الموضوع: تعالوا نحب
عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 30-07-2005, 04:22 AM
يتيم الشعر يتيم الشعر غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2001
الإقامة: وأينما ذُكر اسم الله في بلدٍ عدَدْتُ أرجاءه من لُبِّ أوطاني
المشاركات: 5,873
إرسال رسالة عبر MSN إلى يتيم الشعر إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى يتيم الشعر
Arrow تتمة

فلما خليا تشاكيا ما وجدا من الفراق وطالت الشكوى وهو يبكي أحرّ بكاء ثم أتته بشراب وسألته أن يشربه فقال‏:‏ والله ما دخل جوفي حرام قط ولا ارتكبته منذ كنت ولو استحللت حرامًا كنت قد استحللته منك وأنت حظي من الدنيا وقد ذهبت مني وذهبت منك فما أعيش بعدك وقد أجمل هذا الرجل الكرم وأحسن وأنا أستحي منه ووالله لا أقيم بعد علمه بمكاني وإني لعالم أني أرحل إلى فلماء جاء زوجها أخبره الخادم بما جرى بينهما فقال‏:‏ يا عفراء امنعي ابن عمك من الخروج فقالت‏:‏ لا يمتنع وهو واللهّ أكرم وأشد حياء أن يقيم بعد ما جرى بينكما فدعاه وقال‏:‏ يا أخي‏:‏ اتق اللهّ في نفسك فقد عرفت خبرك وأنك إن رحلت تلفت وواللهّ ما أمنعك من الاجتماع معها أبدًا وإن شئت لأنزلن لك عنها‏.‏

فجزاه خيرًا وأثنى عليه وقال‏:‏ إنها كان الطمع فيها والآن فقد يئست وحملت نفسي على الصبر ولي أمور لا بد من الرجوع إليها وإن وجدتَ بي قوة وإلا عدت إليكم وزرتكم‏.‏

فزودوه وشبعوه وانصرف فأصابه غشي وخفقان فكان كلما أغمي عليه ألقى على وجهه خمارًا كانت عفراء قد زودته إياه فيفيق فلقيه في طريقه عراف اليمامة ابن مكحول فسأله عما به وهل به خبل فقال‏:‏

