الموضوع: جسد بلا روح
عرض مشاركة مفردة
  #65  
قديم 22-03-2004, 07:54 AM
أطياف الأمل أطياف الأمل غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2000
الإقامة: على نفحات الأمل
المشاركات: 3,246
إفتراضي

غلطة يا خالتي!


كومة كبيرة من الضباب..كانت تحيطني..لم أستطع ان أرى شيئا.. ولا أي شيء.. لم أستطع أن أميز حتى أصابع يدي.. ولكن بدأ هذا الضباب يتلاشى.. ويخف تدريجيا.. فرأيت فيصل.. رأيته مقبلا نحوي.. يحاول أن يمسك بيدي.. ولكني هربت منه بسرعة..حتى وصلت إلى باب كبير ضخم.. دفعته بخفة ففتح بسرعة.. دخلت بخطوات خائفة.. ولكني وجدت خلف هذا الباب عالما آخر.. عالم أخضر جميل ممتع..حديقة غناء تضج بالأشجار والورود العذبه.. شجرة كبيرة خضراء كانت تتوسط تلك الحديقة.. نظرت إليها.. فوجدت شخصا ما جالسا أسفلها.. دققت النظر..أجل ..إنه هو.. إنه عبدالعزيز.. مشيت نحوه بخطى حثيثه.. وناديته..عبدالعزيز.. أنا روز..
نظر إلي متسائلا..فقلت أجيب تساؤلات عينيه:أنا روز..حبيبتك..
ابتسم لي بعذوبه وضمني إليه.. أحسست وكأنك ملكت الدنيا لحظتها..
ولكن بعد ثوان.. جاء أشخاص مربع مرتدين السواد..لم أميز أشكالهم.. أمسكوا بعبدالعزيز.. وسحبوه بقوه.. شددت قبضتي على يده وكذلك هو.. ولكنهم كانوا أقوى مني ومنه.. فافلتت يدي يده.. وصحت وقد ملأت الدموع عيوني:عبد العزيز.. لا ترحل.. أرجوك..
رد بصوت قد شارف على المغيب والاختفاء:لا أستطيع.. لا أقدر..
ولم يعلق في أذني سوى هاتين الكلمتين.. لا أستطيع.. لاأقدر..
صوت قوي أزعجني.. فلقد ظل يصيح ويصيح ولم يسكت لحظة.. رجوته أن يصمت وأنا مغمضة العينين.. أرجوك.. أصمت.. دعني أكمل نومي.. لا تقطع علي حلمي.. أرجوك.. دعني أطلب من عبد العزيز أن يظل معي.. أرجوك لا تدعه يرحل.. ولكنه كان عنيدا..فاستمر بالصياح..ولكأنه أراد رحيله.. عرفت مصدر الصوت المزعج.. فمددت يدي تجاه الطاولة قرب سريري وضربت المنبه بضربة أسكتته.. قلت ولازلت مغمضة العينين: تستحق..لو أنك صمت..لما تعرضت للضرب..
تمددت في فراشي بتثاقل ثم فتحت عيني.. نظرت إلى الساعه ثم صحوت من فراشي..
- أصبحنا وأصبح الملك لله.. والحمدلله.. ولا إله إلا الله وحده لا شريك له.. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير..

