3 ـ المؤثرات الأسرية :
ذكرنا فيما سبق أن الأطفال يتشبهون دائماً بآبائهم وأمهاتهم ، ويقلدونهم في حركاتهم وتصرفاتهم ، ويأخذون منهم الكثير من الصفات والعادات ، وقد اتضح من الدراسات التي أجراها العديد من العلماء أن الأطفال ذوي المشكلات الشخصية هم في الغالب ينتمون إلى أسرٍ يعاني فيها أحد الوالدين ،وربما كلاهما من نفس المشكلات .
فقد أوضحت الدراسات التي أجريت على العديد من أسر الأطفال المراهقين ذوي المشكلات الشخصية ، وجود العديد من الخصائص التي تجمع بين الوالدين والأبناء ، ومن بينها التسلط والقسوة ، والتحكم الزائد ، فالوالدان يعلّمان أطفالهما ،سواء عن قصد أو دون قصد ، أن العالم من حولهم مخيف ، وأن الفرد الذي يعيش فيه يتعرض تلقائيا للتوتر والقلق، ويحذرونهم باستمرار من أن أي أخطاء يرتكبونها تعرضهم للنبذ والرفض من الآخرين .
إن هذه الأساليب تسبب للطفل الشعور المستمر بالخجل مما يجعله يتجنب لقاء الآخرين ، أو جلب انتباههم لكي لا يتعرض للنقد أو الرفض ، وبالتالي يسيطر عليه الجبن والعزلة الاجتماعية .وقد تلجأ عض الأسر إلى توجيه النقد لأطفالهم باستمرار من أي عمل أو تصرف تأتوا به ، فهم ينتقدونهم على مظهرهم ، أو ملابسهم ، أو عاداتهم ، أو خصائصهم الشخصية ، أو أصدقائهم ،أو قدراتهم وإنجازاتهم الدراسية ، وقد يوجهون لهم صفات سيئة جداً ، كأن يصفونهم بالغباء ،أو القبح أو التفاهة ،وغيرها من الصفات السيئة التي تؤثر بالغ التأثير على حالتهم النفسية .
كما أن بعض الأسر تغالي في حرصها الشديد على أطفالها ،وتسعى لتوفير الحماية الزائدة لهم من المخاطر المحتملة ، وتحذرهم باستمرار من الآخرين ، أو من الكلاب أو غيرها من الحيوانات ويحاولون أن يصوروا لهم صورة مفزعة عما يمكن أن يحدث لهم إن هم ابتعدوا عنهم ، وهكذا يخلقون لدى أطفالهم شعوراً بأن ذويهم يحاولون فعلاً تجنب المواقف والناس لشعورهم بالخطر .
وفي أحوال أخرى تحاول بعض الأسر تشجيع أطفالها على تأكيد ذاتهم ، واستقلاليتهم ، وقد يوجهون لهم العقوبة إذا ما مارسوا أموراً تعبر عن عدم الاستقلالية بتوجيه الاتهامات لهم بعدم الكفاءة والقدرة ،وفي أحيان كثيرة يشجعون أطفالهم على اتخاذ القرارات بأنفسهم ، لكنهم يعاقبونهم إذا أخطأوا ،وقد نجد البعض يشجعون أطفالهم على التحدث وفي الوقت نفسه يخبرون الآخرين الجالسين معهم بأن طفلهم يشعر بالخجل ، وغير ذلك من الصفات التي تعبر عن عدم الكفاءة ، وهذه الازدواجية في التعامل مع أطفالهم يمكن أن تعرضهم إلى الكثير من المشاكل النفسية كالارتباك والقلق ، والغضب ، والجمود .
ينبغي على الوالدين وعلى المربين أن يحرصوا على عدم توجيه أي عبارات تنم عن الاستهانة بالأطفال ، أو تحط من قدرهم أو قابليتهم ،او إشعارهم بالإحباط إذا ما أخطأوا في عمل ما ، فالذي لا يعمل هو فقط الذي لا يخطئ . إن الواجب يقتضي منا تقويم أخطائهم إن حدثت بروح من التفهم والاحترام لمشاعرهم ، وتنمية شعورهم بالثقة بالنفس ، وبعث الشجاعة الأدبية لديهم لكي نمكنهم من مواجهة المجتمع والعالم المحيط بهم بكل همة ونشاط وهم على اكمل استعداد .
.. يتبع ..