عرض مشاركة مفردة
  #27  
قديم 13-11-2005, 03:27 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
إفتراضي

يقول الحق تبارك وتعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة:14]
قال تعالى: ((يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ (171)))النساء
وقال أيضاً: ((إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (26)))البقرة
وقال عز من قال: ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ(77) )) المائدة
وقال أيضاً: ((مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13))) نوح

منذ عقود والعاصمة الأردنية عمان تعيش أجواء أمن وسلام في محيط مضطرب. تلك المدينة الوادعة التي تقع على جبال شامخة.. يساعد العيش فيها على صفاء النفس وراحة البال بسبب مناخها الرائع وأهلها المسالمين.. تلك هي بلدي التي ولدت فيها وعشت فيها معظم سنوات حياتي، والتي شهدت أول ركعة صليتها لله تعالى، وأول آية من القرآن الكريم تعلمتها..
هذه الأجواء الآمنة المطمئنة كانت دوما سببا عندي لحمد الله وشكره على تلك النعمة التي ننعم بها في هذا البلاد. وكثيرا ما كنت أكرر قراءة آيات دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام في الركعة الثانية من صلاة العشاء "رب اجعل هذا البلد آمنا".. وكأنني بهذا الدعاء أودّع كل نهار مضى بالأمن والسلام وأستقبل الليل آملا في صباح آمن آخر، كما أدعو لأهلي وهم على أسرَّتهم.. آملا أن يحفظهم الله لي، لأراهم قرة عين في الصباح والمساء... وكأن البلاد عندي ترقد على جانبي وتنام بوداعة كما ينام الطفل.

وعمان تمتاز بأجواء عربية أصيلة مضيافة.. لا يساورها صَلَف أو استكبار أو مظاهر خادعة غالبا... الناس مسالمون.. يحبون الحياة ويحلمون بغد أفضل.. يرحبون بضيوف الأردن دون تشنج أو مشاعر عداء لأحد.. تختزن ذاكرتهم صور ومعاني غياب الأمن والاضطراب والتشرد عن الوطن، لذا فهم أحرص الناس على الأمن الذي كان مطمح آبائهم وأجدادهم. فمن العجيب أن كانت هذه المدينة ملجأ الباحثين عن الأمن والحياة الأفضل من فلسطين ومن بعض الدول العربية المجاورة الأخرى في مراحل متعددة قريبة وبعيدة.. وكذلك من المسلمين الفارين بدينهم منذ بداية القرن الماضي من بلاد القفقاس من شركس وشيشان.. بل ومن أرمينيا المسيحية أيضا.
كنت ولا زلت أقدر نعمة الأمن التي أنعم الله علينا بها في هذه البلاد، وأدعو لبقائها واستمرارها، لعلمي أن الأمن هو القاعدة التي يرتكز عليه نشر الدين ونشر قيمه السامية وسلْمه للعالم أجمع. ولعل الملفت للنظر أن نرى أن دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام، الذي سجله القرآن الكريم، قد ابتدأ بالدعاء لأمن البلاد قبل أن يدعو الله تعالى لتثبيت أسس التوحيد وتجنب الشرك وعبادة الأوثان. ولعل في هذا درسا لكل من يظن أنه يعمل على نشر الدين أو الدفاع عنه أو الدفاع عن المظلومين. فمن ظن أن نشر الفزع والرعب والاضطراب سيكون السبيل إلى نشر الدين فهو مخطئ أشد الخطأ. إن نشر الرعب والفزع والإرهاب لن يؤدي إلا إلى مزيد من الاضطراب ومزيد من التردي. وسيعلو عندها صوت الرصاص والتفجيرات على صوت العقل والمنطق، وستتبدل القلوب التي يجب أن تكون خاشعة لله تعالى، والتي يجب أن تكون مليئة بالرحمة على بني نوع الإنسان إلى قلوب قاسية تنتشي برؤية القتل والدمار ودماء الأبرياء. وإن ساد غياب الأمن، لا سمح الله، فإن صوت الدين الحق سيصبح خافتا مقهورا، وسيصبح المؤمنون مستضعفين يخافون أن يتخطفهم الناس. أما الأمن فإنه يفتح الساحة والمجال لكي يرتفع صوت الحق دون خوف أو رعب. فلا حاجة للدين بالبطش ولا بالقوة المادية ولا بالإكراه لكي يرى الناس نصاعته وسمو قيمه وتعاليمه. لذلك فقد كان أعداء الدين دوما هم أعداء الأمن ولم يكن المؤمنون على مدار التاريخ إلا حراسا للأمن وناشرين للسلم. بينما أدرك الأشرار منذ القديم أن الأمن سيكون قاعدة انتشار الدين الذي لا يجدون حيلة لهم للتصدي له بالحجة والبرهان، فعلى كل شخص أن ينظر في أي صف هو يقف.
ولذلك كان ينبغي على الإرهابيين، من منظرين ومن أتباع أغرتهم تلك الشعارات الفارغة، أن هذه الوسيلة ليست الوسيلة الملائمة لتوحيد الحق جل وعلا، ولا للتغيير، ولا لإعادة الناس إلى دينهم، ولا لتحقيق حقوق الأمة، ولا الدفاع عن مصالحها. فلو كانوا يريدون التوحيد ويريدون محاربة الشرك لكانوا أحرص الناس على الأمن وعملوا على الحفاظ عليه. فتلك هي البيئة الملائمة لنشر الدين ونشر التوحيد والإشارة القرآنية فيها واضحة أشد الوضوح، فليتهم يرون الحكمة من دعاء إبراهيم عليه السلام.