ذهبت اغتسلت.. ثم هممت بالنزول.. إلا أني تذكرت أن فيصل كان نائما عندنا.. فلبست عبائي وحجابي.. ونزلت للأسفل..
وبينما كنت أخطي خطواتي للأسفل.. سمعت فيصل وسعود يتحدثان.. يبدو أنهما كانا يتحدثان بشيء مهم.. لن أنزل قبل أن يتموا حديثم..
سمعت فيصل يقول:
- سأبذل كل ما في وسعي لأجل ابنتي.. وبإذن الله أستطيع..
- بإذن الله يا ابن عمي.. بإذن الله..
- عن إذنك يا سعود.. سأذهب للمستشفى.. فلقد تأخرت على ابنتي..
- إذنك معك..ولكن يا فيصل.. الا تريد أن تأكل شيء؟فأنت لم تأكل شيء منذ الامس..
- لا شكرا يا سعود.. فأنا لا أود أن أتأخر أكثر.. سآخذ لي كوب من القهوة فيما بعد..
- حسنا..كما تشاء..
- إلى اللقاء يا سعود..
- إلى اللقاء..
ترى!! عن ماذا يتحدثان؟ وما بها الصغيرة؟لا أستطيع أن أسأل سعود.. لأنه بالطبع لن يجيبني..وخصوصا في موضوع يخص فيصل.. وسيتهمني باستراق السمع.. سأسكت ولن أتكلم حتى يخبرني هو بنفسه.. أجل!
عندما سمعت خطوات فيصل مبتعده..علمت أنه غادر.. فاتجهت للأسفل.. فوجدت سعود جالسا على الكرسي يشرب قهوته ويفتح صحيفته هاما بقرائتها.. ابتسمت له وقلت: صباح الخير يا سعود..
رد بابتسامه: صباح الورود يا روز.. كيف أصبحت؟
- الحمدلله بخير..
- هل أنت هنا منذ زمن؟
- لا للتو.. لماذا؟
- كان فيصل هنا فحسبتك كنت هنا قبل أن يغادر
قلت في نفسي: يبدو أن بالموضوع سر..فكأنما سعود لا يردني أن أعرف ما كانا يتكلمان عنه.. عجبا..
رددت عليه:
- لا لم أره.. أرحل؟
- أجل..ذهب ليرى ابنته وزوجته..
- حسنا.. ألن تذهب للعمل اليوم؟
- بلى.. ثوان وسأذهب.. أتريدين شيء؟
- لا سلامتك.. سأذهب لبيت خالتي..
- حسنا.. أراك فيما بعد يا صغيرتي.. وانقلي سلامي وتحياتي لخالتي هدى..
- بأمرك يا سيد..
- أشكرك..
نظر لساعته..فنهض مسرعا ممسكا قهوته وحقيبته.. رشف من قهوته قليلا ثم وضعها على الطاولة وقال: الى اللقاء يا روز فلقد تأخرت كثيرا..
- حسنا رافقتك السلامة.. انتبه وأنت تقود.. ولا تسرع!!ولا تنسى دعاء الركوب..
- بأمرك يا أمي..
ضحك فغمز لي وخرج..
قلت:
- حفظك الله يا أخي وأعادك لي سالما..
ابتسمت انا من أعماقي فلقد أعجبتني كلمة أمي.. أمي.. ما أعذبها من كلمة.. ولكن..ترى متى سأصبح أما؟
* * * *
كعادتها الأيام.. تمر سريعا... كلمح البصر.. ترحل بسرعة.. تأخذ معها أعمارنا.. ترحل دون أن نشعر بها.. دون أن نحس برحيلها.. ولكن لابد أن يحين وقتا.. نتأمل فيه أنفسنا.. نظر إلى أعيننا.. إلى وجوهنا.. إلينا.. فنرى التغيير واضحا.. وقتها فقط.. نعي حقيقة مرور الأيام ورحيلها.. ولكن هل ستعود؟ بالطبع لا..

مر شهر وبضعة أسابيع منذ أن خرجت جولي وابنتها من المستشفى.. ومن يومها لم يفارقهم فيصل لحظة واحدة.. أجل يذهب إلى العمل.. ولكن حتى وفي عمله.. لا يشغل فكره سوى زوجته وابنته.. أو بالأحرى ابنته فقط.. وذلك ما كان يقتل جولي وينحرها من الوريد إلى الوريد.. اهتمام فيصل الزائد.. بطفلته الصغيرة.. لم يكن ينام قبل أن يقبلها.. وكثيرا ما كان ينام بقرب سريرها.. أو يحضرها لتنام بحضنه.. أحيانا لما تبكي في الليل..كان هو يصحو ليهدئها ويسكتها.. جولي كانت صامته لم تعلق على تصرفاته.. ولكن.. إلى متى يطول السكوت؟؟ وأيان يحين الإنفجار؟

