عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 29-05-2006, 03:51 PM
الحقيقة. الحقيقة. غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2006
المشاركات: 856
إفتراضي

شرح الحديث من فتح الباري 8/256


.................................................. ........................................إلى أن قال :"

قالت الأولى : زوجي لحم جمل غث بفتح المعجمة وتشديد المثلثة ويجوز جره صفة للجمل ورفعه صفة للحم قال بن الجوزي المشهور في الرواية الخفض وقال بن ناصر الجيد الرفع ونقله عن التبريزي وغيره والغث الهزيل الذي يستغث من هزاله أي يستترك ويستكره مأخوذ من قولهم غث الجرح غثا وغثيثا إذا سأل منه القيح واستغثه صاحبه ومنه اغث الحديث ومنه غث فلان في خلقه وكثر استعماله في مقابلة السمين فيقال للحديث المختلط فيه الغث والسمين قوله على رأس جبل في رواية أبي عبيد والترمذي وعر وفي رواية الزبير بن بكار وعث وهي اوفق للسجع والأول ظاهر أي كثير الضجر شديد الغلظة يصعب الرقي إليه والوعث بالمثلثة الصعب المرتقي بحيث توحل فيه الأقدام فلا يتخلص منه ويشق فيه المشي ومنه وعثاء السفر قوله لا سهل بالفتح بلا تنوين وكذا ولا سمين ويجوز فيهما الرفع على خبر مبتدأ مضمر أي لا هو سهل ولا سمين ويجوز الجر على إنهما صفة جمل وجبل ووقع في رواية عقبة بن خالد عن هشام عند النسائي بالنصب منونا فيهما لا سهلا ولا سمينا وفي رواية عمر بن عبد الله بن عروة عنده لا بالسمين ولا بالسهل قال عياض أحسن الأوجه عندي الرفع في الكلمتين من جهة سياق الكلام وتصحيح المعنى لا من جهة تقويم اللفظ وذلك أنها أودعت كلامها تشبيه شيئين بشيئين شبهت زوجها باللحم الغث وشبهت سوء خلقه بالجبل الوعر ثم فسرت ما اجملت فكأنها قالت لا الجبل سهلا فلا يشق ارتقاؤه لاخذ اللحم ولو كان هزيلا لأن الشيء المزهود فيه أن يؤخذ إذا وجد بغير نصب ثم قالت ولا اللحم سمين فيتحمل المشقة في صعود الجبل لأجل تحصيله قوله فيرتقي أي فيصعد فيه وهو وصف للجبل وفي رواية للطبراني لا سهل فيرتقي إليه قوله ولا سمين فينتقل في رواية أبي عبيد فينتقي وهذا وصف اللحم والأول من الانتقال أي أنه لهزاله لا يرغب أحد فيه فينتقل إليه يقال انتقلت الشيء أي نقلته ومعنى ينتقي ليس له نقي يستخرج والنقى المخ يقال نقوت العظم ونقيته وأنتقيته إذا استخرجت مخه وقد كثر استعماله في اختيار الجيد من الرديء قال عياض أرادت أنه ليس له نقي فطلب لأجل ما فيه من النقي وليس المراد أنه فيه نقي يطلب استخراجه قالوا آخر ما يبقى في الجمل مخ عظم المفاصل ومخ العين وإذا نفدا لم يبق فيه خير قالوا وصفته بقلة الخير وبعده مع القلة فشبهته باللحم الذي صغرت عظامه من النقي وخبث طعمه وريحه مع كونه في مرتقى يشق الوصول إليه فلا يرغب أحدا في طلبه لينقله إليه مع توفر دواعي أكثر الناس على تناول الشيء المبذول مجانا وقال النووي فسره الجمهور بأنه قليل الخير من أوجه منها كونه كلحم الجمل لا كلحم الضأن مثلا ومنها أنه مع ذلك مهزول رديء ويؤيده قول أبي سعيد الضرير ليس في اللحوم أشد غثاثة من لحم الجمل لأنه يجمع خبث الطعم وخبث الريح ومنه أنه صعب التناول لا يوصل إليه الا بمشقة شديدة وذهب الخطابي إلى أن تشبيهها بالجبل الوعر إشارة إلى سوء خلقة وأنه يترفع ويتكبر ويسمو بنفسه فوق موضعها في فيجمع البخل وسوء الخلق وقال عياض شبهت وعورة خلقه بالجبل وبعد خيره ببعد اللحم على رأس الجبل والزهد فيما يرجى منه مع قلته وتعذره بالزهد في لحم الجمل الهزيل فأعطت التشبيه حقه ووفته قسطه قوله


