عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 02-06-2007, 11:35 PM
جهراوي جهراوي غير متصل
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 309
إفتراضي

ولهذا كانت عناوين الإسلام العامة كلّها ، تلقي في نفوس البشر ، الإطمئنان ، والراحة ، والإستبشار مما فيه ، فالإسلام من السلم ، والإيمان من الأمن ، والإحسان أعلى منازل الديـن ، كمـا الرحمة شعاره ، قال تعالى ( وما أرسلنا إلاّ رحمة للعالمين ) ، والخيريّة مناره ، قال تعالى ( كنتم خيـر أمة أخرجت للناس ) ، ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) والوسطية هي الخيرية ، حتى تقبله نفوس البشـر .

ولهذا كان الجهاد ذا أهـداف ترجع إلى تحقيق هذه المعانـي فحسـب ، لم يكن القتل فيه مقصودا لذاته ، ومن هنا لم يعرف التاريخ حروب أمـّة ، كانت أكثر إنضباطا من حروب المسلمين ، ولا أزكى أثاراً على الناس منها .

ويستفاد من هذا أنّ ظهور المشروع الجهادي في وسائل الإعلام يجب أن يكون الإنطباع العام فيـه ، والأشـد وضوحـا عليه ، هـو إبراز رسالة الإسلام السامية هـذه ، وإن احتيج إلى إرهاب العدو أحيانا فيجب أن لايطغى على هـذا الإطار ، بل يكون محتويا فيه .

نعم ، فالله تعالى جعـل هذه الأمّـة الخيّـرة معيارا ، فما شاع فيها من إستحسان وقبول فهو علامـة على الخيـر ، والعكس بالعكس ، وقد قال الحبر عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ( ما رآه المسلمون حسن فهو عند الله حسن ) ، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم شكر الأمّة عمل المؤمن عاجل بشراه ، ويجعل الله تعالى في قلوب عباده قبولا لمن يحبه .

ولايمكن لمشروع أن ينجح بالقوّة وحدها ، متجاهلا قبول الناس، وحسن إستقبالهـم لـه ، وأثـر سمعته الطيـّبة في نفوسهم ، فكيف إذا كان مشروع أمـّة الخير ، والرحمة ، والإحسان ، وقد ورد أنّ صلاة من أمّ قومـا وهـم له كارهون محجـوبة ، وأنّ شر الحكام من يلعـن الناس ويلعنونه ،

ومعلوم أنَّ الطغاة مهما حاولوا تشويه سمعة أهل الجهاد فإنهـم يفشلون ماداموا يكذبون دفاعاً عن باطلهم ، وإرضاءً لأعداء الأمـّة ، وستبقى الأمّة ـ إلاّ الذين في قلوبهم مرض والغوغاء ـ في ريبٍ مما يقول الطغـاة ، إنْ لم يكذّبوه ،

وأن التعاطف مع القائم بالحقّ على الطغـيان ، مركوز في نفوسهـم ، معقود في فطرهم ، حتى يقع في المشروع الجهـادي الخـلل ، فيضع في يـد عدوّه أعظـم سلاح يقاتله بـه ، وهو إزالة غطاء القبول والتأييد لـه في الأمـّـة .

كما هو معلوم أنّ من يبتغـي إلغـاء جهود الأمـّة ، ويتجهـّم لمشاريع الخير فيها ، ويحتقـر ما يفعله أهلُ الخيـر من غيـره ، وينظر إلى نفسه أنـّه الأمـل الوحيـد الرفيـع ، والنهـج الفـرد المنيـع ، فعاقبته الفشـل ، ونهايته الخطـل ، و( من قال هلك الناس فهو أهلكهـم ) حديث .

المراحـل ، المـراحـل

قد خلـق الله تعالى الدنيا في ستة أيام ، ونـقل خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم إلى التمكين التام عبر مراحل ، كان خطاب كلّ مرحلة يناسبها ، حتى تـمّ أمره ، ومضت الحكمة القائلة ( من استعجل الشيء قبل أوانه ، عوقب بحرمانه ) ، والجهـاد لايمكنه أن يحقق هدفه من التمكين إلاّ بمروره عبر مراحل التمكين ، ولن يحقق شيئا بالقفـز على المراحل إلاّ السـقوط ، ولا من حرقها إلاّ حـرق نفسه ،

وفي كلّ مرحلة يحتاج إلى صياغة خطاب سياسي يناسبها ، من غير تنازل عن الحـق ، ولا مداهنـة للجاهلية ، وكذلك كانت سيرة النبي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقـد وضع وثيقة صلح الحدييبية ، بحيث بدا ظاهرها ـ عند أحسن الناس فهما ـ أنها مجحفة للطرف الإسلامي ، وكانت في حقيقتها فتحا مبينا ، وكان خطابها قد اقتضى أن يؤجـل الصدام مع أشـدّ الناس عداوة له ، وأن يدخـل في حلف مع من لايؤمـن برسالته ، فقد دخلت خزاعة في حلفه ، واستغل هذه المرحلة ، ليخضع من حول دولته من الأعراب ، والقبائـل ، ، ثم بعد الفتـح ، انتقل إلى مرحلة ما وراء جزيرة العرب ، وهكذا كانت سيـرته .

