عرض مشاركة مفردة
  #13  
قديم 17-03-2006, 01:12 AM
قناص بغداد قناص بغداد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
المشاركات: 740
إفتراضي

وله في كتاب الجنائز باب ما جاء في قاتل النفس (الفتح، 3/226 - 227) برقم (1363) عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال ومن قتل نفسه بحديدة عذِّب به في نار جهنم). ورواه أيضاً في كتاب الأيمان والنذور - باب من حلف بملة سوى ملة الإسلام (الفتح 11/537 ح 6652) بلفظ: (ومن قتل نفسه بشيء عذِّب به في نار جهنم...). وله أيضاً في كتاب الجنائز باب ما جاء في قاتل النفس برقم (1364) عن جندب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان برجل جراح فقتل نفسه فقال الله: بدرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة). وبرقم (1365) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار).

قلت: لا يجوز حمل هذه الأحاديث على من يقوم بالعمليات الإستشهادية، ذلك أن الانتحار المحرم شرعاً في الكتاب والسنة هو في من قتل نفسه بسبب ضر دنيوي أو للأسباب الآنفة الذكر، وقاتل نفسه لتلك الأسباب مرتكب للكبيرة عاص لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم بخلاف الذي يقدم نفسه رخيصة في سبيل الله وفي حب الإستشهاد، فالتسوية بينهما كالقياس مع الفارق، وأنّى يستويان، فقاتل نفسه من أجل دنيا أو بسبب ضر دنيوي، قتل نفسه في سبيل الشيطان والطاغوت لقلة إيمانه بقضاء الله وقدره، وأما الذي يقتل نفسه أو يعرضها للهلاك والتلف في سبيل الله إعزازاً لدين الله وإضعافاً لأعدائه وإحقاقاً للحق وإزهاقاً للباطل، وتقوية لشوكة المسلمين، وإضعافاً لشوكة الكافرين وقمعاً لباطلهم وسعياً إلى تقويض سلطانهم، لا يمكن بأي حال قياسه بمن ينتحر من أجل نفسه وهواه.

والمتأمل لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النفس يرى أنّ (جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم لأن نفسه ليست ملكاً له مطلقاً بل هي لله تعالى فلا يتصرف فيها إلاّ بما أذن له فيه)، حكاه ابن دقيق العيد. (انظر فتح الباري 11/539).

قلت: والقيام بالعمليات الإستشهادية من المأذون فيه شرعاً - إن شاء الله تعالى - لأنه تلف للنفس في سبيل الله وهذا مقام شريف مدح الله به المؤمنين في قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُوْنَ فِي سَبِيْلِ اللهِ فَيَقْتُلُوْنَ وَيُقْتَلُوْنَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيْلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيْمُ) [التوبة: 111].

فأمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين ببذل أنفسهم وأموالهم في ذاته سبحانه وتعالى مع أنه سبحانه هو الواهب لهم أنفسهم وأموالهم ووعدهم بذلك ما هو خير منها في الآخرة إن وهبوا أنفسهم وأموالهم رخيصةً في سبيله سبحانه وتعالى وذلك غاية التفضل والإكرام. والذي يقوم بالعمليات الإستشهادية يبذل أغلى ما يملكه في ذات الله - بعد الإيمان بالله وبرسوله - وهو نفسه. كما قال الشاعر:

يجود بالنفس إن ضنّ البخيل iiبها والجود بالنفس أغلى غاية الجود
يتبع
__________________




لله در الفضيل بن عياض حيث يقول : لا تستوحش من الحق لقلة السالكين ، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين . وأحسن منه قوله تعالى : ( ولقد صــدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً مـن المؤمنين)