كان فيصل جالسا في مكتبه في العمل.. أمامه أوراق وملفات.. وكأس قهوه.. وإناء به زهرتا (روز).. كان قد وصل للتو للعمل.. ما إن جلس على كرسيه.. نظر إلى الورود.. وكأنه تذكر شيء مهم.. رفع سماعة الهاتف واتصل بغرفته..
جولي كانت نائمه.. سمعت صوت الهاتف.. فتحت عينيها.. نظرت إلى ساعة يدها.. زفرت بغضب ثم مدت يدها التقطت سماعة الهاتف وردت بصوت نعس نائم غاضب نوعا ما فمن هو ذا الذي يجرؤ و يقطع عليها نومها ويقلق راحتها..قالت: ألو..
وبمرح قال فيصل: أهلا حبيبتي..
نهضت من السرير بسرعة وقالت: فيصل؟ مابك؟ هل أنت بخير؟
- أجل أجل أنا بخير..
- إذا لماذا تتصل الآن وفي هذه الساعة؟
- أفتقدتك.. وأحببت أن أسمع صوتك..
- فيصل.. عندما كنا للتو متزوجين لم تفعلها.. أتفعلها الآن؟ أخبرني مابك؟
- أجل يا جولي.. وما الذي يمنع؟؟ ألست زوجتي حبيبتي أم ابنتي؟
ابتسمت جولي وقالت بعذوبه: بلى.. وأنت حبيبي وروحي..
- إذا ما الذي يمنع من أن أشتاق لك وأحبك بل وأصرخ بأعلى صوتي أحبك يا زوجتي..
ضحكت جولي بعمق وقالت: حبيبي.. بوجه من أصبحت اليوم؟ أنت سعيد جدا..وهذه ليست عوائدك..
- بوجهك أنت ومن لدي غيرك؟؟ ألست أول من تراه عيني ما أن أفتحها من بعد اغلاق طويل؟؟ ومن اليوم هذه عوائدي..ولست أعرف غير البسمة والفرحة..
احمرت وجنتاها فقالت: حبيبي كفى.. أنت تخجلني.. لا حرمني الله منك وأدام حبك لي دوما..
- إن شاء الله..
سكت ثم أردف:جولي..
- نعم يا حبيبي..
- كيف حال ابنتي؟؟ أهي نائمه؟؟ هل أطعمتها؟ أم نسيتي؟
بغضب أردفت: بخير.. والآن عرفت سبب اتصالك.. هيا إلى اللقاء دعني أعود لنومي..
- لحظة جولي.. مابك؟ لم غضبت؟ لم أقصد شيء سوى أني سألت عن ابنتي!!
- أجل وسؤالك استغرق عشرون دقيقة منذ السؤال الذي سبقه!! ألم تكن معها قبل قليل؟؟
- جولي!! انها ابنتي الوحيدة.. ليس لدي سواها.. ألا تريديني أن أحبها وأتعلق بها؟
- كما تريد.. على العموم سترى ابنتك ما أن تعود.. فلو سمحت دعني أعود للنوم الآن..
- كما تريدين يا حبيبتي..وأنا آسف.. قبّلي لي الصغيرة..
بحنق قالت: حسنا.. كما تريد
- الى اللقاء..
- الى اللقاء..
أغلقت جولي سماعة الهاتف بقوة وقالت: اشتقت لك.. أيحسبني غبية أم مغفلة لأصدق أنه اتصل لأجلي؟؟ أعلم أنه اتصل لأجل ابنته..
وبسبب صوت اغلاق جولي للسماعة بقوة.. صحت الطفلة..وبدأت تبكي..
وصل صوت بكاءها العذب لأذني والدتها فتأففت وقالت: أهذا وقتك أيتها المزعجة؟
احكمت غطائها وقالت: ابكي كما تريدين.. لست جائعة ولا شيء. إن حان موعد إرضاعك سأقوم لك.. نامي الآن..
