عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 01-12-2004, 07:35 PM
أبو إيهاب أبو إيهاب غير متصل
مشرف
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2004
المشاركات: 1,234
إفتراضي درسوا الأديان الأخرى ، فهدوا إلى الإسلام !!! ( حلقة رقم 2 )

أكملت رحلتى عبر أفغانستان عائدا مرة ثانية إلى هرات التى كنت قد ابتدات منها ، وكنا نقترب من الشتاء عام 1926 ، وهكذا تركت هرات فى المرحلة الأولى لطريق العودة للوطن ، مستقلا القطار من الحدود الأفغانية إلى " ماف " فى التركستان الروسية ، ثم إلى سمرقند ، بخارى إلى طشقند ومن ثم مارا بسهول التركمان إلى جبال الأورال ، ثم موسكو .
وهالنى الدعاية والمعلقات التى تهاجم الدين والألوهية أينما أحل أو أرتحل " وسأتوقف عن ذكرها لأنها مقززة " .
وبشعور بالراحة عبرت الحدود البولندية ، بعد أسابيع من أمضيتها فى آسيا ، وروسيا الأوروبية . واتجهت مباشرة لفرانكوفرت حيث الجريدة التى أعمل بها حيث استلمت عملى . ولم يمض وقت طويل حتى اكتشفت أنه أثناء غيابى ، قد أصبح اسمى مشهورا ، وأنى الآن أعتبر من المراسلين المرموقين فى وسط أوروبا . فبعض مقالاتى ... خصوصا تلك التى تناولت النفسية الدينية المعقدة للإيرانيين - والتى قد جاءت نتيجة لملاحظات علماء شرقيين بارزين ، واستقبلت أكثر من أنها معارف عابرة . ونتيجة لأهمية هذا الإنجاز ، فقد دعيت لإلقاء مجموعة من المحاضرات فى أكادمية الجغرافيا السياسية ببرلين - حيث قيل لى أنه لم يسبق أن حدث من قبل أن شخصا فى حداثة السن مثلى " حيث كنت حينئذ فى السادسة والعشرين " ، قد منح هذا الإمتياز . كما قمت بتدبيج مقالات أخرى عامة بتصريح من مجلة " فرانكفورت زيتنج " ، فى صحف أخرى ؛ وقد أعيد طبع إحدى المقالات كما أعلم ثلاثون مرة تقريبا . وبمعنى آخر ، فإن رحلاتى الإيرانية ، قد أثمرت ....
وفى هذا الوقت تزوجت : إلسا " . السنتان اللتان أمضيتهما فى الخارج ، لم يضعفا من حبنا البعض ، بل زادته قوة ، وبسعادة غامرة لم أشعر بها من قبل ، استقبلت تعليقاتها على الفرق الكبير فى السن بيننا .
" ولكن كيف تتزوجنى ؟ " ، بدأت فى النقاش معى . " أنت لم تصل بعد للست والعشرون عاما ، وأنا فوق الأربعين ، ألا تفكر فى ذلك ، حينما تصل للثلاثون ، سأكون أنا فى الخامسة والأربعون ، وحينما تصل أنت للأربعون ، سأكون إمرأة عجوز ... " .
أخذت فى الضحك ! " وما فى ذلك ؟ " ، إننى لا أرى مستقبلا بدونك .
وأخيرا سلمت للأمر .
لم أبالغ حينما قلت لها إننى لا أرى مستقبلا بدونك . جمالها ، ورقتها الفطرية ، جذبتنى إليها بحيث لا أرى أى امرأة أخرى ؛ وحساسيتها فى فهم ماذا أريد من الحياة ، أضاء أمالى ، ورغباتى ، وأصبحت من الصلابة بمكان وأكثر إدراكا ، وطغت على تفكيرى فى ماذا أعمل ؟
فى أحد المناسبات - بعد حوالى أسبوع من زواجنا ، أبدت لى هذه الملاحظة ّ : " كم أنت غريب الأطوار عن كل الناس ؟ يجب عليك أن تخفض من روحانيات فى الدين ... أنت صوفى النزعة ! - حساس فى صوفيتك ، تشير بأصابعك إلى ما حولك فى الحياة ، ولك رؤية متعمقة روحانية فيما يدور حولك يوميا من أشياء - بينما تمر مثل هذه الأشياء على الآخرين بلا إكتراث ... ولكنك حينما تتجه إلى الدين ، فكلك تركيز ... مع الناس الآخرين فالوضع بالعكس تماما ...
ولكن إلسا لم تكن فى حيرة ، فهى تعلم عن ماذا أبحث حينما أتكلم معها عن الإسلام ؛ وبالرغم من أنها لم تكن فى نفس درجتى من الإضطرار ، إلا أن حبها لى جعلها تشاركنى تساؤلاتى .
