عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 13-05-2005, 01:56 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي الإعتفاد (بالفاء) ظاهرة تدل على شرف الأمة

الإعتفاد(بالفاء) ظاهرة تدل على شرف الأمة

كان التفاوت في مستويات الحياة صارخا قبل الإسلام في مكة ، فكان الموسر الذي يسكن بيتا فارها ، وكان من ينام على الغبراء ويلتحف السماء ، ومنهم بني الغبراء ، وكان من يأكل الخبز الذي كان يعتبر أفخر أنواع الأكل ، فيقال أخبزتهم و أتمرتهم ، أي أطعمتهم الخبز و التمر . وكان منهم من لا يجد شيئا لأيام فينقع جلد سخلة بالماء فينتش منها ما استطاع . وان كان له بعيرا و أتاه ضيف فيخرم عرقا في أسفل ركبة البعير ، ويستخرج منه دما ويعرضه للنار قليلا في جفنة ، ويطعم ضيفه ، وهذه دلالات لما جاء في التنزيل بتحريم الدم والميتة (المنقوعة بالماء ) .

وكان أشراف التجار اذا تعرضوا لخسارة ، ذهبوا خلسة للبيداء وبقوا هناك حتى يموتوا ، كيلا يضطروا الى شفقة الناس و إعانتهم . أما الفقراء الذين كانوا لا يستطيعوا إيجاد شيء لأكله فكانوا يغلقوا على أنفسهم الباب وينجروه من الداخل ويبقون متقابلين حتى يموتوا ، وكان هذا الطقس يسمى بالإعتفاد .

وكان هذا اللفظ معروفا ومتداولا بينهم حتى الأطفال يعرفوه . فيحكى أن عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، كان له طفلا يدعى أسد وكان لأسد تربا أي صديقا يلعب معه ، وقد أخبره تربه ذات يوم أنه في الغد لن يحضر للعب ، لأن أسرته ستكون في حالة إعتفاد ، فتكدر أسد وذهب الى أمه باكيا ، فأعطته بعض الدقيق وشحم السنام ، فأرسلها الى بيت صديقه ، أكلوها في عدة أيام ، ثم عاد صديقه ليخبره بأنه لن يحضر للعب في الغد لأنهم في حالة إعتفاد .

وعندما أخبر أسد والده عمرو بن عبد مناف ، وكان سيدا في قومه ، جمعهم فقام خطيباً في قريش وكانوا يطيعون أمره، فقال: إنكم أحدثتم حدثاً تقلون فيه وتكثر العرب، وتذلون وتعزّ العرب، وأنتم أهل حرم الله جل وعز، وأشرف ولد آدم، والناس لكم تبع، ويكاد هذا الإعتفاد يأتي عليكم. فقالوا: نحن لك تبع. قال: ابتدئوا بهذا الرجل - يعني أبا ترب أسد - فأغنوه عن الإعتفاد، ففعلوا. ثم انه نحر البدن، وذبح الكباش والمعز، ثم هشم الثريد، وأطعم الناس، فسميّ هاشماً. وفيه قال الشاعر: عمرو الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف
تم جمع كل بني أب على رحلتين: في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام للتجارة، فما ربح الغني قسّمه بينه وبين الفقير، حتى صار فقيرهم كغنيهم، فجاء الإسلام وهم على هذا، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالاً ولا أعز من قريش، وهو قول شاعرهم: والخالطون فقيرهم بغنيهّـم... حتى يصير فقيرهم كالكافي
فلم يزالوا كذلك حتى بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، فقال: "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع" بصنيع هاشم "وآمنهم من خوف" أن تكثر العرب ويقلوا.
وورد أنّ "حكيم بن حزام" كان يقاسم ربحه من تجارته الفقراء وأهل الحاجة والمحاويج. وذكر أن قريشأَ كانت تتراحم فيما بينها وتتواصل. وأن تفسير " لإيلاف قريش"، هو " لتراحم قريش وتواصلهم". فالإيلاف التراحم والتواصل. وذكر أن قريشاً كانوا "يتفحصون عن حال الفقراء ويسدّون خلة المحاويج". ويظهر أن هذا إنما حدث بفعل "هاشم" وبتنظيمه وجمعه وبدعوته تلك. فصار أصحاب القلوب الرقيقة يخرجون منذ يومئذ من دخلهم نصيباً يجمعونه ويوحدونه، لينفقوا منه على من به حاجة من أهل مكة ومن الغرباء.
والإيلاف هو التطبيق العملي لدعوة "هاشم" إلى إنصاف الفقراء والمساكين والمحاويج. فبعقد "الإيلاف" وإجماع قريش على تلبية دعوة هاشم بإخراج نصيب من أموالهم يخصص لمساعدة المحتاج، تمكن "هاشم" من تطبيق دعوته تطبيقاً عملياً، ومن مساعدة المحتاجين. حتى صار عمله سنة لمن جاء بعده. فحسن حال المحتاجين، ونعش فقراء مكة. يؤيد ذلك ما نجده من قول "ابن حبيب": "أصحاب الإيلاف من قريش الذين رفع الله بهم قريشاً ونعش فقراءها".

والرفادة والسقاية، هما من ثمرات دعوة "هاشم"، فالرفادة، هي إقراء ضيوف مكة وإطعام المحتاجين من أهلها. والسقاية إسقاءهم الماء، واللبن.

ان من يتفحص ذلك الشيء يرى مدى الشرف الرفيع الذي كان عليه أجدادنا ، وكيف أن أبا رغال كان ولا يزال رمزا للخيانة ، وكيف ان التعفف كان يمنعهم من اللجوء الى العار حتى يعيشوا ، في حين نجد اليوم ألوانا من قليلي الشرف الذين أرشدوا المحتل وتفوقوا على أبي رغال آلاف المرات ، و آخرون بحجة اللقمة ينخرطون في خدمة الأجنبي !! فشتان بين شرفاء الأمة قبل الإسلام وخونتها وإن كان منهم من يفتي بالخيانة باسم الاسلام و الاسلام منهم براء .
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس