الموضوع: جسد بلا روح
عرض مشاركة مفردة
  #81  
قديم 14-05-2004, 01:52 PM
أطياف الأمل أطياف الأمل غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2000
الإقامة: على نفحات الأمل
المشاركات: 3,246
إفتراضي

وفي السيارة.. كنت أصارع أعداد لا منتهية من الآلام.. كان جسمي يؤلمني.. قلبي يؤلمني.. رأسي.. عياني.. كلي يؤلمني.. لم أعرف أكان الموضوع مرضيا أم أنه مجرد ألم نفسي.. كنت أنظر من نافذة السيارة.. أرى الناس حولي.. ترى هل يتألمون لما أتألم؟ هل يشعرون بما بي؟ هل تفضحني عيناي أم أنهما ممثلتان بارعتان كما شفتي التي تزيف ابتسامتها رغم الألم الذي يعصف بداخلها؟
رفعت رأسي لأرى القمر.. القمر الذي كان يتلقى رسائلي كل ليلة ليوصلها إلى نواف.. رفعت ناظري إليه لأرى رأيه.. هل يشاركني الألم كما شاركني الفرح؟ أم أنه تخلى عني.. والآن؟
نظرت إليه فرمقني بنظرة عطف وكأنه همس.. لا تحزني..
همست عيني.. أرجوك.. آخر رساله.. أرجوك أن توصلها..
تردد كثيرا ولكنه في الأخير تقبل الموضوع.. مذكرا إياي أنها آخر رساله.. فرحت.. هتفت.. أحبه.. قل له أني أحبه.. وسأظل أحبه ما امتدت بي الحياة..
أشاح بوجهه عني باكيا فأخفضت بصري.. نظرت أمامي.. إلهي لقد اقتربنا.. ألهمني الصبر يا ربي.. ألهمني الصبر في موقفي الجلل هذا..
وصمت أنظر للطريق بصمت مميت..
يبدو أني لم أكن وحدي من يكلف القمر بايصال رسائله..فلقد كان نواف يشاطرني الأمر ذاته.. كان يقود سيارته باتجاه الصاله.. صالة الزفاف.. كان حزينا.. يبدو حزنه واضحا في عينيه.. كان حزينا في وضع يوجب عليه أن يكون أسعد الخلق.. اليوم زفافه.. فكيف يحزن؟ ولأي سبب؟ ما الذي يحمله على الكآبه؟ يجب أن يفرح.. يضحك.. يغني.. يرقص.. لا أن يكتئب ويبكي.. رفع بصره المتألم إلى السماء.. تلك السماء التي بدت في تلك الليلة كقطعة قماش من المخمل الأسود نثرت عليها الدراهم الفضية بعشوائية مرتبة.. وقد احتل القمر المكانه الوسطى..فاستلم زمام الأمور خلف الشمس.. فكأنه الملك.. ملك الظلام.. نظر نواف إلى القمر.. فنظر الأخير له.. همس نواف.. هل لك أن توصل رسالتي لمن أحب يا قمر؟لطالما فعلت فأرجوك لا تبخل علي هذه المرة..
وبعد تردد كثير وافق القمر.. حسنا.. سيوصل الرساله..
فرح.. همس.. أحبها..قل لها أني أحبها.. وسأظل أحبها ما امتدت بي الحياة..
تألم القمر كثيرا فأشاح وجهه فأخفض نواف رأسه وأكمل سيره.. حتى وصل إلى الصالة.. حيث يقام زفافه!!
كنت قد وصلت منذ مدة ليست بطويلة.. عندما فتحت باب السيارة قاصدة الهبوط منها.. أحسست بدوار شديد فتجاهلت الأمر.. خرجت من السيارة.. فكانت قدماي وكأنها عجزت عن حملي.. كدت أن أقع.. إلى أني تمالكت نفسي.. خرج السائق بسرعة من السيارة وقال: سيدتي.. هل أنت بخير؟
- أجل أنا بخير..
