عرض مشاركة مفردة
  #17  
قديم 11-01-2007, 08:08 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

4ـ موقفه من الأحزاب السياسية العراقية ..

لو تأملنا ظاهرة معاداة نظام العراق الوطني الذي كان يرأسه الشهيد، لقفزت الى أذهاننا صورة حافلة أو طائرة ركابها يتوحدون في الاتجاه ويختلفون في سبب السفر، فمنهم من هو ذاهب لمراجعة طبيب ومنهم ذاهب للتسوق ومنهم من ذاهب لمأدبة، وكل مسافر له شأن. وهكذا شأن من كن العداوة لثورة 17ـ30تموز .. وقد حاول قسم منهم أن يضع لسبب عداءه قالبا أعطاه اسم حزب، وإن كان هذا الموضوع لا يمكن تغطيته بعجالة كهذه، بل قد يحتاج مئات الكتب للبحث فيه .. مع ذلك سنحاول تكثيف تلك المسألة بما ينسجم مع العنوان الذي ابتدأنا به الحديث ..

تمهيد

لو نظرنا الى موقع العراق الجغرافي وقاربنا تاريخيا أنماط الحكم التي تعاقبت عليه في العصر الحديث لرأينا أن فكرة تكوين الأحزاب العراقية كان لها ما يسبقها من ظروف أسهمت في إيجادها، وعلى العموم لم يكن للأحزاب ذلك التأثير في الحياة السياسية العامة، وعلى الأقل لعام 1955، وهي قد انبثقت في البداية مما أشرنا إليه من تأثير للموقع الجغرافي و التطور التاريخي الذي أنشأ فكرة الإقطاع و القوة البرجوازية ومن ثم ( الإنتلجنسيا) العراقية .. ولا بأس لو توقفنا قليلا عند تلك البؤر التكوينية والتي لها صلة بما آل إليه وضع العراق:

الإقطاع :

كانت حكومات (فارس) الجار الشرقي للعراق، وحكومات (تركيا) التي كانت تدير العراق في العهد العثماني، تلجأ لجمع الضرائب من خلال اقتطاع مساحات واسعة من الأراضي لأشخاص لهم نفوذهم الاجتماعي في القدرة على إدارة جمهور الفلاحين، وإعطاء الدولة الحاكمة حصتها.. ويقوم هؤلاء الإقطاعيون بمساعدة الدولة برفدها بالجنود و فرض الأمن على المناطق التي يديرونها..

وهكذا كان الشأن في العراق حتى عام 1958. وقد دلت الإحصاءات أن 2619 ملاك كانوا يملكون 72ألف كم2 من الأراضي العراقية، و272 ملاك كانوا يملكون 24ألف كم2، وكانت الأسرة المالكة تملك وحدها 712كم2 من أجود أراضي العراق الزراعية.*1

ومن يفحص 59 وزارة استلمت الحكم في العراق منذ 1920ـ 1958 يجد أن 23 رئيس وزراء قد تناوبوا على الحكم و 175 وزيرا بمعدل 4.7 مرة لكل واحد، سواء من رؤساء الوزارة أو الوزراء أنفسهم. وسيجد أن تصنيفهم يعود الى أصول اجتماعية مختلفة فملاك الأراضي كان منهم رئيس وزراء واحد هو ( عبد المحسن السعدون) و أصحاب العقارات والأراضي 18 رئيس وزراء أي بواقع 84% من الصنفين المرتبطين بفكرة الإقطاع. في حين أن المثقفين و الموظفين كان منهم 4 رؤساء وزراء.. في حين كان الوزراء بنسبة 77% من أصل إقطاعي و 23% من المثقفين ..*1

بعد سن قانون الإصلاح كان لا بد من هؤلاء الذين أممت أراضيهم أن يتخذوا موقفا معاديا من الحكم الوطني و يغادروا العراق منذ نهاية الخمسينات (أمثال أحمد الجلبي) .. ويشكلوا تجمعات ظاهرها التحسر على الوضع العراقي وهي في الواقع تعبيرا عن مصالحهم الضائعة ..

البرجوازية العراقية :

يعتبر الحديث عن البرجوازية العراقية من المواضيع الشائكة التي لا يمكن تغطيتها بيسر دون المزيد من الشرح، الأمر الذي لا يتحمله هذا المقام. ولكن ممكن الإشارة الى أن افتتاح قناة السويس وازدياد الحركة التجارية العالمية تجاه منطقتنا قد أثر على عمليات التحويل في تكوين الكمبرادورية والبرجوازية بشكل أكثر وضوحا مما سبقها. وفي العراق اضمحل عدد الحرفيين من الحائكين (مثلا) من 34ألف حائك في بغداد وحدها الى 120 حائك منذ فتح قناة السويس الى الحرب العالمية الأولى*3 . وقد هلل سكان بغداد عندما حاول (محمود الشابندر) تأسيس محطة لتوليد الكهرباء في (الأعظمية) عام 1912 و محاولة تأسيس (ترامواي ) كهربائي لربط الأعظمية ببغداد.*4

تراكم رأس المال في أيدي تجار، ومغامرين حتى طوروا صناعاتهم و تجارتهم فنشأت بؤر لفئات جديدة، لم يكن العراق على عهد بها، فتطورت صناعات الصابون والنسيج والسجائر وغيرها. ونمت أشكال من الثقافات الطموحة التي كانت تسافر وتقيم علاقات مع خارج العراق على هامش تلك التطورات. كل ذلك من الذين عاشوا تلك الأجواء لم يرق لهم الحديث عن تغيير النظام السياسي، ولم يهمهم سوى استقرار مصالحهم، وقد تأذى قسم منهم في مراحل التأميم فهرب من هرب برأسماله، وبقي من بقي على مضض من التغييرات التي حدثت، وهم بذلك يعبرون عن ذاتهم أو ذواتهم الجماعية المرتبطة بمصالحهم.

العشائر و العسكر و التدخل في الحياة السياسية:

تعتبر العشائر العراقية بطريقتها للتعامل مع مسألة الدولة ( في العهد الملكي) امتدادا طبيعيا للنمط في عهد الإقطاع ( بالحكم العثماني) .. وكانت القوى المؤثرة في الوسط العشائري بالعهدين، تقف باستمرار مع الدولة طالما أنها تؤمن مصالحها. وقد انتبهت الدوائر الاستعمارية و ـ لا زالت ـ تهتم في إخضاع هذه الميزة في المناطق العربية وتكيفه وفق ما يسمى بالديمقراطية التوافقية، فتوحي للحكومات التي تدور في فلكها في تخصيص مقاعد للبدو والأقليات وحسب الطوائف، لتبقي المجتمع مقسما و ـ غب الطلب ـ لتقوم باللعب به ..

كما انتبه الحكام في مناغاة رؤساء العشائر والتزاور معهم و مواصلتهم وإعطائهم بعض الامتيازات، وأحيانا كانت بعض العشائر لا يكتفي زعمائها بما يقدم لهم من أعطيات فتتمرد، فترميها الدولة بالجيش و العسكر، وقد كانت العشائر مسلحة لغاية العشرينات من القرن الماضي فقدرت البنادق الموجودة في حوزة العشائر 100ألف بندقية في حين كانت 15ألف بندقية لدى الجيش العراقي*

تطور التكوين الحزبي في خمسينات القرن الماضي


كانت الظروف السابقة التي انتشرت في العهد الملكي قد أوجدت أشكالا من الأحزاب يشكلها رؤساء الوزراء وتتماهى مع الظروف التي تحدثنا عنها. لكن في الخمسينات ظهرت أحزاب تأثرت في المحيط العربي وما كان يتعلق بقضية فلسطين، ومن ثم ما تلا ذلك بعد ثورة مصر عام 1952، ظهر نمط من الفكر، تخطى دور العشائر والرؤية الحكومية القائمة، وأخذ يخاطب الطبقات المسحوقة من الفلاحين والعمال والطلبة والكسبة والمثقفين، فلامس ذلك الفكر نفوس هؤلاء، وكان على رأس تلك النوعية من الأحزاب، حزب البعث العربي الاشتراكي، وأصبح خطرا على نظام الحكم، ولم يركن هذا النوع من الأحزاب على فكرة الترخيص من الدولة، كما كان معهودا بين الأحزاب السابقة ..

يتبع

المراجع:
*1ـ محمد توفيق حسين: نهاية الإقطاع في العراق ص 106
*2ـ صفحات من تاريخ العراق المعاصر/ د كمال مظهر احمد/ مكتبة البدليسي/ 1987/ ص 38
*3ـ المصدر نفسه
*4ـ المصدر نفسه
*5ـ الصراع على السلطة في العراق الملكي/د نزار توفيق سلطان الحسو/ ص46.
__________________
ابن حوران