قالت الثانية
: قوله زوجي لا أبث خبره بالموحدة ثم المثلثة وفي رواية حكاها عياض انث بالنون بدل الموحدة أي لا أظهر حديثه وعلى رواية النون فمرادها حديثه الذي لا خير فيه لأن النث بالنون أكثر ما يستعمل في الشر ووقع في رواية للطبراني لا أنم بنون وميم من النميمة قوله إني أخاف أن لا أذره أي أخاف أن لا أترك من خبره شيئا فالضمير للخبر أي أنه لطوله وكثرته أن بدأته لم أقدر على تكميله فاكتفت بالاشار إلى معيابه خشية أن يطول الخطب بإيراد جميعها ووقع في رواية عباد بن منصور عند النسائي أخشى أن لا أذره من سوء وهذا تفسير بن السكيت ويؤيده أن في رواية عقبة بن خالد أني أخاف أن لا أذره أذكره وأذكر عجره وبجره وقال غيره الضمير لزوجها وعليه يعود ضمير عجره وبجره بلا شك كأنها خشيت إذا ذكرت ما فيه أن يبلغه فيفارقها فكأنها قالت أخاف أن لا أقدر على تركه لعلاقتي به وأولادي منه وأذره بمعنى أفارقه فاكتفت بالإشارة إلى أنه له معايب وفاء بما التزمته من الصدق وسكتت عن تفسيرها للمعنى الذي اعتذرت به ووقع في رواية الزبير زوجي من لا أذكره ولا أبث خبره والأول أليق بالسجع قوله عجره وبجره بضم أوله وفتح الجيم فيهما الأول بعين مهملة والثاني بموحدة جمع عجرة وبجرة بضم ثم سكون فالعجر تعقد العصب والعروق في الجسد حتى تصير ناتئة والبجر مثلها الا أنها مختصة بالتي تكون في البطن قاله الأصمعي وغيره وقال بن الأعرابي العجرة نفخة في الظهر والبجرة نفخة في السرة وقال بن أبي أويس العجر العقد التي تكون في البطن واللسان والبجر العيوب وقيل العجر في الجنب والبطن والبجر في السرة هذا أصلهما ثم استعملا في الهموم والاحزان ومنه قول علي يوم الجمل اشكو إلى الله عجري وبجري وقال الأصمعي استعملا في المعايب وبه جزم بن حبيب وأبو عبيد الهروي وقال أبو عبيد بن سلام ثم بن السكيت استعملا فيما يكتمه المر ويخفيه عن غيره وبه جزم المبرد قال الخطاب أرادت عيوبه الظاهرة وأسراره الكامنة قال ولعله كان مستور الظاهر رديء الباطن وقال أبو سعيد الضرير عنت أن زوجها كثير المعايب متعقد النفس عن المكارم وقال الأخفش العجر العقد تكون في سائر البدن والبجر تكون في القلب وقال بن فارس يقال في المثل افضيت إليه بعجري وبجري أي بأمري كله



قالت الثالثة : زوجي العشنق بفتح المهملة ثم المعجمة وتشديد النون المفتوحة وآخره قاف قال أبو عبيد وجماعة هو الطويل زاد الثعالبي المذموم الطول وقال الخليل هو الطويل العنق وقال بن أبي أويس الصقر من الرجال المقدام الجريء وحكى بن الأنباري عن بن قتيبة انه قال هو القصير ثم قال كأنه عنده من الأضداد قال ولم أره لغيره انتهى والذي يظهر أنه تصحف عليه بما قال بن أبي أويس قاله عياض وقد قال بن حبيب هو المقدام على ما يريد الشرس في أموره وقيل السيء الخلق وقال الأصمعي أرادت أنه ليس عنده أكثر من طوله بغير نفع وقال غيره هو المستكره الطول وقيل ذمته بالطول لأن الطول في الغالب دليل السفه وعلل ببعد الدماغ عن القلب وأغرب من قال مدحته بالطول لأن العرب تتمدح بذلك وتعقب بأن سياقها يقتضي أنها ذمته وأجاب عنه بن الأنباري باحتمال أن تكون أرادت مدح خلقه وذم خلقه فكأنها قالت له منظر بلا مخبر وهو محتمل وقال أبو سعيد الضرير الصحيح أن العشنق الطويل النجيب الذي يملك أمر نفسه ولا تحكم النساء فيه بل يحكم فيهن بما شاء فزوجته تهابه ن تنطق بحضرته فهي تسكت على مضض قال الزمخشري وهي من الشكاية البليغة انتهى ويؤيده ما وقع في رواية يعقوب بن السكيت من الزيادة في آخره وهو على حد السنان المذلق بفتح المعجمة وتشديد اللام أي المجرد بوزنه ومعناه تشير إلى أنها منه على حذر ويحتمل أن تكون أرادت بهذا أنه أهوج لا يستقر على حال كالسنان الشديدة الحدة قوله ان أنطق أطلق وأن اسكت اعلق أي أن ذكرت عيوبه فيبلغه طلقني وأن سكت عنها فأنا عنده معلقة لا ذات زوج ولا أيم كما وقع في تفسير قوله تعالى فتذروها كالمعلقة فكأنها قالت أنا عنده لا ذات بعل فأنتفع به ولا مطلقة فاتفرغ لغيره فهمي كالمعلقة بين العلو والسفل لا تستقر بأحدهما هكذا توارد عليه أكثر الشراح تبعا لأبي عبيد وفي الشق الثاني عندي نظر لأنه لو كان ذلك مرادها لانطلقت ليطلقها فتستريح والذي يظهر لي أيضا أنها أرادت وصف سوء حالها عنده فأشارت إلى سوء خلقه وعدم احتماله لكلامها أن شكت له حالها وإنها تعلم أنهى متى ذكرت له شيئا من ذلك بادر إلى طلاقها وهي لا تؤثر تطليقه لمحبتها فيه ثم عبرت بالجملة الثانية إشارة إلى أنها أن سكتت صابرة على تلك الحال كانت عنده كالمعلقة التي لا ذات زوج ولا ايم ويحتمل أن يكون قولها اعلق مشتقا من علاقة الحب أو من علاقة الوصلة أي أن نطقت طلقني وأن سكت استمر لي زوجة وأنا لا أوثر تطليقه لي فلذلك اسكت قال عياض أوضحت بقولها على حد السنان المذلق مرادها بقولها قبل أن اسكت اعلق وأن أنطق أطلق أي أنها أن حادت عن السنان سقطت فهلكت وأن استمرت عليه أهلكها قوله


ولنا عودة بإذن الله تعالى .