وما بيَ من خبل وما بيَ جنة ** ولكن عمي يا أخيً كذوب

أقول لعراف اليمامة داوني ** فإنك إن داويتني لطبيب

فواكبدي أمست رفاتًا كأنما ** يلذعها بالموقدان لهيب

عشية لا عفراء منك بعيدة ** فتسلو ولا عفراء منك قريب

فواللهّ ما أنساك ما هبت الصبا ** وما عقبتها في الرياح جنوب

وإني ليغشاني لذكراك روعة ** لها بين جلدي والعظام دبيب

خليلي من عليا هلال بن عامر ** بصنعاء عوجا اليوم فانتظراني

فلا تزهدا في الذخر عندي وأجملا ** فإنكما بي اليوم مبتليان

ألِما على عفراء إنكما غدًا ** بوشك النوى والبين مفترقان

فيا واشيي عفراء ويحكما بمن ** ومن وإلى من حيثما تشياني

بمن لو رآه غائبًا لفديته ** ومن لو رآني غائبًا لفداني

متى تكشفا عني القميص تبيّنا ** بي الضرّ من عفراء يا فتيان

فقد تركتني لا أعي لمحدثٍ ** حديثًا وإن ناجيته ونجاني

جعلت لعراف اليمامة حكمه ** وعراف حجران هما شفياني

فما تركا من حيلة يعلمانها ** ولا شربة إلا بها سقياني

ورشا على وجهي من الماء ساعة ** وقاما مع العواد يبتدران

وقالا شفاك الله واللهّ ما لنا ** بما ضمنت منك الضلوع يدان

فويلي على عفراء ويل كأنه ** على الصدر والأحشاء وخز سنان

فيا رب أنت المستعان على الذي ** تحملت من عفراء منذ زماني

كأن قطاة علقت بجناحها على ** كبدي من شدة الخفقان

وفي رواية أنه لم يعلمه بتزويجها حتى لقي الرفقة التي هي فيها وأنه كان توجه إلى ابن عم له بالشام لا باليمن فلما رآها وقف دهشآَ ثم قال‏:‏ فما هو إلا أن أراها فجاءة فأبهت حتى لا أكاد أجيب وأصدف عن رأي الذي كنت أرتئي وأنسى الذي أزمعت حين تغيب ويظهر قلبي عذرها ويعينها علي فمالي في الفؤاد نصيب وقد علمت نفسي مكان شفائها وهل ما لا ينال قريب حلفت برب الساجدين لربهم خشوعًا وفوق الساجدين رقيب لئن كان برد الماء حران صاديًا إلي حبيبًا إنها لحبيب ثم عاد إلى أهله وقد نحل وضنى وكان له أخوان وخالة وجدة فجعلن يعالجن أمره فلا ينفع وكان يأتي حياض الماء التي كانت عفراء تردها فيلصق صدره بها ويقول‏:‏ بي البأس أو داء الهيام سقيته فإياك عني لا يكن بك ما بِيَا أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا أبو الحسن أحمد بن عبد اللّه الأنماطي أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسين المروزي أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحارث بن محمد بن عبد الكريم المروزي قال‏:‏ حدَثني جدي محمد بن عبد الكريم حدًثنا الهيثم بن عدي أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن النعمان بن بشير قال‏:‏ استعملني عمر بن الخطاب - أو عثمان بن عفان شك الهيثم - على صدقات سعد بن هذيم وهم عذرة وسلامان والحارث وهم من قضاعة فلما قبضتَ الصدقة وقسمتها بين أهلها وأقبلت بالسهمين الباقيين إلى عمر - أو إلى عثمان - فلما كنت في بلاد عدي في حيّ يقال لهم بنو هند إذا أنا ببيت جرير فملت إليه فإذا عجوز جالسة عند كسر البيت وإذا شاب نائم في ظل البيت فلما دنوت سلمت فترنم بصوت له ضعيف‏:‏ جعلت لعراف اليمامة حكمة وعراف حجران هما شفياني فذكر الأبيات فشهق شهقة خفيفة فنظرته فإذا هو قد مات فقلت‏:‏ أيها العجوز ما أظن هذا النائم بفناء بيتك إلا قد مات قالت‏:‏ واللّه إني لأظن ذلك فقامت فنظرت إليه فقالت‏:‏ فاض ورب محمد فقلت‏:‏ يا أمة الله من هذا قالت‏:‏ عروة بن حزام وأنا أمه قلت‏:‏ فما صيره إلى هذا قالت‏:‏ العشق ولا والله ما سمعت له أنه منذ سنة إلا في صدره وفي يومنا من كان من أمهاتي باكيًا أبدًا فاليوم إني أراني اليوم مقبوضآ # تستمعيه فإني غير سامعة إذا علوت رقاب القوم معروضأ قال النعمان‏:‏ فأقمت والله عليه حتى غسل وكفن وحنط وصلي عليه ودفن‏.‏

قال‏:‏ قلت للنعمان‏:‏ فما دعاك إلى ذلك قال‏:‏ احتساب الأجر فيه واللّه‏.‏

وقد ذكر أبو داود في كتاب الزهرة‏:‏ ان عروة بن حزام لما مات مر به ركب فعرفوه فلما انتهوا إلى منزل عفراء صاح بعضهم فقال‏:‏

ألا أيها القصر المعقل أهلها ** بحقٍ نعينا عروة بن حزام

فأجابته فقالت‏:‏

ألا أيها الركب المخبون ويحكم ** بحقٍ نعيتم عروة بن حزام

فأجابوها‏:‏

نعم قد تركناه بأرض بعيدة ** مقيمًا بها في دكدك وأكام

فقالت لهم‏:‏

فإن كان حقًا ما تقولون فاعلموا ** بأن قد نعيتم بدر كل ظلام

فلا لقي الفتيان بعدك لذة ** ولا رجعوا من غيبة بسلام

ولا لا بلغتم حيث وجهتمُ له ** ونغصتمُ لذات كل طعام

ثم سألتهم‏:‏ أين دفنوه فأخبروها فسارت إلى قبره فلما قربوا من موضع قبره قالت‏:‏ إني أريد قضاء حاجة فأنزلوها فانسلت إلى قبره فانكبت عليه فما راعهم إلا صوتها فلما سمعوها بادروا إليها فإذا هي ممدودة على القبر قد خرجت نفسها فدفنوها إلى جانبه‏.‏

أنبأنا محمد بن عبد الملك بن خيرون قال‏:‏ أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت حدَّثنا علي بن أيوب القمي حدًثنا محمد بن عمران حدَّثنا عبد اللّه بن محمد بن أبي سعيد قال‏:‏ حدَثني إسحاق بن محمد النخعي حدَّثنا معاذ بن يحيى الصنعاني قال‏:‏ خرجت من مكة إلى صنعاء فلما كان بيننا وبين صنعاء خمس رأيت الناس ينزلون عن محاملهم ويركبون دوابهم قلت‏:‏ أين تريدون قالوا‏:‏ نريد أن ننظر قبر عروة وعفراء فنزلت عن محملي وركبت حماري واتصلت بهم فانتهيت إلى قبرين متلاصقين قد خرج من هذا القبر ساق شجرة ومن هذا ساق شجرة حتى إذا صارا على قامة التفا وكان الناس يقولون‏:‏ تآلفا في الحياة وفي الموت‏.‏

وقد روي لنا أن هذه القصة كانت في عهد عمر بن الخطاب فروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‏:‏ لو أدركت عروة وعفراء لجمعت بينهما‏.‏

وروي عن معاوية رضي الله عنه أنه قال‏:‏ ‏"‏ لوعلمت بهذين الشريفين لجمعت بينهما ‏"‏‏.
__________________
معين بن محمد
الرد مع إقتباس