عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 25-10-2000, 12:54 PM
صلاح الدين صلاح الدين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2000
المشاركات: 805
Post ماذا لو كان هناك دولتان يهوديتان؟

لطالما راودني السؤال عما يمكن أن يكون عليه الوضع لو كان هناك دولتان يهوديتان؟ كيف ستكون صورة اليهودي في العالم؟ وكيف ستكون مجريات الصراع العربي الإسرائيلي؟ والسؤال قد يبدو ساذجاً ولكنه يضرب في عمق معاناتنا الراهنة. فالوحدة والتجزئة كانتا على رأس أسباب الصداع السياسي والاقتصادي والفكري الذي نعاني منه منذ قرن من الزمن، وهما السبب الرئيس في قصة تخلينا عن مواقع المشاركة في صناعة الحياة إلى مواقع المشجعين والنظّارة، حتى باتت جل مواقفنا ردود فعل وتأثر لا تتعداها إلى الفعل والتأثير.

فماذا لو قامت دولة يهودية أخرى وكسرت تمثيل دولة إسرائيل الحالية لليهود واليهودية، وتضاربت مصالح الدولتين الإقليمية والدولية، واختلفت رؤاهما في السياسة والعلاقات الدولية والاحتكام إلى التوراة والتلمود فيما يعنى بشؤون الحياة؟

ومما يشيعه المؤرخون اليهود أن مملكة سليمان انقسمت بعد موته إلى دويلتين (إسرائيل) و(يهوذا) وأن الصراع الذي وقع بينهما أدى إلى تدميرهما معاً بعد تفرق الشمل وتمزق الصف نتيجة السياسة الكيدية التي شغلت حكام كل منهما ضد الآخر، وتم تدمير الهيكل وسيق الجميع إلى السبي الفارسي حيث تأثرت المعتقدات اليهودية بالفلسفات الشائعة يومها في الهند وفارس.

ومن المعلوم أن قيام دولة إسرائيل الراهنة جاء نتيجة حركة صهيونية أوروبية دؤوب أنشأها السياسيون المسيحيون بهدف التخلص من اليهود بأسلوب حضاري بتجميعهم في أرض الميعاد بحيث يتم ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فالغرب الأوروبي يزرع بهذه الدولة إسفيناً في قلب العالم العربي - الإسلامي، ويسيطر على نقطة اللقاء الآسيوي الأفريقي، ويجاور منابع البترول ثروة المستقبل، وكان البريطانيون أول من اكتشفها وكتموا أمرها إلى ساعة الصفر بعد زوال الدولة العثمانية الواحدة التي شكلت عائقاً مهماً في وجه الطموحات الاستعمارية الغربية.

ومن المعلوم أن البترول أصبح خلال القرن الماضي أهم مصدر من مصادر الطاقة، وساهم في اقتصاديات الدول المنتجة والدول المستغلة حتى عرف بالذهب الأسود.

وحيث يوجد المال توجد السلطة، ووجود إسرائيل في موقعها الجغرافي فوق أرض فلسطين يعني مراقبة المال وتقييد السلطة العربية، فحالة التوتر في هذه المنطقة الحساسة من العالم ستبقي الدور الغربي فاعلاً ومؤثراً لأجيال قادمة ليستبدل دور الخصم بدور الحكم الذي لا مناص من اللجوء إليه في حل إشكاليات يعجز سواه عن حلها.

وورثت أمريكا أوروبا فتعهدت غرس الصهيونية ورعتها داخل خيمة زراعية وفرت فيها كل متطلبات الإنبات والإنتاج بتكلفة عالية ولكنها مكفولة أمريكياً.

واستهدفت الرعاية المركزة مشروعاً واحداً ذا كلفة عالية ولكنه أشبه ما يكون باستثمار بعيد المدى، كالخلية الكامنة التي تتغذى كما بقية خلايا الجسد ولا تؤدي دوراً منظوراً، حتى إذا أزفت الآزفة أدت خدمة توازي أو تفوق كل ما أنفق عليها من رعاية وعناية.

لم تكن الصهيونية لقيطاً يتيماً مهملاً في زوايا دور العناية الاجتماعية، ولكنها كانت مشروعاً ناضجاً يرنو نحو المستقبل البعيد وليس الواقع المنظور، وتمت تهيئة الظروف لنجاح عملية الغرس الاصطناعي، وأولها التخلص من الدولة العثمانية العالمية الحضور والنفوذ والانتشار، وإحلال الدولة القومية، بشكلها المبتور عن بيئته المحتاج إلى رعاية القوى الدولية المتحكمة بالقرار.

وعمل الصهاينة الأوروبيون على زرع الفكر الصهيوني في مجمعات يهود (الشتات) وكانت المهمة عسيرة، لأن الحركة الصهيونية التي توسّلت الفكر الديني لم تقم من قلب المؤسسة الدينية اليهودية، وإنما قامت من خلال المؤسسات الأوروبية العلمانية ولهدف سياسي استعماري محدد، وكان عليها أن تقنع كهنة اليهود بأن مفهوم (انتظار المخلص) ليس انتظاراً سلبياً، وإنما هو يحتاج إلى التمهيد لظهور المخلص، وأن الحركة الصهيونية تساعد في هذا الظهور ولا تعوقه، وبالرغم من نجاح الحركة الصهيونية بعد معاناة كبيرة مع المؤسسة الدينية في فرض نفسها ممثلاً وحيداً ليهود العالم ما زالت التيارات الدينية اليهودية تعيش قصة نقاش حاد يصل أحياناً كثيرة إلى درجة التراشق والتكفير على خلفية جواز قيام دولة يهودية قبل قدوم (مسيا) المخلص أم لا؟
رعى الغرب المستعمر تدريب كوادر الكيان الصهيوني المأمول في ميدان السياسة والإدارة والأمن، وكان لليهود فرقة خاصة بهم ترابط وراء جيوش الحلفاء في الشرق العربي المقتطع من الدولة العثمانية لاسيما في مصر وفلسطين، ولكن الفطرة ليست كالتصنيع، فجموع القادمين من كل ناحية يختلفون في الثقافة واللغة والعادات والتقاليد وسبل التفكير، ولذلك كانت الخطر الخارجي، أو فلنقل الشعور بالخطر الخارجي أحد أهم سياسات حفظ هذا الكيان من التفتت والانقسام المؤدي إلى فشل التجربة.

فالشعار الديني الذي رفعته الحركة الصهيونية لم يكن سوى غلالة رقيقة غلفت بها الحركة نفسها لاكتساب صورة من صور الشرعية في أرض ليست لهؤلاء المعاصرين ولا لآبائهم، وفي زمن التخلص من التركة الاستعمارية الثقيلة. وما زال الخلاف العقدي والفكري كامناً في يهود الكيان الصهيوني (إسرائيل) يظهر في الخلاف السياسي الذي أدى إلى اغتيال رابين وتهديد نتنياهو وباراك، فماذا لو كان للمتدينين دولتهم، وللعلمانيين دولتهم؟ وماذا لو كان للشرقيين ولايتهم وللغربيين ولايتهم؟

هل تتكرر قصة إسرائيل ويهوذا مرة أخرى ويرشق العالم الغربي الإسرائيليين بالأصولية والتطرف والإرهاب بدل تركيزه كل الاتهامات السوداء على الجانب العربي المظلوم؟

سؤال يستحق الطرح بالرغم من سذاجته في عالم السياسة الغربية المدروس بعناية. فما قولكم؟