وبالفعل.. نامت جولي.. وظلت الصغيرة تبكي..
ولحسن الحظ.. كانت أمي لحظتها تمر بقرب غرفة فيصل قاصدة غرفتي.. سمعت صوت بكاء الطفلة.. بكاء أخذ يتعالى شيئا فشيئا.. خافت أمي.. اقتربت من الباب لتتأكد من مصدر الصوت..
- أجل إنها روز الصغيرة..
قالت أمي..
ركزت سمعها علها تسمع صوت جولي.. ولكنها لم تسمعه.. والطفلة لازالت تبكي.. ارتعبت أمي من بكاء الطفلة ومن هدوء جولي.. طرقت أمي الباب بقوة.. وبعد طرقات متواصلة ومكثفة من أمي.. فتحت جولي الباب وهي تفرك عيناها وتتثاءب..
بادرتها أمي بقولها: جولي.. ما بالها ابنتك؟؟
التفت خلفها حيث سرير روز الصغيرة ثم عادت والتفت لأمي قائلة: ابنتي؟؟
وكأنها للتو أدركت الكيان ككل.. هي جولي.. وتلك تدعى روز..وهي ابنتها!!يا سبحان الله!!
أجابت:آه أجل ابنتي مابها؟
ردت أمي بغضب: ابنتك ما بها تبكي؟
بلا مبالاة أردفت: لا أعلم.. كنت نائمة ولم أرها.. على العموم هي ليست جائعة.. كل الموضوع أنها تريدني أن أحملها.. وأنا لا أريد أن أعودها على الحمل باليد..
هاهي أمامك...ادخلي يا خالتي وانظر إليها.. لا شيء بها وكأنها من الجن..
تركت أمي وعادت واستلقت في فراشها..
صاحت بها أمي: ألا تحملين قلبا أنت؟؟ ومن ثم لا تقولي عن ابنتك مثل هذا الكلام.. ما بالك أنت؟
- خالتي يا خالتي.. لا تغضبين.. لا شيء يستحق الغضب.. سأنام قليلا ثم سأرى ما بها..
- ويحك يا جولي..
أسرعت أمي إلى الصغيرة.. حملتها بين ذراعيها.. ضمتها إليها وأخذت تهزها بخفة.. دقائق هي وسكتت الصغيرة وعادت للنوم..
عندما أدركت جولي أن الصغيرة صمتت قالت لأمي: أخبريني خالتي.. لم كانت الصغيرة تبكي؟
بحدة أجابتها: كانت تحتاج تغيرا لحفاظها..
- آه حسنا.. الحمدلله أنك بدلتها لأني لا أطيق فعل ذلك..
- بالله أخبريني.. كيف أصبحت أما أنت؟
جلست جولي على سريرها وأجابت بكل وقاحه: غلطة يا خالتي.. غلطة دفعت ثمنها غالي.. والغلطة هي ذاتها التي أحضرتني لهنا..
- وماذا تقصدين بغلطة؟؟
- أقصد أني لم أكن لأتزوج فيصل لولا هذه الغلطة!!
صاحت أمي: ماذا؟ أتعنين ما تقولين؟؟
- أجل.. لماذا ألم تكوني تعرفين؟مسكينة أنت.. أحسبتي أني تزوجته لأني أحبه؟
- ويحك يا جولي..
خرجت أمي بسرعة وصفقت الباب خلفها..وفي صدرها بركان ثائر..
ابتسمت جولي بسخرية وقالت: غبية.. تصدق كل ما يقال.. الآن سأعرف كيف أتعامل معكم جميعا.. وكما أريد أنا.. أنا بدون قلب أيتها العجوز؟ سأدعك تدفعين الثمن غاليا.. ستدفعين الثمن عقلك.. أعدك..


يتبع...
__________________


أحـــــــ هو حيــــــــــاتــــــي ــــمـــــــــــــد


الرد مع إقتباس