الموضوع: جسد بلا روح
عرض مشاركة مفردة
  #67  
قديم 22-03-2004, 07:57 AM
أطياف الأمل أطياف الأمل غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2000
الإقامة: على نفحات الأمل
المشاركات: 3,246
إفتراضي

كان يريد أن يطير.. يسابق الريح.. ليصل إلى المنزل.. لا يعلم ماذا هناك ولكن بالطبع لم يكن شيئا مطمئنا.. ماذا حدث؟ سأل فيصل نفسه: عندما خرجت من المنزل لم يكن بها شيء..فما الذي بدل حالها؟ استرها يارب..
وصل فيصل بسرعة جنونية إلى المنزل... أدار المفتاح في الباب وفي يده رعشة شديدة.. فتح الباب ودخل..
أخذ يبحث عن أمي..
قال بصوت مرتفع مناديا: أمي.. أمي..
وصل صوته المنادي لأذني أمي.. مسحت أمي دموعها.. وعدلت من وضعها فاكتست حلة الصلابة والقوة من جديد..
بعد أن فشلت جميع محاولات فيصل في البحث عن أمي.. لجأ إلى مكتب والدي.. فوجدها هناك.. ابتسم لها واقترب منها مقبلا يدها كعادته إلا أنها نهته باشارة من يدها أي لا تقترب..
بهتت ابتسامة فيصل فقال لأمي متداركا الموضوع: بحثت عنك ولم أجدك.. وأخيرا وجدتك هنا.. ألم تكوني تسمعي ندائي؟
- لا لم أسمعه.. ومن ثم أنا هنا.. وها أنت أمامي الآن..
- أماه.. مابك؟ منظرك ليس طبيعيا أبدا.. مابك أرجوك أخبريني..
- اجلس يا فيصل..
جلس وعبناه لازالت تحمل ألف سؤالا لأمي..
طال صمت أمي وبالطبع لم يجرؤ فيصل على سؤالها.. حتى قالت بعد حين: فيصل..
رفع عيناه وقال لأمي: بأمرك يا أمي..
- سأسألك سؤال فأجبني عليه بكل صراحة.. واعلم أني لا أقبل الكذب أبدا.. أفهمت؟
تعالت ضربات قلب فيصل وتلعثم لسانه فلم يقوى الإجابة فاكتفى بأن أومأ برأسه علامه الموافقة..
بحده تكتسي برود الثلج قالت: فيصل.. لم تزوجت جولي؟
فتح فيصل عيناه ذاهلا فردد ما قالت أمي:لم تزوجت جولي؟
- أجل.. هل السؤال صعب جدا؟
- لا لم أقصد.. ولكني لم أتوقعه..
- توقعته أم لا.. لا تهمني..ما يهمني إجابتك..هيا انطق..
حار فيصل ماذا يقول لها؟ ليس لديه ما يخبأه.. فلماذا تسأله هذا السؤال؟
قال: لا أعلم تزوجتها..
- وكيف لا تعلم؟؟ لا يتزوج المرء إلا لسبب..!!
- لا أدري يا أمي.. ولكني تزوجتها..
- لا تكذب يا فيصل! ولا تثل لي لجمالها أو لأخلاقها.. لأن جولي تفتقر الإثنان والأخيرة أكثر.. فلماذا تزوجتها؟؟
- أماه ما بك؟؟ لا أدري كيف أجيبك أو بم أجيبك!
نهضت أمي من الكرسي واتجهت إلى فيصل.. أمسكته من ثوبه وشدته فقالت بحزم: أجبني بالحقيقة.. ولا أقل بغيرها..
نظر فيصل إلى يد أمي القابضه على تلابيب ثوبه وعلى وجهها المتجهم المخيف.. دفعته أمي بيدها دفعة كادت أن تسقطه.. سوا ثيابه ثم قال: أمي عندما عدت من الخارج متزوجا جولي..أخبرتكم أنت وأبي لم تزوجتها.. أحسست أن بيننا توافق.. كلانا يفهم الآخر.. وجدت فيها ما أريد من النساء.. أحببتها.. ولذلك تزوجتها..
أغمضت عينها بألم ثم قالت: وروز الصغيرة؟
- مابها ابنتي؟
- أمتأكد أنها ابنتك؟
- أمي!! بالطبع متأكد!! مابك؟
استجمعت أمي نفسها وسألت فيصل سؤالا كان أشبه بالضربة القاضية:
- هل تزوجت جولي لأجل روز الصغيرة؟؟؟
فغر فاهه وقال: أمي ماذا تقولين؟
- أقول لك هل تزوجت جولي لأجل روز الصغيرة؟ هل تزوجتها لأنها كانت حاملا؟
- لا..لا يا أمي.. بالطبع لا.. مابك؟؟ أتشكين بي؟؟ لا يا أمي لم يحدث..
- إذا لماذا تزوجتها؟
- يا أمي أقسم لك أني تزوجتها لما قلت لك من قبل..
