عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 02-06-2007, 11:34 PM
جهراوي جهراوي غير متصل
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 309
إفتراضي نصح المجاهدين لحمايتهم من النافخين في نار الفتنه

مكانـة رمــوز الجهاد ، ونقـد المشروع الجهادي لترشيــده

حامد بن عبدالله العلي

ليست رموز الشموخ في أمّتنا ـ كما هـي في كلّ أمّـة ـ سوى النماذج التي تجسّـدت فيها رسالة الأمّة وقِيَمها ، فهـم كتابها الناطق بحضارتها ، وصرحها المشعّ بعظمتها ، وشمسها المنيرة بهمـتها السامقة ، وعلوّ مكانتها ،

إنهم يختصـرون بشخصيّتاتهم هذا كلّه ، ويعبـّرون بمواقفهم ، وبطولاتهم ، عن أهداف الأمـّة ، وسـرّ بعثـها بالحـق .

ولهذا يقترن ذكـرهم بالأمجاد، فنذكرها بذكرهـم ، ونستحضر العزّة بحضور مثالهـم ، ونستعيد تاريخنا بإنجازاتـه المليئة بالمفاخـر ، بمجرد ذكر أسماءهم ،

ولرموز الأمّـة وقادتهـا فينا أعلى منزلـة، وأعظم مكانة ، غير مدّعين لهم العصمة ، ولا غالين فيهم ، ولا محرّمين نقدهم ، بـل لأنهّم حقا نجوم الهدى ، ومصابيح الدجى ، والمنبع الذي يروي ظمأنا للعزيمـة عند الشدائد ، والعيـن الفيّاضـة التي تمدّنـا بالهـمّة العالية فتثبّت الأفئدة ، وتقوّي السـواعد.

وفي سـوح الجهـاد فـي أفغانستان ، والعراق ، وفلسطين ، والشيشان ، وكشمير ، والفلبين ، وغيرها ، تجلّـت لنا كواكـب ، بعـد أن كادت الأمّة أن تنسى غابـر الأمــثال من عظماء الأبطـال ، فأحيت بأفعالها للأمـّة الآمـال ، وأرسـلت علينا بتضحياتها المبْهرة رياحـا تحمـل بشائـر كسر الأغلال ، وتغيّـر الأحـوال ، والإنطلاق إلى قــمم الجبــال .

ولانريد أن نحصر الأسماء فنضرب الأمثـلة بادئيـن بشيخ الجهاد عبدالله عزام رحمه الله ، وننتهي إلى حين كتابة هذا المقال بآخر الكواكب الشامخة الملاّ داد الله الذي استشهد الأسبوع الماضي ، مرورا بمؤسس مدرسة الإستشهاديين أحمد ياسين رحمه الله ، وبأميرهـم الزرقاوي رحمه الله ، بـل سنـدع الكواكـب تستغني عــن ذكرهـا ، بإشراقها وسموهــا .

ونحـن مهما كتبنا فيهـم ، فحـقّهـم لن نوفيـه ، غير أننا نسأل الله تعالى أن يرفع قدرهـم وذكرهـم في الدنيا ، وفي الآخـرة يُعليـه .

ولأنّنـا أمة الإتّبـاع للرسول الخاتم المطـاع صلى الله عليه وسلم ، ومن بعده لإجمـاع السلف خير الأتباع ، فإنّنا نجعـل المثال الأعلى الذي نقيس عليه مسيرة الأمّة كلّها ، هذا المثـال المتمثّل بالوحـي فحسـب ، فهو الحجـة الناطقة ، والأنوار الشارقة ، والبراهين التي للباطل ماحقـة .

ولأنّنـا أيّتها الأمّـة كذلك ، ولأنّ كلّ مشروع فينا ، هـو جزء من مشروع الأمة ، لها حـقّ أن تنقـده ، لتسترشد بنقده في مسيرة نهضتها ، وأن تسـمع بوضـوح من ينقـده ،

فإننا نقدم إرشادات مهمّة لمسيرة الجهـاد ، تتضمّن في طيّاتهـا نقـدا لمظاهـر خاطئة ، طفت على السـطح ، واستعلنـت ، ونرى أن المسيـرة بأمس الحاجة إلى هذه الإرشادات اليوم ، وإلى النقـد الذاتي ، بعد أن أنشغلنا عن ذلك ـ حينا ـ بضـخّ التحريض ، وشـحذ الهمــم ، في فورة الهجوم الصهيوصليبي على أمّتنـا ، حتى إنكسـرت شوكـته ، وانكفأ يبحـث عن خلاصـه ، بفضل الله تعالى ، ثم سواعد الأبطال ،

فنحن بعد انتشرت في الأمّـة جذوة الجهـاد ، وانتعشت عزيمته ، واستغلظ ، واستوى على سوقـه ، وأخـذت الأمـّة في مشـروع جهـاد طويـل الأمـد فيما يبدو ، ولم نعـد نخشـى على حدِّه من الاستعلان بنقـده ،

لايجوز لنـا أن ندع الخلل يسـتقر بالسكوت عنه ، فنتحمل إثـم الساكت عن الحـق ، حتى يتعاظـم الخطـأ ، الذي إذا بقي في البذور مستودعـا ، فسيظهـر أثره في الثمار قبيحا مستبشعـا.