أما الأساليب الدنيئة والوسائل الخبيثة التي يستخدمونها في أعمالهم فمن أعجب العجائب أن يكون هنالك من لديه القدرة على تبريرها بإلباس الحق بالباطل. فالإسلام يأمر بالصدق والأمانة والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ويحث على الالتزام بتلك المبادئ في كل الظروف وفي كل الأحوال. فكيف يمكن تبرير عمل ملطخ بالكذب والغدر والخيانة والظلم والإسراف وقطيعة الرحم والإساءة إلى القريب والبعيد؟!.. هذا فضلا عن أخذ الأبرياء بجريرة غيرهم من الخاطئين المجرمين، في نظر هؤلاء، الذين لا يستطيعون أن يصلوا إليهم؟! وغير ذلك الكثير مما يثير الاشمئزاز من الأعمال الدنيئة والجبانة.

أن المظالم التي حلت بالأمة الإسلامية قد عملت على تفجير هذه الظاهرة ووصولها إلى هذا الحد الخطير، إلا أن جذور هذه الظاهرة كانت ولا تزال مستحكمة في العديد من مدارس الفكر الإسلامي بلا شك أيضا، وما كانت العوامل الخارجية إلا المحفز لبروزها. لذا فإن معالجة هذه الظاهرة لن تكون إلا بتتبع هذه الجذور واقتلاعها بالحجة والبرهان. لأن الدم يقوي تلك الدعوات التي تعيش على الدم. وليكن معلوما أن العديد من مدارس الفكر الإسلامي، التي تبيح أعمال الإرهاب بشكل جلي أو غير جلي أو مباشر أو غير مباشر، ستبقى تقدم قاعدة وإمدادا للإرهابيين طالما لم تعالج تلك القضايا من جذورها. والأخطر من ذلك أن تستخدم بعض الحكومات في العالم وأجهزتها الخفية هؤلاء الإرهابيين بشكل مباشر أو غير مباشر لتحقيق بعض المآرب السياسية الداخلية والخارجية، وقد ثبت أن استخدامهم لن يكون في مصلحة أحد، وأن مستخدِميهم قد يكونون أول من سيستهدفهم هؤلاء الإرهابيون في المستقبل بعد أن تنتهي فترة استخدامهم!

لذلك فلا بد من الحوارالذي لا بد أن يترك أثره على الجميع، بما فيهم هؤلاء الذين أغراهم الفكر الإرهابي والذين هم فينا وبين ظهرانينا. فلو اتسعت رقعة الحوار تحت أجواء الأمن، ولو فتحت أبواب النقاش والجدل بالتي هي أحسن حول كل الأمور الهامة دون تشنج أو تعنت أو تكفير، لقطعنا شوطا كبيرا في التخلص من تلك الظاهرة. ولعل الأمن المميز الذي كان يعيشه الأردن، ولا يزال إن شاء الله، كان مبعثه اتساع ساحة الحوار بشكل مميز عما هو عليه في العالم العربي والإسلامي. إلا أن المحيط العربي والإسلامي متداخل ويتأثر ببعضه البعض، والمسألة تحتاج إلى عمل جاد على مستوى إقليمي وعالمي. فطوفان الإرهاب مؤهل للانتشار وعندها لن تصمد أي جزيرة في ذلك المحيط المضطرب. لذلك فإن ما يحدث يجب أن يكون ناقوسا يدق في كل البلاد العربية والإسلامية لفتح باب الحريات والحوار، ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر وأدب الاختلاف التي هي من صلب التعاليم الإسلامية السمحة.

إن كان من يقف وراء التفجيرات الدموية التي وقعت في عمان-- فهو إرهابي قاتل عدو للإنسانية.. ولا يمكن لأي عاقل أن يرى بتلك الأعمال، إلا أنها من فعل قوى ظلامية تستهين بالأرواح البشرية وتسعى لنشر الخوف بين الجماهير، وتهدف لإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة وضرب الاقتصاد في الأردن وخصوصا قطاع السياحة الأكثر نجاحا.. الأمر الذي سيكون الشعب الفلسطيني أول ضحاياه، عندما تطوى قضيته وتدخل في عالم النسيان.

كيف يفجرون أنفسهم بالنساء والشيوخ والأطفال يعتبرون أنفسهم شهداء ومجاهدين وما بالك إذا كانوا أيضاً مسلمين، ألم يسمعوا قول رسول الله في خطبة الوداع : ( لا تحاسدوا. ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض. وكونوا، عباد الله! إخوانا. المسلم أخو المسلم. لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى ههنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام. دمه وماله وعرضه. وفي رواية : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر نحو حديث داود. وزاد. ونقص. ومما زاد فيه : إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم. ولكن ينظر إلى قلوبكم. وأشار بأصابعه إلى صدره.حديث صحصح
وأخيراً أود أن أقول أنه لي أخوه وأقارب وأصدقاء كثيرون في مدينتي الحبيبة قدموا أرواحهم واستشهدوا في حروبهم في العراق وفلسطين والشيشان وأفغانستان.
والحكم الشرعي هنا - والله تعالى أعلم - بأنَّ الإرهاب يكون مشروعًا إذا كان ترويعًا لغير الآمن بأمان الدين والدار وأنَّ الإرهاب لا يكون مشروعًا إذا كان ترويعًا للآمنين بأمان الدين أو الدار سواء أكان الهدف منه تحقيق غرضٍ شرعيٍّ مقطوعٍ به أو مظنون فيه وأعتقد أن من كان في العرس فقد كان آمن الدين والدار . ويقول تعالى : {لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(الممتحنة: 9).
والحكم بالتحليل والتحريم حق لله سبحانه (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ )[الأنعام:57].. أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف:54].. قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف:32].


يتبــــــع
__________________