عرض مشاركة مفردة
  #33  
قديم 21-07-2005, 01:17 PM
الغرباء الغرباء غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2005
الإقامة: دولة الخلافه الاسلاميه
المشاركات: 2,050
إفتراضي





إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.


أما بعد:


فإننا في زمان انقلبت فيه الموازين واختلت فيه المقاييس كما وصف ذلك النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل وما الرويبضة قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) [1].


ويا ليت الأمر وقف عند هذا الوصف بل تعداه إلى أبعد من ذلك بكثير حيث أصبح الجهاد بغيا وإرهابا، والموحد لله الموالي والمعادي في الله ولله خارجيا، والمشرك والصليبي ونحوهم من المحاربين لله ورسوله وللمسلمين مستأمنين معاهدين، والحاكم المرتد عن دين الله بشتى أنواع الردة وضروبها وليا لأمر المسلمين وحاميا لمصالحهم، والإرجاء والتجهم والتقرب للطواغيت وسطية واعتدالا، ومحاربة المجاهدين وقتلهم وأسرهم حسبة وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، والفرار بالدين والعرض إلى الجبال والكهوف والبقاع التي يستطيع المسلم أن يقيم فيها دينه ويحافظ فيها على عرضه بدعة و زورا ومنكرا، والفار بدينه ولأجل دينه نكرة ومبتدعا، والبائع دينه للطواغيت ثقة وعدلا... إلى غير ذلك من الإفك والزور والضلال والبهتان والحرام مما احتواه كلام المنافقين والجاميه والخوارج

ولما كان رد شبهات وافتراءات أهل البدع والنفاق والضلال من أجل القربات ومن ضروب الجهاد في سبيل الله، كما قال تعالى: { يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير } [2]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا بأيديكم وألسنتكم وأموالكم) [3]، وجب على كل مؤمن يستطيع أن يرد شبهات وافتراءات أهل البدع والضلال أن يرد هذه الشبهات والافتراءات وأن يبين عوارها وبطلانها بما رزقه الله من حجة وبيان.


وإذ كان الأمر كذلك أحببت أن أكتب هذه الصفحات في رد فرية واحدة من افتراءات الجاميه المنافقين وهذه الفرية هي: ان المجاهدين الذين فروا بدينهم وعقيدتهم إلى الكهوف والجبال حتى يتمكنوا من إعادة ترتيب صفوفهم وأوراقهم والعودة للساحة عودة حميدة، إنما هم نكرات، وان الذين يداهنون الطواغيت ويمنحونهم الشرعية عدول ثقات.


واخترت هذه الفرية من بين تلك الافتراءات للرد عليها لأمرين:


الأول: انني لم أجد من رد هذه الشبهة فيما أعلم – والله أعلم -

الثاني: ان معظم الشبه والافتراءات التي سود بها المنافقين والجاميه صحيفتهم وآذوا بها انفسهم قد بين عوارها وبطلانها كثير من الأخوة والأحبة في الله، ولله الحمد.



* * *

اللجوء للكهوف والجبال ونحو ذلك من سنن الرسل والصالحين


إن من الأمور البيانات والحقائق الواضحات عند أهل الحق والثبات أن الفرار بالدين إلى الجبال والكهوف والسهول والوديان... والتواري عن عيون المجرمين والطواغيت من سنن الأنبياء والمرسلين ومن سار على دربهم من عباد الله الصالحين فهذا نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام فر ومن آمن معه من فرعون وجنده بعد أن أراد فرعون البطش به وبمن معه.


قال الله تعالى: { فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أإن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين * قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون * فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون * فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون * فألقي السحرة ساجدين * قالوا آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون * قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين * قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون * إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين * وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون * فأرسل فرعون في المدائن حاشرين * إن هؤلاء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائظون * وإنا لجميع حاذرون * وكنوز ومقام كريم * كذلك وأورثناها بني إسرائيل * فأتبوعهم مشرقين * فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معي ربي سيهدين * فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم * وأزلفنا ثم الآخرين* وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين} [4].


وهذا نبي الله عيسى عليه الصلاة السلام واتباعه من الحواريين يفرون من مكر بني سرائيل بعد أن أرادوا قتله عليه السلام وقتل اتباعه من بعده كما قص علينا ذلك رب العزة بقوله: {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون * ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين * ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين * إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون * فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين * وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين} [5].


وهاهم فتية الكهف يفرون بدينهم وعقيدتهم إلى الكهوف من بطش الطاغية الذي كان في زمانهم وقد كرمهم الله بأن جعل فعلهم هذا يذكر إلى يوم القيامة فأنزل سورة من القرآن تذكر قصتهم وتسمى باسمهم وسن لنا نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن نقرأ سورة الكهف في كل يوم جمعة [6] لكي تبقى قصتهم حاضرة في قلب كل مسلم لا سيما في زمن الفتن والابتلاء، كما جعل حفظ أول عشر آيات منها سبب للنجاة من بطش الدجال [7].


وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى غار ثور عندما أراد كفار قريش قتله، كما قال الله تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} [8].


وروى البخاري ومسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله عز وجل { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها }، قال: (نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {ولا تجهر بصلاتك }، فيسمع المشركون قراءتك، {ولا تخافت بها } عن أصحابك، أسمعهم القرآن ولا تجهر ذلك الجهر، {وابتغ بين ذلك سبيلا}، يقول؛ بين الجهر والمخافتة) [9].


وقد سار على هذه السنة الربانية كثير من العلماء الربانيين كسعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي وأحمد بن حنبل، كما هو مذكور في تراجمهم.


وقد ذكر الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي - المتوفى سنة 409هـ - العلماء الربانيين الذين فروا بدينهم إلى الكهوف والجبال والسهول ونحو ذلك بمصنف مستقل وسماه كتاب "المتوارين".



* * *

اللجوء إلى الكهوف والجبال بداية التمكين


إن الناظر في سيرة الأنبياء صلوات الله عليهم واتباعهم من عباد الله الصالحين والدعاة المصلحين، يجد أنه يسبق مرحلة التمكين والظهور ؛ مرحلة الابتلاء والتمحيص، وهذا الابتلاء له صور متنوعة ومتعددة، منها ترك الوطن والأهل والمال والفرار بالدين والعقيدة إلى الكهوف والجبال والسهول والوديان بعد شدة العذاب والتنكيل الذي يصبه أعداء الله على عباد الله.


وإذا دخلت الدعوة المباركة هذه المرحلة فإن هذا يعني أن النصر والتمكين قريب قال الله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} [10].


ولبيان هذه السنة الربانية أذكر ثلاثة أمثلة من عصور مختلفة ومتباعدة:

المثال الأول:


عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فأبعث إلي غلاما أعلمه السحر، فبعث إليه غلاما يعلمه، فكان في طريقه إذا سلك راهب، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكى ذلك إلى الراهب، فقال: إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر.

فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرا، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضى الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره، فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، وانك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي.

وكان الغلام يبرئ الاكمه والأبرص ويداوى الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمى، فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما ههنا لك أجمع ان أنت شفيتنى، فقال: اني لا أشفى أحدا إنما يشفى الله، فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن بالله فشفاه الله.

فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله.

فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل؟ فقال: اني لا أشفى أحدا إنما يشفى الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدعا بالمئشار، فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه.

ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال: اللهم أكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشى إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به، فقال: اللهم أكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشى إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله.

فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس معا وتصلبني على جذع ثم خذ سهما من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل باسم الله رب الغلام ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني.

فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: باسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه في موضع السهم، فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام.. آمنا برب الغلام.. آمنا برب الغلام.

فأتى الملك، فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر، قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس، فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت وأضرم النيران، وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها، أو قيل له اقتحم، ففعلوا، حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيه، فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق [11].

المثال الثاني:


إن مما هو معلوم لدى كل مسلم أن نبينا عليه الصلاة والسلام حبب إليه قبل البعثة الخلوة والتحنث في غار حراء - والغار: هو الكهف الصغير - وبعد فترة من هذا التحنث والخلوة في هذا الكهف الصغير أرسل الله إليه الوحي بالرسالة، فابتدأ صلى الله عليه وسلم حياة النبوة والرساله من كهف صغير في أعالي جبل.
عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل

يتبــــــــــــــــــــع >>>
__________________