فنـقول وبالله التوفــيق ، وهو حسبنا ونعم الوكيـل ،

هذه جملة من الإرشادات :


حماية الجهاد من داء الحزبية المذمومة المقيت :

فهذا الداء أشدّ فتكا بمشروع الجهاد من كلّ داء ، وأخطـر ما فيه أنه يحوّل النية من إبتغاء وجه الله تعالى في نصر الأمـّة ، إلى الإنتصار للمشروع الخاص ، بما يسوقه ذلك من أخلاق الشـحّ ، وأمراض التحاسد ، وآثار التباغض والتدابر ، حتى يحمل المبتلوْن بهذا الداء أنفسَهم على الظلم ، والعـدوان على غيـرهم من أخوة الجهـاد ، وعلى الكذب ، والإنتصار للنفس ، وإتباع الهوى ،

يبدأ الـداء بتتبّع معايـب الآخريـن لإسقاطهم ، وينتهي بسفك دماءهم بخداع النفس بباطل التأويـل ، وإتباع الظنـون .

الحفاظ على منظومة قيادة الرأي سليمة من العبث


فهذه الأمّـة مازالت يقودها أئمة العلم المعروفون بالعدالة ، والمعرفة ، والوعي ، يقودونهـا إلى صائب الرأي ، وسلامة المواقف ، ولم يكن في تاريخها لأهل الجهل ، و الجهالة ، أيّ منزلـة ، إذ في ذلك إزراء بميراث النبوّة ، وحـطّ من مكانـة الوحـي فيها ،

وقـد علمت أمتنا أن قيادة الرأي هـي أخطـر منزلة ، والخلل فيها يستتبعه دمار ينتقل في مراحل المسيرة كلّها ، ولهذا قدمت العلماء الأئمة تستنير بآراءهم ، وتجعل الناس تبعا لهـم ، امتثالا لقوله تعالى ( فاسألوا أهل الذكر ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم (العلماء هم ورثة الأنبياء ) .

وياللعجب أيّ قيمة لرسالة أمّـة ، تسلّط الغوغاء على قيادة الرأي ، فتلقي إليهم خطامه ، ويملكون زمامه ، يقيّمون العلماء ، والمفكرين ، يحطّون هذا ، ويرفعون ذاك ، ويخطّطون ، وينظّرون ، حتى تمتلأ الساحة من الفوضى الفكرية ، والعبث في العقول والمدارك ،

فالجهاد مالم يقـم أمره على تنظيم سليم لقيادة الرأي على رأسه العلماءُ العارفون ، يرجع إليهم الأتبـاع ، ويقدمون كلمتهم ، لن يكون رشـيدا .

خطورة التجنيـد العشــوائي :

ومعنى التجنيد العشوائي ، هو التساهل في قبول المنتمين إلى المشروع من غير شروط فكريّة ، أو سلوكيّة ، ولا قطع مراحل تربويّة ، وهذا الداء يسـرى للجهاد ، عندما تتساهل القيادة في النظام الأمني رغبة في إستعجال الثمرة ، أو حرصا على تكثير العدد في ساحة تتصاعد فيها المنافسة ، أو جنوحا إلى البروز الإعلامي ، وأخطـر ما يحمله هذا الدعاء أنه يحوّل جبهـة الجهـاد إلى مشروع مخترق ، يتنافس على إستغلاله قوى خارجية ، كلّ منها يوجّـه مشروع الجهـاد إلى حيث يحصد ثمراته إليـه ، فتضيـع دماء المخلصين هدرا ، وتهُـدر أهداف الجهاد شذرا .

ومن ينظر إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يرى بجلاء ، كيف كان يقيم هرم مشروعه على قواعد متينة من رجال هُمُ القـمم ، باشر تربيتهم بنفـسه ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، وكذلك كلّ نبيّ ( وكأيّن من نبيّ قاتل معه ربيّون كثيرٌ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ، وما ضعفوا ، وما استكانوا )

خطورة سيطرة نظرية المؤامـرة عند كلّ نقـد :

وهذا المرض من آثار الإعتداد بالنفس وتضخيمها لدى المشروع الجهـادي ، فيتعامل مع مشروعه كأنّه الأمل الوحيد المعصـوم ، ومن أشـنع آثاره أنه يُغـلق عليه تقبّل النصح ، والنقد ، ويتخيـّل أنّ الجميع في دائرة المؤامـرة عليه ، ويترجم كلّ موقف يعارضه أنـّه مدفوع من قبل أعداءه فحسـب ، ويزيد إستحكام هذه المعضلة ، مع الزخم الإعلامي مديحا ، أو تنويـها بخطـره ، فلا تسأل بعد ذلك عن تراكـم الأخطاء ، وتعاظمها ، حتى تقضي على المشروع .