- هل نعود للمنزل؟؟
- المنزل؟؟ لا لا سأبقى..
- ولكنك تعبه!!
- وما دخلك أنت؟ قلت لك سأبقى..
- بأمرك سيدتي.. سأبقى أنا هنا حتى تنتهين..
- لا اذهب وسوف اتصل عليك..
- لا أستطيع.. السيد سعود أمرني أن أبقى حتى تنتهين..
تأفف فقد علمت أنه بما أن سعود تدخل بالموضوع فلا يمكن أن ينفذ السائق ما أقول..
قلت: حسنا.. ابقى هنا..
وبخطى بطيئة سرت حتى دخلت القاعه... كنت أرتدي رداء الخوف والرهبه.. قلبي يدق بجنون..وكأنه طائر صغير يكاد أن يخرج من قفصه.. ضممت يدي إلى صدري ومشيت ببطء..
نزعت عبائتي ونظرت إلى الناس من حولي.. يا الله.. لم أتوقع الموقف بهذه الصعوبه.. الكل ينظر إلي.. من هذه؟ لم يكن بعينيهم سؤال غيره.. من هي؟ ماذا تريد؟
بالطبع ليس من الصعب عليهم أن يكتشفوا أن لست من (الأهل) لأنهم جميعهم أقارب.. يعرفون بعضهم ويمزون أقاربهم.. وذلك ما زادني خوفا.. وألقى بقلبي الرعب..
ابتسمت برهبه لمن حولي وتقدمت.. مضيت في طريقي إلى داخل الصالة.. حيث كانت الصاعقه هناك..
فما أن دخلت من الباب وجدت نسوة كثر واقفات بالباب.. من مختلف الأعمار..منهم الكبيرة والشابة والطفلة.. كان واضحا أنهم من أصحاب العرس.. لأنهم كانوا يستقبلون المدعوين.. مددت يدي.. سلمت عليهم واحة واحدة.. منهم من رمتني بنظرة تحمل الكثير من علامات الريبة والشك.. ومنهم من نظرت إلي بكراهيه.. ومنهم من نظر إلي بلطافه وبشاشه.. حتى وصلت يدي إلى يد امرأة كبيرة في السن.. إلا أن وجهها بشوشا مضاء.. ابتسمت لي ثم سألتني بحده: من أنت؟
خفت.. ارتجفت وارتعدت أطرافي.. ماذا.. من أنا؟ ماذا أخبرها؟ أنا حبيبة من سيتزوج اليوم؟؟ ماذا أقول.. لم يخبرني نواف ماذا أقول.. بل انا من نسيت أن أسأله..ويحي..ماذا أفعل الآن..
نظرت إلي باستغراب ثم قالت: من أنت با ابنتي؟
أجبتها بتلعثم: أنا روز.. روز سلطان..
قاطعتني فتاة كانت بقرب هذه المرأة صائحه: أمي.. إنها من أخبرنا عنها نواف..
فتحت عيني ذهولا أخبرهم عني؟ ماذا أخبرهم؟ كيف أخبرهم!!
رحبت هذه المرأة التي اكتشفت فيما بعد أنها والدة نواف بي ترحيبا حارا.. وقالت لي: أهلا بك يا ابنتي..مرحبا بك.. أين والدتك؟ لما لم تأتي معك؟
لازالت علامات الذهول على وجهي حين أجبت: والدتي تعبه قليلا..وهي من بعد وفاة والدي لا تذهب إلى حفلات زفاف..
- أنا آسفه يا ابنتي..
- لا عليك يا خاله..
قالت لابنتها: حصه.. خذيها يا ابنتي إلى الطاولة التي حجزناها لها.. هيا بسرعه لا تدعي الفتاة تقف كثيرا..
قالت حصه باسمة: تفضلي..
