أنه كان يخشى تمرد أهل القصيم في مؤخرته. وتم توقيع الصلح بشروط تعكس توازن القوى المترجرج هذا.


ونص الاتفاق على توقف العمليات الحربية. وترك جيش طوسون القصيم وكف المصريون عن التدخل في شؤون نجد. وتأكد ضمان حرية التجارة والحج للجميع. وأورد أبن بشر وبوركهاردت كلاهما هذه المعلومات عن الاتفاقية. إلا أن الرحالة بوركهاردت أورد بضعة شروط أخرى من الاتفاقية: يجب أن تخضع لعبد الله كل القبائل المتواجدة شرقي الحناكية. ويقول بوركهاردت كذلك أن عبد الله وافق على اعتبار نفسه من رعية السلطان العثماني. ويؤكد المؤرخ المصري المعاصر أ.عبد الرحيم هذه الحقيقة استناداً إلى وثائق من أرشيفات القاهرة(47).

ووصل مبعوثو عبد الله مع طوسون إلى القاهرة، خريف 1815(48).

وبعد انسحاب طوسون أخذ عبد لله ينحي أمراء القصيم الذين أبدوا ترددا أثناء وجود الفصيل المصري في الرس، أو الذين تعاونوا مباشرة مع طوسون، وبدأ كذلك عمليات تأديبية ضد بدو حرب ومطير الذين خانوا العهد.

وإلى الجنوب من ذلك، في مناطق بيشة وتربة ورينة التي كانت، باعتقاد بوركهاردت، مستثناة من الاتفاقية بين عبد الله وطوسون، استمرت الصدامات بين الوهابيين والقوات المصرية(49).

وأثارت أعمال عبد الله التذمر في القصيم، ناهيك عن البدو، فأرسلت شكاوى إلى محمد علي. وفي المراسلات التي جرت بين عبد الله وبين محمد علي وأبنه وردت إشارات متكررة إلى خرق الوهابيين لشروط الاتفاقية(50).

ارتفعت منزلة محمد علي في الإمبراطورية العثمانية بفرض سيطرة مصر على الحجاز. وأخذ محمد علي يطالب الباب العالي بتسليمه الشام على سبيل المكافأة عن الانتصارات في الحجاز. ولذا أصبحت أكثر إلحاحاً بالنسبة له مهمة تثبيت أقدامه في الحجاز وفي الجزيرة العربية عموماً بتقويض الدولة السعودية الأولى نهائياً(51).

احتلال نجد من قبل إبراهيم باشا. عين إبراهيم الابن الأكبر لمحمد علي لقيادة الحملة هذه المرة. وظلت معروفة إحدى الطرائف التي قيلت بمناسبة تعيين إبراهيم قائداً للحملة الجديدة. يقال أن محمد علي جمع قواده العسكريين في القاهرة قبيل بدء الحملة ليناقش معهم خطة العمليات. ثم أشار محمد علي إلى تفاحة موجودة وسط سجادة كبيرة مفروشة في القاعة. وقال: من يحضر هذه التفاحة ويسلمها لي دون أن يمس السجادة برجليه سيقود القوات. انبطح المقربون إلى الوالي على الأرضية ولكنهم لم يبلغوا التفاحة. وعند ذلك اقترب أبنه إبراهيم، وهو قصير القامة، من السجادة فطواها وبلغ التفاحة وسلمها إلى أبيه. وهكذا لمحَّ لأبيه، كما يقال، إن القوات المصرية تحت قيادته سوف تطوي "سجادة" بوادي الجزيرة في البداية بتأمين المواصلات والعلاقات الطيبة مع السكان المحلين(52).

كانت مثل هذه المبادئ بالفعل أساساً للسياسة المصرية في الجزيرة العربية أثناء حملة إبراهيم. فقد كان يفهم جيداً أن التوغل في أعماق الجزيرة مستحيل بدون مساعدة البدو، لذا سعى إلى اجتذابهم. ولهذا الغرض ألغى إبراهيم الزكاة الوهابية على البدو، وراح يدفع المال نقداً لقاء كل الخدمات. إلا أن فلاحي مصر هم الذين دفعوا ثمن انتصارات إبراهيم.