كثيرا ما كنا نقرأ القرآن سويا ، ونتناقش فى أفكاره ؛ وكانت إلسا كما كنت أنا ، معجبين بالتمساك الداخلى بين تعاليمه الأخلاقية ، وإرشاداته العملية . فاستنادا إلى القرآن " الكريم " ، فالله لم يدع الإنسان إلى أن يتضرع إليه معصوب العينين ، بل لابد له أن يعمل عقله ؛ لم يتنح الله بعيدا عن الإنسان ، بل هو أقرب إليه من حبل الوريد ؛ لم يخط الله خطا فاصلا بين الإيمان والسلوك الإجتماعى ؛ والشئ الذى يعتبر فى غاية الأهمية ، أن الإسلام لم يبدأ من بديهية أن الحياة محملة بالصراع بين الروح والجسد ، وأن النجاة هى فى تحرير الإنسان من قيود الجسد . كل مظهر من مظاهر أنكار الحياة ، وتحقير الإنسان لنفسه ، أدانها الإسلام فى أحاديث لرسول الله " صلى الله عليه وسلم " ... مثل " لاحظ " .. " أعتقد أنه أراد أن يشير هنا إلى حديث الثلاثة الذين قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : من رغب عن سنتى فليس منى " . فالإنسان مطالب بأن يعيش حياته كاملة وبشكل إيجابى ، فما منحت غرائزه إلا لتؤدى ثمرتها ، ولكن ليستخدمها بطهر وأخلاق وفى محلها الصحيح . ومن التعاليم للإنسان : أنه ليس لك فقط أن تعيش حياتك ، بل المفروض عليك أن تعيشها بكل أبعادها .
صورة متكاملة للإسلام تنبثق فى ذهنى وبشكلها النهائى وبتحديد ، مما أدهشنى أحيانا ! كانت تتشكل فى عملية من الممكن أن أسميها تفاعلات ذهنية - وبدون وعى منى ، فقد بدأت تتجمع من أجزاء متفرقة ومنتظمة ، فإذا وضعت هذه المتناثرات بعضها إلى بعض ، رأيت نظاما هندسيا دقيقا ، أخذ ذهنى يجمعه فى السنوات الأربع الماضية ، لأرى بناء كل عناصره متناسقة منسجمة ، تتجمع لتتمم وتعاضد بعضها البعض ، لا شئ فيه ينقصه ، ولا شئ يزيد عن متطلباته - متزن وهادئ ، يعطى الإنطباع بأن مسلمات الإسلام كلها فى وضعها الصحيح .
منذ ثلاثة عشر قرنا مضت ، " يلاحظ أن الكتاب قديم " وقف رجل وهو يقول : " ما أنا إلا رجل هالك ، ولكن الذى خلق الكون أوحى إلى أن أحمل رسالته لكم ، حتى تعيشوا منسجمين مع كل خلقه ، وقد أمرنى بأن أذكركم بوجوده إلاها له كل القدرة وكل العلم ، وقد وضع لكم منهاجا للسلوك الصحيح ، إذا قبلتموه فلتتبعونى ... هذا كان هو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذه كانت رسالته .
النظام الإجتماعى الذى أعلنه ، كان من البساطة التى تربط مفرداته بالعظمة الحقيقية . بدأ بالتسليم بأن الإنسان كائن حى له متطلبات حيوية ، وهذه المتطلبات تخضع للحل والحرمة اللذان يقرهما الله سبحانه وتعالى ، وأن الإنسان اجتماعى بطبعه يجتاج إلى مجتمع يحيط به ، ولكى يحقق إحتياجاته الثقافية والأخلاقية والطبيعية ، فلابد أن يعتمد كل على الآخر . إن ازدهار القوام الروحى للإنسان ( وهو هدف كل الأديان ) ، يعتمد عما إذا كان يتلقى دعما ، وتشجيعا ، وحماية له ممن حوله . هذا التكافل الإجتماعى ، يظهر السبب لماذا يهتم الإسلام بالنواحى العامة الإقتصادية والسياسية ، ولا ينفصل عنها . ولتنظيم علاقات إنسانية بطريقة عملية بحيث لو قابل أى فرد بعض العقبات ، يجد التشجيع اللازم لتنمية شخصيته : هذا ، ولا شئ آخر ، يبدو أنه هو مفهوم الإسلام للوظيفة الحقيقة للمجتمع . وهكذا كان من الطبيعى أن التشريع الذى أتى به سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام خلال ثلاثة وعشرون عاما من مبعثه ، لا يرتبط فقط بالنواحى الروحية ، بل يمتد ليشمل الإطار لكل الأفراد وللمجتمع أيضا . يشمل ليس فقط مفهوم النقاء الفردى ، ولكن يتضمن المجتمع العادل الذى يؤدى هذا النقاء إليه . كذلك يتضمن الخطوط العريضة للمجتمع السايسى ... أما التفاصيل فمتروكة للتطورات التى تحدث مع الزمن المتغير ... كما يحدد حقوق الأفراد وواجباتهم نحو المجتمع اذى يعيشون فيه ، آخذا بعين الإعتبار حقيقة ما يجد من أمور . الشريعة الإسلامية تتضمن كل مناحى الحياة ، أخلاقية ، طبيعية ، فردية ، إجتماعية ، العلاقة بين الجسد والروح والعقل ، الجنس ، الإقتصاد ، كل ذلك جنبا إلى جنب ، مع اللاهوت والعبادة ، كل أمر من الأمور له وضعه فى تعليمات النبى عليه السلام ، ولا شئ يخص الحياة ينظر إليه على أنه تافه ليخرج من دائرة التصور الدينى ... ليس حتى مثل هذه القضايا الدنيوية ، كالتجارة ، والميراث ، وحق الملكية ، وإمتلاك الأراضى .