عرض مشاركة مفردة
  #12  
قديم 09-02-2004, 03:38 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

الحديث الثاني

مجيء جبريل ليعلم المسلمين أمر دينهم

وعن عمر رضي الله عنه أيضا قال: ( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه.
فقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه!
فقال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت.
قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل.
قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان.
ثم انطلق فلبثت مليًّا، ثم قال: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) رواه مسلم.
هذا الحديث حديث عظيم أيضًا، سماه بعض أهل العلم أم السنة، سمى هذا الحديث أم السنة، يعني: كما في القرآن أم القرآن، فهذا الحديث أم السنة؛ لأن جميع السنة تعود إلى هذا الحديث.
فإن الحديث فيه بيان العقيدة، والعقيدة مبنية على أركان الإيمان الستة، وفيه بيان الشريعة، وذلك بذكر أركان الإسلام الخمسة، وفيه ذكر الغيبيات والأمارات؛ بل قبل ذلك فيه ذكر آداب السلوك، والعبادة، وصلاح توجيه القلب، والوجه إلى الله -جل وعلا- بذكر الإحسان، وفيه ذكر الساعة وأمارتها، وهذا نوع من ذكر الأمور الغيبية ودلالات ذلك.
فهذا الحديث يعود إليه جل السنة، كما أن قول الله -جل وعلا- في آية النحل: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {90}سورة النحل.
قال طائفة من مفسري السلف: دخل في هذه الآية جميع أحكام الدين، جميع الدين في هذه الآية، وجميع أصول الأحاديث النبوية في هذا الحديث، وهذا الحديث معروف بحديث جبريل، وروايته على هذا الطول عن عمر رضي الله عنه وروي أيضًا، مقطعًا ببعض الاختصار في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
وهذا الحديث فيه ذكر الإسلام والإيمان والإحسان، وفيه أن هذه الثلاثة هي الدين؛ لأنه في آخرها قال -عليه الصلاة والسلام-: ( أتاكم يعلمكم دينكم ) فإذًا الدين الذي هو الإسلام منقسم إلى ثلاث مراتب: الإسلام، والإيمان، والإحسان.
وهذا نخلص منه إلى قاعدة مهمة وهي أن الاسم العام قد يندرج عنه، قد يندرج فيه أنواع منها الاسم العام؛ لأن الإسلام هو الدين فجمع هذه الثلاثة: الإسلام والإيمان والإحسان؛ فالإسلام منه الإسلام، وهذا مهم في فهم الشريعة بعامة؛ لأن من الألفاظ ما يكون القسم هو اللفظ ذاته، يعني: أحد الأقسام هو اللفظ ذاته، وله نظائر إذا وجد هذا، فالاسم العام غير الاسم الخاص.
ولهذا نقول: الاسم العام للإسلام يشمل الإسلام والإيمان والإحسان، وليس هو الاسم الخاص إذا جاء مع الإيمان ومع الإحسان؛ لهذا لم يلحظ هذا الأمر طائفة من أهل العلم، فجعلوا الإسلام والإيمان واحدا، ولم يفرقوا بين الإسلام والإيمان حتى عزا بعضهم هذا القول لجمهور السلف، وهذا ليس بصحيح، فإن السلف فرقوا ما بين الإسلام والإيمان إذا كان هذا في مورد وهذا في مورد، إذا كان الإسلام والإيمان في مورد واحد.
وأما إذا كان الإسلام في مورد والإيمان في مورد، يعني: هذا في سياق وهذا في سياق، هذا في حديث وهذا في حديث، فالإسلام يشمل الدين جميعًا، والإيمان يشمل الدين جميعًا، فإذًا هذا الحديث فيه بيان الإسلام بمراتبه الثلاث.
( إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ) في هذا مدح لهذه الصفة وإحداهما مكتسبة والأخرى جبلية، أما شدة سواد الشعر، فهذه جبلية لا تكتسب، ولا يجوز أن يصبغ بالسواد لمن ليس بذي سواد، وأما شدة بياض الثياب، فسياق هذا الحديث يقتضي مدح من كان على هذه الصفة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الثياب البيض، وكان يلبسها، وأمر بتكفين الموتى فيها -عليه الصلاة والسلام-.


.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }