عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 06-07-2005, 09:16 AM
rajaab rajaab غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
المشاركات: 112
إفتراضي

[size=5]
وأمّا الجهاد فإنه من الكذب على الإسلام أن يقال إنه حرب دفاعية، وهو فوق كونه يخالف واقع ما كان عليه الجهاد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حتى آخر الدولة الإسلامية من أن المسلمين كانوا هم يبدأون الكفار بالقتال ويتخذونه طريقة لنشر الإسلام، فإنه كذب على القرآن في صريح آياته، قال الله تعالى في كتابه العزيز: (قاتِلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخِر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يَدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قاتِلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غِلظة)، وقال: (يا أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال). فالجهاد هو قتال الكفار قتالاً مادياً من أجل إقامة حكم الإسلام، وسببه كون الذين نقاتلهم كفاراً رفضوا الإسلام بعد عرضه عليهم عرضاً يلفت النظر. أي أن توجَد الحالة التي يُعرض فيها الإسلام عرضاً يلفت النظر ثم يحصل الجهاد. وهذا هو ما يمليه أي مبدأ تعتقده أية أمّة، فإنها تهيئ القوة المادية وتكون لديها الروح العسكرية القوية إلى جانب القوة المادية، وبناء على هذه القوة تبدأ المعارك السياسية والمناورات الدبلوماسية، فتوجَد الحالة التي تُبلَّغ بواسطتها الدعوة وترتفع شخصية الدولة السياسية، فإذا حصل الاحتكاك المادي كان القتال الذي لا مفر منه. وما الحرب الباردة في العالم اليوم إلاّ الحالة التي يحاول كل من المعسكرين إيجادها لنشر مبدئه، وما القوات العسكرية الجاهزة إلاّ استعداداً للقتال الذي لا بد أن يأتي. وكذلك كانت الحال قبل الحرب العالمية الثانية بين النازية وما يسمى بالعالم الحر، وقبله كان بين الإسلام والرأسمالية، وهكذا. فواقع الحياة أنها أفكار تتباين فتتجسد في دول وتُستعمل القوة المادية لنشرها والدفاع عنها بأساليب سياسية وثقافية واقتصادية وعسكرية. وهذا هو واقع الجهاد، قتال بالقوة المادية من أجل الفكر بعد استنفاد الأساليب السياسية والثقافية. إلاّ أن العسكرية الإسلامية أو روح الجهاد ليست كالعسكرية الالمانية قوة عسكرية لجعل الشعب فوق جميع الشعوب، بل هي القوة العسكرية التي تزيل الحواجز المادية من أمام الدعوة الإسلامية لجعل الشعوب تعتنق الإسلام وتكون مع سائر المسلمين أمّة واحدة لا فضل لعربي على عجمي إلاّ بالتقوى.

أمّا القضاء والقدر، فإنه بمفهوم هاتين الكلمتين معاً إنّما هو الأعمال التي تقع في الدائرة التي تسيطر على الإنسان أي تقع جبراً عنه والخواص التي في الأشياء. وبمفهوم كلمة القدر وحدها هو علم الله. وهذا لا دخل له في أفعال الإنسان الاختيارية التي يحاسَب عليها من الله كما يحاسَب عليها في الدنيا من الدولة أو الأبوين أو المربّي، فأي استسلام في هذا؟ وأين كان الاستسلام حين فتح المسلمون بهذا المفهوم الدنيا ودوّخوا الأمم؟ ثم إن النظرة للفعل قبل وقوعه نظرة تفحص ودراسة وتقدير لمغبة الإقدام عليه ولنتائجه مما يترتب عليه اللوم والمحاسبة، والنظرة إلى الفعل بعد وقوعه باختياره أو جبراً عنه بأنه قد وقع وانتهى فلا بد من التسليم بأنه وقع، لا بما وقع، حتى يعالج ما وقع. أي أن الأمر الذي وقع قدراً حسب علم الله يجب أن يسلَّم بأنه وقع وانتهى فلا يوقَف عند حد التأثر والانزعاج، ولكن لا يسلّم بوقوعه وبتركه من غير علاج، بل لا بد من عدم التسليم بالوضع الذي صار بعد الوقوع، وذلك لأجل معالجته بعد وقوعه.

هاتان النظرتان لا بد منهما معاً حتى تظل الحياة سائرة بحيوية وبقوة وبصورة عملية واقعية حسب القِيَم الرفيعة. فكون الأعمال الاختيارية يحاسَب عليها، وكون الأعمال غير الاختيارية لا يلام عليها لأنه ليس في مقدوره دفعها، وكون كل فعل وقع فإنه لم يقع إلاّ وكان وقوعه وفق علم الله، كل ذلك يضمن وجود هاتين النظرتين، أو بعبارة أخرى يجعل الإنسان يسير في أفعاله ليس على الخيال والفروض النظرية، وليس حسب ما تمليه الشهوات، وليس مربوطاً بسلاسل الأسى والحزن على ما فات، وإنّما ينطلق بقوة بشكل واقعي عملي حسب القِيَم الرفيعة التي تتطلبها حياة الإنسان. ولهذا فإن القول بالقدر وحده، وبالقضاء والقدر معاً، يثير الإنسان وينشطه ويحُول بينه وبين اليأس والأسى، كما يحُول بينه وبين الكسل والخمول. والمسألة كلها ليست في شأن العمل الاختياري قبل القيام به، وإنّما هي في العمل بعد القيام به، وفي العمل الذي يقع جبراً عن الإنسان، لأنهما قد وقعا وانتهى الأمر فيجب أن لا يأخذ الأسى من النفس مأخذاً عظيماً يمضها به الألم ويحوّلها عن مقصدها الأسمى في الحياة ومن خوض معارك الحياة. فأين هذا مما عند الرأسماليين من الألم الممض والأسى المفجع الذي يصيب المخفِقين والذي يجعل كلمة الحظ تلعب دوراً كبيراً في الحياة؟

ومن هنا كان الإيمان بالقدر والإيمان بالقضاء والقدر نعمة من النعم الكبرى للنفس وحافزاً من أعظم الحوافز على خوض معترك الحياة بشجاعة ونبل، لأنه يعني أن الإنسان في الدائرة التي يسيطر عليها مسؤول عن جميع أعماله الاختيارية فيجب أن يضطلع بها ويتحمل مسؤوليتها، فإذا وقع الخطأ أو الضلال فإنه يتحمل ما يترتب عليه، ولكن عليه أن يدرك أن ما وقع إن كان خطأ أو صواباً إنّما وقع على علم من الله وإحاطة به، فهو قد كان لا بد أن يقع، فلا يجوز له أن يقف عنده مشغولاً به، بل ينتقل إلى غيره، أي يظل يسير سيراً متواصلاً يدأب في هذه الحياة.

وأمّا الدائرة التي تسيطر عليه وتقع فيها الأعمال جبراً عنه فإنه غير مسؤول عنها فلا يتحمل ما يترتب عليها، وفوق ذلك فإنها وقعت على علم من الله وإحاطة منه بها، فهو قد كان ولا بد أن يقع، فلا يجوز له أن يقف عنده منشغلاً به، بل ينتقل إلى غيره. وهذا كله من أروع ما يتحلى به إنسان في هذه الحياة.

هذه هي حقيقة بعض الأفكار الإسلامية التي هاجمها الكفار الرأسماليون، وهذه هي حقيقة الأفكار الرأسمالية التي هوجمت بها الأفكار الإسلامية، ومنها يتبين أن الأفكار التي هوجمت هي الحق، والأفكار التي هاجمت هي الباطل. وضعْف حَمَلة الفكر الحق في إدراكه لا يعني أنه ليس بحق لأن صاحبه لم يستطع شرحه، أو قَبِل أن يكون متهَماً. كما أن قوة بيان حَمَلة الفكر الباطل لا يعني أنه ليس بباطل لأن صاحبه استطاع أن يصوره بصورة الحق، بل الفكر الحق هو ما طابق الواقع الذي يدل عليه، أو الفطرة التي فُطر عليها الإنسان. أي الحق ما طابق الحقيقة، والباطل ما لم يكن كذلك. فالعبرة بحقيقة الفكر وواقعه لا بحامله ولا بالقدرة على بيانه أو عدم القدرة على ذلك.

فمثلاً الشيوعيون يقولون إن العقل هو انعكاس المادة على الدماغ، وهذا يعني أن إدراك الأمور هو انطباع الواقع على الدماغ فيحصل من ذلك الإدراك. فهذا الفكر إن كان حقاً فإنه ينطبق على الواقع، وإن كان باطلاً يتبين عدم انطباقه، فإذا هوجم من أي إنسان ونُقِد، فإنه لا يُنظر في كونه حقاً أو باطلاً إلى فصاحة المهاجِم وبلاغته في البيان، ولا إلى عيّه وضعفه في البيان، بل يُنظر إلى حقيقة الفكر الذي يهاجِم به. وقد هاجمه حزب التحرير فقال إن هذا التعريف للفكر خطأ من وجهين: الأول أنه لا يحصل انعكاس بين المادة والدماغ مطلقاً لأن الانعكاس في الضوء مثلاً هو أن يرتد الضوء عن المادة فينعكس عليها كانعكاس نور المصباح على الحائط، وهكذا. والمادة لا يحصل منها شيء من ذلك، فلا يوجد انعكاس لا من المادة على الدماغ ولا من الدماغ على المادة، وإنّما الذي يوجَد هو إحساس بالمادة بإحدى الحواس. فالمسألة مسألة حس لا مسألة انعكاس، وهذا ظاهر في اللمس والشم والذوق والسمع، أمّا الإبصار بالعين الذي هو موضع الشبهة فإن الذي يحصل فيه هو انكسار وليس انعكاساً، فإن الضوء ينكسر في العين وتستقر صورة المادة على الشبكة ولا ترتد إلى الخارج، وهو عملية حس لا عملية انعكاس. فهذا يدل على أن ما يقوله الشيوعيون في تعريف العقل خطأ. ولذلك يُهزم فكر الشيوعيين هذا أمام هذا الهجوم الحق.

