عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 25-09-2001, 08:26 PM
المؤيد الأشعري المؤيد الأشعري غير متصل
عضو فعّال
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2000
المشاركات: 226
Post الحديث الضعيف هل يقبل أم يرد؟؟

بســـم الله الرحمن الرحيـــــــم

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، الحمد لله الذي لم يزل بالإنعام منعما وبالجود موصوفا وبالإحسان محسنا جواد لا يبخل وغني لا يفتقر، واحدٌ أحد لا ند ولا شبيه ولا مثيل له، تعالى الله عن الأضداد والمشابهات سبحانه كان ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان، والصلاة السلام الأتمَّان الأكملان على الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليما كثيرا.. وبعد

إن السنة النبوية الشريفة هي المصدر التشريعي الإسلامي الثاني بعد كتاب الله عز وجل، فكم عنيَ به علماء هذه الأمة من الحفاظ والمحدثين بتنقيح الحديث وتنقيته من الكذب والوضع المشين على سيد المرسلين وقائد الغر المحجلين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قسموا الحديث حسب رجاله الذين يروونه من كان منهم ثقة عادل ضابط لما يحفظ اعتمد عليه، ومن خالف ذلك إما جعلوه حسن أو ضيف وهذا يترتب على حال الرواة من باب علم الجرح والتعديل وهو أحد علوم الحديث الشريف .

بالنسبة للضعيف وهو ما خالف أحد شروط الحديث الصحيح من اتصال في السند أو الضبط أو العدالة أو وجد فيه شذوذ و وجد له علة قادحة، فهل هذا النوع من الحديث يعمل فيه من باب فضائل الأعمال والترغيب والترهيب وفي الأحكام؟؟
بالنسبة للحديث الضعيف يعمل به في باب الترغيب والترهيب ومن باب الحث على الأعمال الصالحة وفضائلها من غير أن تذكر الحديث بصورة قطعية بل تذكره بصورة تمريضية بأن تقول "يروى" و "قيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" وهكذا فيفهم منه بأنه حديث ضعيف، وهذا هو عمل الحفاظ وعلماء هذه الأمة .

طبعا لا يذكر الأحاديث المكذوبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمكذوبة بل يذكر وضعها ومنكرها ومتروكها وبيَّن سبب وضعها والواهي الذي فيه المتهم بالكذب .
والحديث الضعيف يقع على مراتب منها الضعيف أو المضعَّف أو الليّن وهو الذي فيه ضعفٌ خفيف فهذا يحتج به عند كثير من الأئمة في الأحكام تصريحا ويقال عنه "صالح" يعني صالح الاحتجاج وهذا هو الأعم والأشمل عند المحدثين والحفاظ من العلماء .

والثاني وهو المتوسط الضعفِ الذي فيه سيئ الحفظ أو المضطرب وما في معناهما فهما يدخلان في باب الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال وهذا هو رأي كثير من العلماء قالوا به ....

ثم نستعرض على حضراتكم النصوص في العمل بالحديث الضعيف في الأحكام وفي غيرها من فضائل الأعمال والترغيب والترهيب من قول العلماء المتأخرين والمتقدمين .
نبدأ بعد الاستعانة بالله العلي القدير نقول .
روى الهروي في ذم الكلام جزء الثاني صفحة 179-180، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قلت لأبي: رجلٌ وقعت له مسألة وفي البلد رجل من أهل الحديث فيه ضعف، وفقيه من أهل الرأي، أيهما يسأل؟
قال: لا يسأل أهل الرأي، ضعيف الحديث خير من قوي الرأي .

وقال محمد بن حزم في كتابه " الإحكام في أصول الأحكام" جزء السابع صفحة 45:
"قال أبو حنيفة: الخبر الضعيف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى من القياس، ولا يحل القياس مع وجوده" .
على الرغم من أن محمد بن حزم متشدد إلا أنه لم يخالف الأئمة هنا ونجد من يصرح بالعمل بالحديث الضعيف إذا لم يوجد في الباب غيره .

وكان الإمام الشافعي رضي الله عنه يحتج بالمراسيل إن لم يجد سواهم هذا كما ذكر شيخ الإسلام تاج الدين السبكي .
وذكر الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء جزء السابع صفحة 114 أن الإمام الأوزاعي يحتج بالمقاطيع ومراسيل أهل الشام .

وفي شرح الكوكب المنير (2/573) قال الخلال: " ومذهبه ــ أي الإمام أحمدــ أن الحديث الضعيف إذا لم يكن له معارض قال به ..الخ" .

وفي رواية قال: طريقي لست أخالف ما ضعف من الحديث إذا لم يكن في الباب ما يدفعه .

وقال القاضي أبو بعلى: قد أطلق أحمد القول في الأخذ بالحديث الضعيف .

وقال: قال أحمد: الناس كلهم أكفاء إلا الحائك والحجام والكساح، فقيل له: تأخذ بحديث "كل الناس أكفاء" وأنت تضعفه؟

قال الإمام أحمد: إنما نضعف إسناده ولكن العمل عليه .
أعلموا وفقني الله وإياكم أن العلماء المحدثين منقسمين من متقدمين ومتأخرين، فالمتأخرين هم من زمن الإمامي البخاري ومسلم وما بعدهما وهم يقولون بالحديث الصحيح وهي وراية عدل ضابط عن مثله من غير شذوذ ولا علة وهذا هو المعني الخاص به وقسموا الأحاديث حسب معانيها الخاصة من صحيح وضعيف وحسن دون الالتفات إن كان معمول به أم لا أو أنه لا يصلح الاستدلال به، بينما المتقدمين وهم من زمن الشيخين البخاري ومسلم وما قبلهم يرون أن الحديث الصحيح هو المعمول به بغض النظر إن كان صحيح بالمعنى أو حسن أو بعض الضعيف من الأحاديث .

وهذا ما أشار إليه الإمام الصنعاني في بعض مؤلفاته حيث قال:
" إنَّ الحديث الصحيح بالمعني الأخص عند المتأخرين من حوالي زمن البخاري ومسلم وهو ما رواه العدل الحافظ عن مثله من غير شذوذ ولا علة، وبالمعنى الأعم عند المتقدمين من المحدثين وجميع الفقهاء والأصوليين هو المعمول به، فالصحيح الأعم يشمل الصحيح بالمعنى الأخص والحسن وبعض الضعيف .

فإذا قال المحدث من المتأخرين هذا حديث غير صحيح فإنما نفى معناه الأخص باصطلاحه فلا ينتفى الأعم وحينئذ فيحتمل أن الحديث حسن أو ضعيف أو غير معمول به، فيجب لأجل هذا الاحتمال البحث عن الحديث، فإن كان حسنا أو ضعيفا معمولا به كان مقبولا وإن كان ضعيفا غير معمول به كان غير مقبول ولا ترد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمجرد القول المحتمل" انتهى .

هذا القول تجدونه في كتاب "التحفة المرضية" ص 185 - 186
ففي نفس الكتاب ص186 : " وقال السيد العلامة عبد القادر بن أحمد الكوكباني شيخ الإمام الشوكاني في بعض مؤلفاته:
(( إذ قال المتأخرون من المحدثين: هذا حديث غير صحيح أو لا يصح، لم يكن معناه أن الاستدلال به مردود ولا أنه غير معمول به، بل لم نجد لهم حرفا مصرحا بذلك، فإذا قال المتأخرون في حديث : إنه غير صحيح أو لا يصح ولم يزد على ذلك، كان قوله مقبولا ثم يبحث عنه فإن كان حسنا أو ضعيفا معمولا به عمل به وإلا ترك)) انتهى .

فعلم من كلامه أن الضعيف اليسير لا يكون سببا في رد الحديث بل ينبغي أن ينظر للعمل .

وبالنسبة أن الضعيف لا يعمل به في الأحكام، فإن ذلك ليس على عمومه لأن الضعيف اليسير ليس مقطوعا في عدم نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقول الإمام العلامة المحدث السيد/ عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله في كتابه "القول المقنع" ص4 ما نصه:
" على أن قولهم: لا يجوز العمل بالضعيف في الأحكام، ليس على عمومه، لأن الأئمة عملوا بالحديث الضعيف في كثير من الأحكام، وللحافظ ابن الملقن كتاب جمع فيه الأحاديث الضعيفة التي عَمل بها الأئمة مجتمعين أو منفردين، ورتبه على الأبواب الفقهية، وهو جدير بأن يطبع، وفي تدريسي لنيل الأوطار بزاويتنا الصديقية لفت أنظار الطلبة إلى الأحاديث التي عَمِل بها الأئمة أو الجمهور، وهي ضعيفة مع علمهم بضعفها" انتهى .

ولذلك تجد الأئمة الحفاظ أخذوا الأحاديث الضعيفة المعمول بها وأثبتوها في كتبهم مع علمهم بضعفها ونرى من يشتمونهم من المتعالمين في عصرنا هذا ويصفونهم بالتساهل في الأخذ بالأحاديث ، فهذا دليل على جهله وعدم إدراكه لحقيقة الأمور وواقعه .

أما في مسائل الترغيب والترهيب والتي تحدث في فضائل الأعمال والوعظ والزهد فالضعيف هنا من الأحاديث فإنه يعمل به ويتساهل بالأسانيد في هذه الأبواب مع المراعاة بالأمور الآتية .
إن كان الراوي صدوق ثقة في روايته ... فهذا يحتج بحديثه .
إن كان الراوي صدوق ورع ولكن له أخطاء وسهو يعمل بحديث الذي يرويه في فضائل الأعمال وغيرها ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام .
وإن كان الراوي من الكذابين الوضاعين ...فهذا يترك حديثه ويطرح ويحذر منه وبين حقيقة أمر ذلك الراوي الوضّاع الكذاب .
إن الأئمة ذكروا في مصنفاتهم التساهل في الفضائل في المقابل التشدد في الأحكام، ولم يفهموا منه إلا العمل، وهو ما صرح به عدد من الحفاظ، كابن الصلاح والنووي والعراقي والزركشي وابن الملقن والحافظ ابن حجر والسخاوي والسيوطي وغيرهم رحمهم الله، فتجدهم يقولون كما يقول الإمام عبدالرحمن بن المهدي والإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله .

فيقول عبدالرحمن بن المهدي " إذا روينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحلال والحرام وفي الأحكام شددنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال، وإذا روينا في فضائل الأعمال والثواب والعقاب والمباحثات والدعوات تساهلنا في الأسانيد" انتهى .

وقد روى جمّ من السلف وجمع من الخلف فيما يروى عنهم كابن المبارك وابن المهدي وابن حنبل أنهم تساهلوا في رواية الحديث الضعيف الذي في إسناده مقال، إذا كان في الترغيب والترهيب والقصص والأمثال والمواعظ كما يجوز رواية الحديث الضعيف الوارد كما يجوز العمل به عند الجمهور .

قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
" إذا روينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحلال والحرام شدَّدنا في الأسانيد وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فضائل الأعمال، وما لا يضع حكما ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد " انتهى.

ثم بعد ذلك نرى الألباني ومخالفته للسادة العلماء من الحفاظ المتقدمين والمتأخرين في هجر الضعيف وعدم العمل به ونرى رأيه في هذه المخالفة.

فتابعونا----->