عرض مشاركة مفردة
  #15  
قديم 17-03-2006, 01:14 AM
قناص بغداد قناص بغداد غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
المشاركات: 740
إفتراضي

وإلى هذا المعنى أشار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في مجموع الفتاوى (28/540) فقال: (وقد روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قصة أصحاب الأخدود، وفيها: (أنّ الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين)، ولهذا جوّز الأئمّة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار، وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه، إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين). أهـ

وقد تقاس العمليات الإستشهادية بحالة تترس الكفار بالمسلمين، والفقهاء يقولون بالتضحية بالمسلمين المتترس بهم إذا لم يمكن التوصل إلى الكفار إلاّ بذلك وكان الكف عن قتل الكفار لأجل المتترس بهم من المسلمين يفضي إلى تعطيل الجهاد وانقطاعه لأنهم متى علموا ذلك يتترسون بالمسلمين عند خوفهم فينقطع الجهاد، أو كان الكف عن قتال الكفار لأجل المتترس بهم من المسلمين يؤدي إلى استيلاء الكفار ببلاد المسلمين أو تقوية شوكتهم أو استباحتهم لبيضة الإسلام، ففي هذه الحالة يجوز رمي الكفار مع وجود الترس البشري من المسلمين ولكن نقصد الكفار، ومن قتل من المسلمين المتترس بهم بالخطأ لأجل الجهاد في سبيل الله، كان شهيداً - إن شاء الله تعالى - ويبعث يوم القيامة على نيته، ولم يكن قتله أعظم فساداً من قتل المجاهدين في سبيل الله وإزهاق أنفسهم وهم يحرسون ثغور الإسلام ويمنعون الكفار من استباحة دار الإسلام. فإذا كانت الضرورة دفعتنا إلى التضحية بمصلحة الترس البشري من المسلمين في سبيل الله إعزازاً للدين وإنقاذاً لمجموع الأمّة الإسلامية، فكذلك يقال في العمليات الإستشهادية، إذا كان لا يمكن التوصل إلى قتال الأعداء إلاّ بذلك، ففي مثل هذه الحالة تدعو الضرورة إلى القيام بالعمليات الإستشهادية ولا بأس بالتضحية بفرد أو عدة أفراد يقومون بعمليات استشهادية يضعون فيها مواد متفجرة في سياراتهم أو حقائبهم أو يحيطون أنفسهم بحزام صاعق متفجر ثم يقتحمون مواقع العدوّ وتجمعاته أو يستخدمون الطائرات المدنية كأهداف عسكرية يضربون بها المراكز الحيوية للعدوّ - كالحالة التي حصلت في أمريكا مثلاً - فيفجّرونها بتلك المواد الناسفة لقصد النكاية بالعدوّ أو القضاء عليه أو إرهابه أو إضعاف قوته أو غير ذلك من المقاصد الشرعية لقصد دفع الضرر الأكبر بالمسلمين إذا لم ينتدبوا لمواجهة الكفار. ومعلوم أنه في حالة المسلمين الذين تترس بهم الكفار جاز للمسلم أن يقتل غيره من المسلمين، مع أنّ قتل المسلم لغيره من المسلمين جريمة كبرى في الإسلام، وهو أعظم جرماً من قتل المسلم لنفسه (لأنه إذا كان قاتل نفسه الذي لم يتعد ظلم نفسه ثبت فيه الوعيد الشديد فأولى من ظلم غيره بإفاتة نفسه). (الفتح 3/227).

(فإذا كان ما هو أعظم جرماً لا حرج في الإقدام عليه، لا بحكم استباحة قتل المسلم لغيره من المسلمين، وإنما بحكم الضرورة التي لا بد منها في حالة الحرب، تفادياً لضرر أشد - فإنه ينبغي بطريق الأولى أن لا يكون هناك حرج في الإقدام على ما هو أقلّ جرماً، لا بحكم استباحة الانتحار، أو قتل المسلم لنفسه، وإنما بحكم الضرورة التي لا بد منها في حالة الحرب - تفادياً لضرر أشد). (القتال والجهاد في السياسة الشرعية، د/ محمد خير هيكل، 2/1402 – 1403).