كان إبراهيم عارفاً بمدى العداء الذي خلفته تصرفات وتعسف جنوده المتباينين في الحجاز، لذا حاول أن يترك انطباعاً طيباً عند الأعراب بورعه وتقواه ونبله وإيفائه بالوعد. وقد قطع بكل حزم دابر أي أعمال للعنف ضد السكان المحليين إلى أن تم تدمير الدرعية.

في تلك الأثناء أصاب الضعف دولة السعوديين. وكانت القبائل البدوية الرئيسية مستعدة في أي لحظة لتقلب لها ظهر المجن. وابتعد وجهاء وأعيان واحات وسط الجزيرة عن الوهابيين بسبب التوقف التام تقريباً في مسيل الثروات المنهوبة. وكان السكان الحضر يتذمرون من الحروب المتواصلة الطويلة الأمد والإتاوات التي لا تنقطع. ولم تكن منزلة عبد الله رفيعة كمنزلة أبيه سعود. ولم يبق سنداً لأمراء الدرعية في كل مكان إلا علماء الدين الوهابيون.

وما كان بوسع المصريين أن يرسلوا إلى نجد قوات غفيرة. إلا أن جنودهم صاروا يختلفون عن أولئك الذين قاموا بالإنزال في الحجاز قبل ست سنوات. فهم الآن يجيدون تدبير حصار القلاع وبناء الطوابي الحامية من الهجمات المباغتة واستخدام المدفعية بمهارة ليست قليلة. وكان مع إبراهيم مدربون من جيش نابليون وأطباء أوروبيون(53).

إما عساكر عبد الله فقد ظلت على غرار المتطوعة العشائرية والحضرية كما كانت سابقاً. وكان الوهابيون متخلفين عن المصريين من حيث الأعداد الحربي. صحيح أنهم كانوا يقاتلون في ظروف مناخية تعودوا عليها ويدافعون هذه المرة عن ديارهم ونخيلهم وحقولهم، إلا أن وطنيتهم النجدية لم تكن قوية، وكانت المشاعر التي يكنونها لآل سعود آنذاك متعارضة.

ويبدو أن عبد الله كان يدرك تعقد الموقف بالنسبة له. كان ينوي دحر المصريين في معركة مكشوفة، وفي حالة الاخفاق كان يريد أن يرغمهم على محاصرة واحة محصنة بعد أخرى وينسحب إلى وسط نجد. وكانت صعوبات الحملة وسط الجزيرة البعيد عن قواعد التموين لا بد أن ترغم المصريين، كما يعتقد على التخلي عن نيتهم في احتلال نجد.

وفي خريف 1816، وصل إبراهيم إلى المدينة المنورة مع قوات كبيرة. وجاءته من مصر قوات جديدة وأغذية ومعدات. واجتذبت إبراهيم القبائل في ضواحي المدينة لعمل معه وبدأ زحفه البطيء على نجد. وبعد أن احتل الحناكية أنشأ فيها معسكراً محصناً.

ودعا أليها زعماء القبائل المجاورة وقدم لهم الهديا واستعرض جيشه أمامهم. وفي تلك الأثناء وصل من الأستانة نبأ منحة لقب باشا. وكان ذلك بمثابة مغازلة لمشاعره لا أكثر، فهو لا يعني أي دعم له.

وفي تلك الأثناء، كانت القبائل البدوية تبتعد عن عبد الله الواحدة تلو الأخرى.

فأن زعيم مطير فيصل آل دويش، مثلاً، جاء إلى إبراهيم وعرض عليه خدماته مقابل تعيينه فيما بعد أميراً للدرعية. ووصل عبد الله إلى القصيم وهاجم المصريين ولكنه مني بهزيمة. وقتل كثيرون من الوهابيين واقتطعت آذانهم وأرسلت إلى القاهرة.

وفي صيف 1817، أقترب إبراهيم من الرس وبدأ حصاراً استمر عدة أشهر، ودافع المحاصرون عن أنفسهم ببسالة. ويمكن الافتراض من ضراوة المعركة أن عبد الله الذي يفهم الأهمية الإستراتيجية للرس قد ترك هناك أفضل ما كان متوفراً لديه. وخلال الحصار الطويل لمدينة الرس كان عبد الله على مقربة منها دون أن يتمكن من نجدتها بشكل فعال. ولم تتمكن من دخول المدينة عبر المعارك إلا قافلتان وهابيتان.