أمّا الوجه الثاني فإن مجرد الإحساس بالمادة لا يُحدث إدراكاً وإنّما يُحدث حساً فقط مهما تعدد نوع الإحساس، ولأجل أن يحصل الفكر

لا بد من معلومات سابقة تفسر هذا الواقع، أي هذه المادة، ودون وجود معلومات سابقة لا يمكن أن يحصل إدراك وإنّما يحدث حس ليس غير. أمّا كون الشخص يحصل له من الحس أن يعيّن موقفه تجاه الواقع الذي أحسّه فإن هذا لا يدل على أنه أدركه، لأنه لا يستطيع أن يعيّن موقفه تجاهه إلاّ فيما يتعلق بالغرائز والحاجات العضوية، أو فيما يتعلق بتغير شكل الواقع. أمّا ما عداها من حيث معرفة حقيقته فلا يمكن أن يعيّن موقفه مطلقاً. فالإنسان يستطيع من تجربته للشيء في تعدد إحساسه به أو تنوع الإحساس أن يعرف أنه يؤكل أو لا يؤكل، يؤلم أو يَسُر، ويعرف تغير شكله. وهذا كله يحصل للحيوان كما يحصل للإنسان، وكله لا يسمى إدراكاً –أي فكراً- بل هو حس ليس غير، ولذلك إذا لم يكن هذا الشيء متعلقاً بالغرائز، كحجر مثلاً، فإنه مهما تعدد الإحساس لا يدرك كنهه، وإنّما يدرك تغير أشكاله، فإذا أُعطي معلومات مع الإحساس فإنه يحصل حينئذ الإدراك أي الفكر. وأبسط دليل على ذلك المخترَعات، فإنها تحصل من تجارب مضافاً إليها معلومات سابقة. فإذا لم تكن هناك معلومات لا يمكن أن يحصل الاختراع. ولا يعني وجود المعلومات، المعلومات عن الواقع، بل معلومات أي معلومات يستطيع بواسطتها أن يفسر الواقع. وعليه فإن تعريف الشيوعيين من هذه الجهة أيضاً خطأ. وبذلك يُهزم هذا الفكر، ويتبين أنه باطل لمخالفته للواقع.

ولهذا جاء حزب التحرير بعد أن بين بطلان الفكر الشيوعي عرّف العقل بأنه نقل الواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ ومعلومات سابقة تفسِّر هذا الواقع. أي لا بد من دماغ وحس وواقع ومعلومات سابقة حتى يحصل الإدراك أي الفكر، أي حتى يوجَد عقل. وبهذا يكون الفكر قد هوجم وهُزم لأن حقيقته ظهرت أنها غير مطابقة للواقع، وتبين أن الفكر الذي هوجم به حق لأنه مطابق للواقع، فيكون فكر حزب التحرير في هذه المسألة قد هزم الفكر الشيوعي.

ومثلاً النظام الرأسمالي يعرّف المجتمع بأنه مكوّن من أفراد، أي أن فرداً وفرداً وفرداً.. الخ، يكوّنون مجتمعاً، فالمجتمع عندهم هو مجموعة أفراد مع بعضهم. فهذا الفكر إن كان حقاً فإنه ينطبق على الواقع، وإن كان باطلاً يتبين عدم انطباقه على الواقع، فإذا نُقد وهوجم فإنّما يُنقَد على هذا الأساس. وقد هاجمه حزب التحرير فقال إن هذا التعريف خطأ لأن فرداً وفرداً وفرداً يكوّنون جماعة فقط ولا يكوّنون مجتمعاً. فإذا نشأت بينهم علاقات دائمية صاروا مجتمعاً، وإذا لم توجد بينهم علاقات دائمية لا يشكلون مجتمعاً، بدليل أن ركاب أكبر باخرة ولو كان عددهم بالآلاف لا يشكلون مجتمعاً، إذ ما هم إلاّ رفاق طريق يذهب كل منهم إلى الميناء التي يقصدها. ولكن سكان قرية من مئتي نسمة مثلاً يشكلون مجتمعاً لأن بينهم علاقات دائمية. وعليه فتعريف الرأسماليين خطأ محض، لأن مجموعة الأفراد إذا لم تنشأ بينهم علاقات دائمية لا يمكن أن يكونوا مجتمعاً ولا بوجه من الوجوه. وبهذا يُهزم الفكر الرأسمالي في تعريف المجتمع ويتبين أنه باطل لمخالفته للواقع.