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في مجموع الفتاوى (28/540): (فإذا كان الرجل يفعل ما يعتقد أنه يقتل به لأجل مصلحة الجهاد، مع أنّ قتله نفسه أعظم من قتله لغيره؛ كان ما يفضي إلى قتل غيره لأجل مصلحة الدين التي لا تحصل إلاّ بذلك، ودفع ضرر العدوّ المفسد للدين والدنيا الذي لا يندفع إلاّ بذلك أولى). أهـ

فإن قيل: إنّ المقتحم لصف العدوّ والمنغمس فيه يقتل بيد العدوّ، بخلاف الذي يقوم بالعمليات الإستشهادية فإنه يقتل بفعله. فيقال: قد علم في الشرع أنّ المشارك والمتسبب في قتل النفس التي حرمها الله حكمهما كحكم المباشر لقتلها. فمن حبس رجلاً وقتله آخر فقال عطاء: يقتل القاتل ويحبس الحابس حتى يموت. ومن حبس إنساناً ومنع عنه الطعام والشراب حتى يموت جوعاً أو حفر له بئراً ليقع فيها، فوقع فيها فمات أو قدمه لحيوان مفترس أنه يقتل أو أمسك رجل رجلاً فقتله آخر فإنهما يقتلان لأنهما اشتركا في قتله. وهذا مذهب الليث ومالك والنخعي. وأما الشافعية والأحناف فذهبوا إلى أنّ القاتل المباشر للقتل يقتل وأما الممسك فيحبس حتى يموت جزاءً لإمساكه المقتول. وإليه ذهب أبو ثور والنعمان واختاره ابن المنذر، وهو قول أكثر أهل العلم. وذهب الجمهور مالك والشافعي وأحمد إلى وجوب القصاص على المتسبب في القتل عمداً وخالفه في ذلك أبو حنيفة ومحمد بن الحسن فقالوا: لا يقتل ولا يقتص منه وأوجبوا على عاقلته الدية ولا معنى لهذا القول. وقول الجمهور أقوى حجةً وأظهر دلالة، وهو مذهب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما رواه مالك في الموطأ: أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل نفراً برجل واحد قتلوه قتل غِيلة، وقال: (لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً).

قلت: والغِيلة بالكسر الاغتيال يقال: قتله غِيلة، وهو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع فيقتله فيه. وتمالأ القوم: أي تعاونوا واجتمعوا.

والحاصل أنّ المقتحم لصف العدوّ والمنغمس فيه تسبب في قتل نفسه، والذي يقوم بعملية استشهادية باشر قتل نفسه بفعله ضرورةً أو مصلحةً متحققةً أو راجحةً أو غلب على ظنه رجحانها، وحكمهما في الشرع واحد، وقصدهما من ذلك طلب الشهادة ونصرة الإسلام وإلحاق الهزيمة بالأعداء.

وقد روى الإمام مسلم في صحيحه كتاب الإمارة باب فضل الجهاد والرباط (3/1503 - 150 ح 1889) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من خير معاش الناس لهم رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار على متنه يبتغي القتل، أو الموت مظانّه، ورجل في غنيمة في شعفة من هذه الشعف، أو بطن وادٍ من هذه الأودية يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعبد ربّه حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلاّ في خير).

وفي مسند أبي عوانة (5/59 (ولفظه: (يأتي على الناس زمان أحسن الناس فيهم؛ رجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، كلما سمع بهيعة استوى على متنه، ثم طلب الموت، مظانّه). الحديث

وموضع الاستدلال من الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم (يبتغي القتل، أو الموت، استوى على متنه ثم طلب الموت، مظانّه).

وفي الصحيحين عن يزيد بن أبي عبيد الأسلمي قال: قلت لسلمة بن الأكوع رضي الله عنه: على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ؟ قال: على الموت. (رواه البخاري في كتاب المغازي - باب غزوة الحديبية، 7/449، ح 7206 وكتاب الأحكام - باب كيف يبايع الإمام الناس، 13/93، ح 7206؛ ومسلم في كتاب الإمارة - باب استحباب مبايعة الإمام الجيش، 3/1486، ح 1860)، والشاهد من هذا الحديث المبايعة على الموت.
يتبع
__________________




لله در الفضيل بن عياض حيث يقول : لا تستوحش من الحق لقلة السالكين ، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين . وأحسن منه قوله تعالى : ( ولقد صــدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً مـن المؤمنين)