سارت أمامي وسرت أنا خلفها مذهولة.. ما الذي يحدث؟ وماذا قال لهم نواف يا ترى؟ من أنا؟ بم أخبرتهم عني يا نواف؟
وصلت إلى الطاولة التي حجزت لي وحدي.. استللت الكرسي وجلست.. ابتسمت لها وشكرتها..
اعتذرت مني وقالت أنها ستعود بعد قليل.. لحقتها بنظري فوجدتها تتجه لمجموعة من الفتيات.. أخبرتهم بأمر جعلهم يلتفتون..وليس لأي مكان.. لي أنا.. حولت بصري عنهن بسرعه حتى لا يلحظوا أني كنت أنظر إليهم.. نظرت إلى هناك..حيث سيجلس العروسان.. كان الديكور يشبه الحديقة.. كرسي كبير قليلا مزين بأزهار بيضاء وحمراء منسقة بخيلاء.. وبعض الأمور لم أرهما بوضوح ليس لأنها غير مفهومه..أو لأني بعيدة فلا أرى.. بالعكس.. أنا قريبة من المسرح بشكل كبير..قريبة كفاية لأرى أدق التفاصيل..بل لأني عيني عميت وذهب بصرها عندما نظرت إليها.. أجل رأيتها.. رأيت من أخذت مكاني.. من خطفت مني حبيب روحي.. رأيت..وليتني لم أفعل.. لم تكن قبيحة أبدا.. وليست بخارقة الجمال أيضا.. لا أقول أني أنا الجميلة..ولكني لا أدري.. ربما هي الغيرة.. بأنها هي من فازت بكل شيء.. وبأغلى شيء.. وأنا خسرت قلبي.. لم تكن حرب عادلة أبدا..أنا بذلت كل ما في وسعي..ولكنه لم يفعل.. استسلم لحصارها بسرعه..ودون أن تمضي أربع وعشرون ساعة حتى.. لا أحمل لها في قلبي أية مشاعر.. لا حب.. ولا حتى كره.. ولا أريد ان أفكر بما أحمله لها من مشاعر.. أخاف أن أظلمها.. أنا لا أعرفها فكيف أكرهها؟
أشحت بوجهي عنها منزعجة بسرعة.. نظرت فوجدت حصة مقبلة نوحي.. لم تتأخر..كما وعدت ثوان فقط وعادت.. يبدو أنه كان لديها خبرا مهما لتشيعه بين الحضور.. ماهو يا ترى..
جاءت وجلست بقربي.. رحبت بي قائلة: مرحبا بك يا روز.. كيف حالك؟
- الحمدلله بأفضل حال.. وأنت؟
- أنا الحمدلله بخير أيضا.. أخبرنا نواف عنك كثيرا..
فغرت فاهي أنظر إليها فقالت متداركه:أقصد عنك أخيك.. فكما تعرفين نواف واخيك سعود أصحاب منذ سنتان.. وإن أردت الحقيقه... نواف يحب سعود كثيرا.. حتى أنه أوصاني بكم وأخبرني أن أجلسكم أنت ووالدتك على هذه الطاولة بالذات.. أعلم أنه يريد أن يجلسكم على الأفضل.. بصراحه لو لم يوصني هو لكنت فعلت الأمر ذاته..
أخذت تثرثر وتتكلم ولكني لم أسمعها.. غبت عن الواقع قليلا وأخذت أفكر بينما هي تتحدث.. صاحب أخي؟ أهكذا أخبرتهم يا نواف؟ وبم قد تخبرهم؟ أنك تحبني أنا؟ ويحي كم أنا غبيه.. للحظة تمنيت لو أنك أخبرتهم أنك تحبني.. أو حتى.. كنت تحبني.. ولكن يبدو أن أحلامي ستظل أحلاما.. لن يتحقق أي منها يوما.. أبدا..
قطع أفكاري صوت حصه قائلة: عن إذنك يا روز.. مضطرة أن أذهب الآن لأن أخي.. نواف سيدخل الآن..فيجب أن أذهب..
سرت رعشة في أوصالي بينما أسمعها تنطق اسمه.. نواف..
