عرض مشاركة مفردة
  #3  
قديم 27-11-2006, 02:07 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Post

إن حقيقة الأمر في موقف ابن الزبير رضي الله عنه مثل باقي كبار الصحابة الذين نصحوا الحسين بعدم الخروج، والحجة في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد حسن قال: لقي عبد الله بن الزبير الحسين بن علي بمكة فقال: يا أبا عبد الله بلغني أنك تريد العراق، قال: أجل، فلا تفعل، فإنهم قتلة أبيك، الطاعنين بطن أخيك، وإن أتيتهم قتلوك . المصنف (7/477) .
ولما علم ابن عمر بخروج الحسين أدركه على بعد ثلاث مراحل من المدينة فقال للحسين أين وجهتك؟ فقال: أريد العراق، ثم أخرج إليه كتب القوم، ثم قال: هذه بيعتهم وكتبهم، فناشده الله أن يرجع، فأبى الحسين، ثم قال ابن عمر: أحدثك بحديث ما حدثت به أحداً قبلك: إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يخيره بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنكم بضعة منه، فوالله لا يليها أحد من أهل بيته، ما صرفها الله عنكم إلا لما هو خير لكم، فارجع أنت تعرف غدر أهل العراق وما كان يلقى أبوك منهم، فأبى، فاعتنقه وقال : استودعتك من قتيل . ابن سعد في الطبقات (5/360) وابن حبان (9/58) وكشف الأستار (3/232-233) بسند رجاله ثقات . وعند غيرهم .
لكن هذه النصائح والتحذيرات لم تثن الحسين عن إرادته وعزمه على الخروج نحو الكوفة .
وهنا يبرز سؤال ملح : وهو كيف يجمع عدد من الصحابة وكبراؤهم وكبار التابعين وأصحاب العقل منهم، ومن له قرابة بالحسين على رأي واحد وهو الخوف على الحسين من الخروج وأن النتيجة معروفة سلفاً، وفي المقابل كيف يصر الحسين على رأيه وترك نصائح الصحابة وكبار التابعين؟
والإجابة على هذا السؤال تكمن في سببين اثنين :-
الأول : وهو إرادة الله جل وعلا وأن ما قدره سيكون وإن أجمع الناس كلهم على رده فسينفذه الله لا راد لحكمه ولا لقضائه سبحانه وتعالى .
الثاني : وهو السبب الواقعي الذي تسبب في وجود الأمر الأول، وهو أن الحسين رضي الله عنه أدرك أن يزيد بن معاوية لن يرضى بأن تكون له حرية التصرف والبقاء بدون حمله بالقوة على البيعة، ولن يسمح يزيد بأكثر مما حدث، فرسل تأتي ورسل تذهب ودعوة عريضة له بالكوفة، كل هذا يجعل الحسين يدرك أن موقفه في مكة يزداد حرجاً، وهو يمانع البيعة للخليفة دون أن يكون هناك ما يبرر موقفه بشكل واضح، ثم إن خشية الحسين من وقوع أي مجابهة بينه وبين الأمويين في مكة هو الذي جعله يفكر بالخروج من مكة سريعاً، وهو ما أكده لابن عباس، ولعل الأمر الذي جعله يسارع في الخروج إلى الكوفة هي الصورة المشرقة والمشجعة التي نقلها له ابن عمه لحال الكوفة وأنها كلها مبايعة له .
وفي نظري أن مسلم بن عقيل والحسين رضي الله عنهما لم يكونا يحيطون بكثير من أمور السياسة، فمسلم بن عقيل وثق في تلك الآلاف المبايعة للحسين وظن أن هؤلاء سيكونون مخلصين أوفياء ولم يجعل في حسبانه أن العاطفة هي المسير لتلك الأعداد، فكان على مسلم بن عقيل أن يستثمر الوضع لصالحه وأن يعايش الواقع الفعلي حتى يخرج بتصور صحيح، وأما أن يرسل للحسين منذ الوهلة الأولى ويوهمه بأن الوضع يسير لصالحه، فهذا خطأ كبير وقع فيه مسلم بن عقيل، ثم إن الحسين رضي الله عنه وثق بكلام مسلم بن عقيل وصدق أن الكوفة ستقف معه بمجرد مجيئه إليها، ونسي أن الكوفة هي التي عانى أبوه منها أشد المعاناة من التخاذل والتقاعس وعدم الامتثال لأوامره ثم كانت النهاية باغتياله رضي الله عنه، ثم إن أخاه الحسن واجه الغدر والمكيدة من أهل الكوفة، وكان يحذره منهم حتى على فراش الموت، ثم إن الذين نصحوه يحملون حساً سياسياً واضحاً فالكل حذره وبين خطأه الذي سيقدم عليه، ومن المستحيل أن يكون كل الناصحون على خطأ وأن فرداً واحداً هو على الحق وبالأخص إذا عرفنا من هم الناصحون، لكنه قدر الله، وحدث ما حدث وقتل الحسين في معركة كربلاء .


يتيــــــــــــــــــــــــــع
__________________