ولايصنع الذين يقفزون إلى اسم التمكين دون مسمّاه ، وشعاره دون حقيقته ، سوى خداع النفـس ، وإلهاءها بالأماني ، وليس هذا حـلاّ لما يتوقّع من الصراع الداخـلي ، بل هـو استجلابٌ له ،

فلا يمنع من الصراع على ثمار الجهاد ، إلاّ ائتلاف الكلمة ، وتصافي القلوب ، بعد وحـدة الأهداف ، وتقارب الرؤى ، وتلك مهمـة قيادات من ذوي الرأي ، والحلم ، والعلم ، فهي التي تثمـر العواقب الرشيدة ، لا إلى السـلاح ، والدماء بين أهل الجهـاد ، فهذه تثـمر مزيدا منها لاغيـر ، وتنجـب الخراب فحسـب ،

وهذا ما عرفه أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، وابن الحسن رضي الله عنه ، فتركا الإحتكام إلى السلاح في عاقبـة أمرهما ، وآثرا العصمة من الدماء ، في مآلهما ، في قتال كانوا هــم فيه على الحق ، فكيف بقتال غيـر هذا ، وكيف في جيل غير جيلهـم ؟!


الأخلاق ، الأخلاق :

لقد وصف الله تعالى الرسالة التي بعث به خاتم النبيين صلى الله عليـــه وسلَّم قائـلا ( وإنك لعلى خلق عظيم ) وفي الحديث ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وبدأ النبيّ صلى الله عليه وسلم بتلاوة آيات القرآن الحاضّة بعد التوحيد ، على إكرام اليتيم ، وإطعام المسكين ، وإنقاذ الموءودة ، وكانت سيرته التي هيأ الله بها قبولـه قبل ذلك ، أنّه يقري الضيف ، ويحمل الكلّ ، ويغيث الملهوف ، ويصل الرحم ، ويعين على نوائب الحق ، وأنّه الصادق الأمين ، وختـم مشروعه في أوّل قرار اتخذه بعد التمكين بأن عـفا عن أعداءه حتى التي أكـلت كبد عمّه .

وليت شعري إنما يسود الناس بمكارم الأخلاق ، إن هـم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ، ولئن مكَّن الله تعالى دينه بغلاظ القـلوب ، لا أحـلام لهـم يعلمون بها فضيلـة الجـود على المخطئين بالعفـو ، ولايكرمون كريما ، ولا ينزلون الناس منازلهم ، ولا يعرفون لذي الحـقوق حقـوقهـم ، فإنه مضيّـع هذا الدين ، والله تعالى العليـم الحكـيم لايفعل ذلك ،

وانـظروا في الناس ، فمن رأيتموهـم زيّنهـم الله تعالى بمكارم الأخلاق ، وحـلاّهـم بحليتها ، فاعلموا أنـّه يسوّدهم بديـنه ، ويمكّنهـم بـه لامحالـة ، ومن رأيتموهـم بخلاف ذلك ، فسيضمحـلون لامحالة .

وعي الواقع، ومعادلة الصراع ، ومشاريع الأعداء

وقد وضع الله تعالى في الحياة سننا ، وجعلهـا أسبابا تثمر مسبّباتها ، فمن أخذ بأسباب النجاح ، أثمـرت له ثمارها ، ومن فـرّط فيها تشتَّت عليـه شمله ، وضاع عليه هدفه ، وحتى الأنبياء أمروا في صراعهـم مع أعداءهم ، أن يأخذوا بهذه الأسباب ، ولما حصـل التقصير فيها في معسكرهم حُبس عنهم النصر ، كما في قصة أحـد ، وحتى نزل قول الحق سبحانه ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا ، قل هو من عنـد أنفسـكم ) .

ومن أعظـم ما يفرح الطغاة ، ويستفيدون منه ، مشروعٌ جهادي ، جاهل بواقع الحياة ، في غفلة تامة عن معادلة الصراع في بيئته ، ساذج سياسيا لايدري عن حقيقة مشاريع الأعداء ، وطرق مكرهم وكيدهـم .

فينظرون إليه على أنه مادّة خام مثاليّة ، لتكريس طغيانهم ، أو لحرق المشروع الجهادي في إيجاد توازنات يحتاجها العـدوّ ، أو تغيير في توازنات موجـودة إلى حيث يستفيد من هذا التغيـّـر ، أو يحرق المشروع الجهـادي في صراع آخـر ، يقف بعد ذلك على حطامه محقـقا أهدافا طاغوتية لم يكن يحلم بتحقيقها لولا سذاجة القائمين على المشروع الجهادي .

إنّ توظيـف الجهـاد ممكن ، بل هو واقـع اليوم ،و

ستبدي لك الأيام ما كان خافيا ** ويأتيك بالأنباء من لـم تزوّد

ولهذا فإن المشروع الجهادي إذا لم يكن واعيا بكل التداخلات ، والتجاذبات بين القوى المتصارعة الدولية والإقليمية في ساحة وجوده ، فهـو مفرّط في أعـظم أسباب النجاح ، إذ المعرفة أعـظم قوة ، ومعرفـة العـدوّ على رأسها ، وحينئذ لن يجني إلاّ على نفسـه ،

ثـمّ إن أمّة العلم والوعي ، ليسـت مطالبة أن تسلك في مشاريع جاهلة ، أو تؤيـّد من يفـرّط فيما أمر الله تعالى به من الإعداد فيجني ثمار تفريطه .

والله أعلى وأعلم وهو حسبنا ونعم الوكيـل نعم المولى ونعم النصيـر
اللهم إني قد بلغـت اللهم فاشــهد ،،