- أنت تكذب.. أتحسبني لا أراكم وأنتم معا؟؟ أنت لا تطيقها.. لا تطيق اسمها.. ولولا هذه المولود الصغيرة لما نظرت لوجهها.. أتحسبني صماء لا أسمع صراخكم وخلافاتكم بشكل دوري؟؟ هل تحسبني غبيه فلا أرى نظراتك لروز؟ كيف تود أن تموت كل لحظة وأنت تراها.. تود قربها ولكن لا يمكنك ذلك؟؟
أخفض فيصل بصره وقد امتلأت عيناه بالدموع.. اقتربت منه أمي.. وضعت يداها على كتفه.. وقالت بصوتها الحاني الطبيعي: بني.. أخبرني.. أرح قلبي..
تنهد فيصل بعمق ثم أجاب: أنا السبب يا أمي.. أنا الغبي..
سكت فيصل فنظرت إليه أمي.. وكأنه فهم مرادها فأكمل:
- أماه.. أنا من أضعت روز من يدي.. كنت أحسب أني لو تزوجت روز.. لكنت انقدت وراء رغبات أبي.. رغم كوني أنا من طلب الزواج من روز.. لم يفاتحني أبي بهذا الموضوع أبدا.. ولكني أحببت أن أتمرد.. أن أشعر أبي.. وأنتي ويوسف وأحمد والجميع وحتى نفسي.. أني رجل.. أستطيع أن أتخذ قراري بنفسي.. وفي لحظه.. دون أن أشاور أحد حتى.. أجل تزوجت جولي لني اعتقد أنها حاملا.. رغم كوني متأكدا من عدم ذلك.. وبعد زواجنا علمت أنها ليست حاملا.. فقررت تركها.. إلا أني قلت دعني أكمل معها حتى تنتهي دراسي وأعود.. وقبل أن أعود.. اكتشفت أنها حاملا.. ولكن هذه المرة حقيقه.. وقتها لم أجد بدا من اعادتها معي.. كزوجتي أم طفلي المنتظر.. لم أعتقد أن الموضوع قد يكون صعبا لهذه الدرجه.. لم أعتقد أني أحب روز.. وبهذه القسوة.. أماه أكاد أموت حين أراها.. فلا أستطيع أن أضمها.. بل حتى لا أستطيع أن أكلمها.. أتدرين يا أمي؟
هنا صمت فيصل هنيهة مسح دمعة طفرت من عينه.. ابتلع غصة في حلقه وقال: كلما تذكرت عيناها عندما رأتني ممسكا بيد جولي قائلا بكل فخر..أنها زوجتي.. أماه لقد تألمت.. رأيت ذلك في عينيها السوداوتين.. رأيت الدوع فيهما.. فكانت سكاكين مسلطة على قلبي.. أمي.. عندما كلمتها في الحديقه.. قالت أني خائن.. خائن.. كلما تذكرت نبراتها.. عبراتها.. كلما وددت لو أن أدفن مكاني بالحياة.. أمي أنا لا أستحق العيش.. لقد جرحت من أحب..
ضمته أمي إليه وهمست: آه يا بني.. لم فعلت ذلك؟ ما استفدت الآن؟ لا شيء.. لا شيء سوى الندم.. سوى الألم.. ولكن كل ذلك ماضي الآن.. انسى الماضي.. وعش حاضرك..
- أماه.. هي الحاضر والماضي والمستقبل..
- بني.. لا يجوز مثل هذا الكلام الآن.. اصرف حبها كله لابنتك.. روز الصغيره..
- وهذا ما أفعله أنا يا أمي.. أمي أرجوك لا تغضبي مني.. أنا أحبك يا أمي.. أنت كل ما لدي في هذه الدنيا.. أمي أنا لا أستطيع أن أعيش وأنت غاضبة مني.. أرجوك سامحيني.. ماحصل كانت غلطة دفعت ثمنها غالي جدا جدا.. أرجوك سامحيني..
- أنا أم يا فيصل.. وقلب الأم لا يمكن أن يغضب على أبناءه.. مافعلته رغم عظمته إلا أنه ماض.. تب إلى ربك واستغفره.. هو أولى بأن تطلب رضاءه وغفرانه.. لست أنا.. أنا إن غضبت اليوم ولم أستطع النسيان..سينسيني الزمن.. هيا يا بني..عد لعملك.. لقد تأخرت كثيرا..
- لا يا أمي.. لا أقدر.. أود لو أجلس لوحدي مع ابنتي قليلا..
- حسنا يا بني.. هيا اذهب من هنا الآن ودعني أنا أيضا وحدي..
- بأمرك أمي..
نهض فيصل واستدار خارجا.. إلا أنه التفت إلى أمي وقال: أماه..
- أجل..
- ألست غاضبة مني؟
ابتسمت أمي وقالت لفيصل: لست غاضبة.. هيا اذهب الآن..
ابتسم فيصل وخرج وأغلق الباب خلفه..
أطلقت أمي زفرة ألم من صدرها الملكوم.. نهضت من مكانها.. اتجهت إلى مكتب أبي..جلست عليه.. ضمت صورة أبي إليها بقوة.. وبكت..


يتبع...
__________________


أحـــــــ هو حيــــــــــاتــــــي ــــمـــــــــــــد


الرد مع إقتباس