البيئة الحاضنة لمشروع الجهاد أولا :

ذلك أنّ مشروع الجهاد الناجـح ليس تنفيسا عنفـيّا مجردا بلا غاية ، ولا هـو ردّات فعل إنتقامية ، ولا إستعراض عضلات في بطولات سرعان ما تنقلب إلى حطام ،
إنه مشروع تغيير لأمّة تريد النهوض ، فإذا لم يتوفر له بيئة حاضنة له ، فليس هو مشروع تغيير ناجـح ، ولهذا لـم تنجح مشاريع الصدام مع السلطات ، بينما تنجح مشاريع مقاومة الإحتـلال ، كما أشرت في فتوى منشورة على هذا الموقع.

ولهذا أمـرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي جنـد له ربُّه ملائكة السماء ، ومعه الوعد الإلهـي بالنصر ، وأنصاره في مكـة أشجع الناس ، وأصبرهم ، وأمضاهم عزيمة ، أمـرَ أصحابه بكفّ الأيدي ، والصـبر ، حتى إنتقل إلى بيئة تحتضن مشروعه فانطلق منها راشدا مستكملا رسالته ، عبـر مراحلها إلى أهدافه.

ومن أخطـر ما يصيب المشروع الجهادي إن هـو لم يـع هذا الأمر المهم ، فانطلق بحماسة عشوائية في غير بيئته ، أنـّه سرعان ما يجد نفسه في صدام مع المجتمع نفسه ، لا مع العـدوّ التي استعـدّ المشروع لحربـه ، إذ كان عـدوّه يملك كلّ وسائل التأثير على المجتمـع ، فيفرض العـدوّ وجهة المعركة ، وساحتها ، وطبيعتها ،

ثم يتطور هذا الصدام بالمشروع إلى تخبـط فكري مشـوب بانكفاء نفسي مخيف لدى المشروع الجهـادي ، وقـد يتحوّل إلى غلوّ بشـع ، فنهاية مأساوية ، أو تراجع إلى الضـد يثير الشفقة ، بعد أن يحـرق طاقات كثيـرة ، لو أنها وضعت في مشروع ناجح لأينعت ثمـاره سريـعا !

ومن أمثلة التاريخ ، أنـّه قد أشار أهل السابقة من الصحابة على الحسين رضي الله عنه ، سيد شباب أهل الجنـة ، أنّ البيئة لا تصلح لما تريد ، فلمّا مالـت نفسـه إلى الاسترواح أنّ نصـره منوط بمكانته في الأمّة ، وعلوّ منزلته ، ففـرط في تدابير النجاح ، ذُبـح وهو ريحانة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فكيـف بغيـره ؟!!

إنّ التمكـين لن ينـزل على المجاهدين لأنهّم مخلصون فحسـب ، فإذا استعدوْا بيئتهـم عليهـم ، بعجلة جائشة ، وسهام طائشة ، ولم يعـوْا أن كسب الناس ، ولو بتــرك قتل من يستحق القتل ، لدفع مفسدة أعظـم ، فسيُذبحـون ، ويذبح معهم مشروعهـم ،

وهذا ينقلنا إلــى :

الحرص على سمعة المشروع الجهـادي ، وتقبّل مشروعـة في الناس:

سيرة نبّينا صلى الله عليه وسلم مليئة بالمواقف التي تتجلّى فيها هذه الناحية ، ومن ذلك أنـّه سمع أشنع كلمة ، وأقبحها ، قـد قيلت فيه ، وهي قــول رأس المنافقين عبدالله بن أبي : ( ما مثلنا ومثل محمد إلاّ كما قال القائل : سمّن كلبك يأكلك ، وقال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعـزّ منها الأذل ) ، فقال عمر رضي الله عنه (دعني اضرب عنق هذا الخبيث ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعه لا يتحدَّث الناس أن محمدا يقتل أصحابه) ،

فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم تحمّـل هذه الإساءة البالغة ، وتـرك من قال هذه الكلمات التي وصفها الله تعالى ( ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم ) من أجـل أن يُبقى سمعةَ مشروعه سليمة من الإشاعات ، بلْه غيرها ، فكيف بغيـره ؟!

ومعلومٌ ما في الحكمة النبوية القائلة ( كيف وقد قيل ) من فوائد عظيمة ، يجب أن لايغفل عنها المشروع الجهـادي.

ولهذا كان النبيّ صلى الله عليه وسلم ربما يعفو عـمّن يهـمّ بقتله ، ويستفيد بذلك حسن الدعايـة له ولرسالته .

فقد روت كتب الحديث والسيرة عن جابر قال ‏: ‏ غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفه بنخل فرأوا من المسلمين بغرة، فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث ، حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف ، فقال من يمنعك منّي ، قال الله ، فسقط السيف من يده ، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال من يمنعك مني ، قال : كن خير آخذ ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : تشهد أن لا إله إلا الله ، فقال الأعرابي‏:‏ لا ، غير أني أعاهدك أن لا أقاتلك ، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيلـه ، وفي بعض روايات هذا الخبر ، رجع إلى أصحابه فقال : جئتـكم من عند خير الناس.‏

--------------------------------------------------------------------------------
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
التاريخ: 27/05/2007
عدد القراء: 9639