قلت لها باستماته وأنا ابتلع عبراتي: خذي راحتك..
نهضت من الكرسي وذهبت بسرعه.. نواف سيدخل الآن؟؟ آه يا ويح قلبي.. يا عذابه ومرارة ما يحسه..
نهضت العروس استقبالا لزوجها القادم من بعيد.. زوجها الذي يسير بخطى واثقه..رافعا رأسه وعلى شفتيه ابتسامة ساحره..
دخل نواف القاعه ووقف قليلا.. وكأنه يحدث نفسه ويشجعها على الدخول.. فلقد خافت من الناس.. كل هؤلاء!! لا أدري ربما اعتقدت نفسه أنه لوحده.. وأن القاعه لن تضم سواه وزوجته.. ولكن خاب ظنها يا نواف..
تقدم قليلا.. بحث بعينيه ونظر إلى طاولتنا.. رأها ولكأنه يريد أن يعلم.. أحضرت أم لا.. كنت جالسة لوحدي إلا أن نساء كبيرات في السن وأخريات في عمري انضممن إلي.. فكنا جميعنا مرتدين عباءاتنا فلا يظهر منا سوى أعيننا.. فهل سيعرفني من عيني؟
مشى نواف متجها إلى المسرح حيث عروسه وبصحبته والدها واخيها.. يمشي هو وعيناي تتبعه حيث سار..
عندما مر بقربي.. تعالت دقات قلبي المتلاحقه وانفطر قلبي من الألم.. هلا حدثت معجزة وأوقفت هذا الزفاف؟أما يحدث ما يحول دون إتمامه؟ أما يحصل ما يمنع قلبي من التألم؟ أواه على حالك يا قلبي..
وصل نواف إلى عروسه.. قبّل رأسها.. أمسك بيديها وجلس بقربها.. كانت عروسه خجلى.. وجهها اصطبغ بالحمرة.. ويداها كان واضحا أنهما ترتعشان.. أمسك نواف يديها بين يديه.. ونظر إليها وأطال النظر.. ثم أخذ يتحدث معها ويضحك.. يضحك بعفوية تامه.. فلقد نست نفسه الخائفة قبل قليل خوفها..ولم تتذكر سوى كيف تضحك مع شريكتها.. نست أن حولهما أناس كثر..فلم تعد ترى أمامها سوى شريكة حياتها..
وأنا.. كنت أرقبهم من هناك.. من مكاني على الكرسي.. كل ما رأيته يضم يدها اضم يدي.. يخيل لي أنه يضم يدي أنا.. ولكني لا أجد سوى برودة الثلج فيها..
كل ما رأيته يبتسم لها.. اعتقد أنه يبتسم لي.. ولكن تصدمني عيناه التي تنظر إليها وحدها..فأشيح بناظري بسرعه.. كل ما رأيته يهمس.. أحسب أنه يهمس باسمي.. فأهب لأجيبه إلا أنها هي تجيبه..لأنه حدثها هي ولست أنا!
سألت نفسي.. هل أرحل؟ أم أبقى؟ هل أجلس لوقت أطول وأعذب نفسي أكثر؟ وما يبقيني؟أما امتلأتي يا نفسي تعذيبا؟ أما أرهقتي ألما؟ إذا ما رأيك؟ أنرحل؟
وبينما أنا أفكر.. نظرت إليهما مجددا.. ماذا يفعلون الآن؟ فوجدت العروس منشغلة بالحديث مع امرأة بقربها.. وهو.. نواف.. ينظر إلى البعيد سارح الفكر.. ترى إلى أين ينظر؟ وبم يفكر؟
بلى.. إنه ينظر أمامه.. إلى هنا.. إلي أنا.. أتراه ميزني؟؟ عرفني؟ عرف أني حضرت؟ أم أنه لازال يفكر.. أي النساء أنا؟؟ أم أنه يا ترى لا يفكر بي حتى؟


يتبع..
الرد مع إقتباس