عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 27-07-2006, 02:19 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile إسرائيل في حربها الأخيرة أصغر من حجمها بكثير..!

إسرائيل في حربها الأخيرة أصغر من حجمها بكثير..!



الحرب في لبنان وفلسطين ليست حربا عادية، ولا يمكن تصنيفها ضمن الحروب التي خاضها العرب في مواجهتهم مع إسرائيل في النصف الثاني من القرن الماضي وما سبق ذلك بقليل.

فهذه الحرب من أخطر الحروب وإن كانت الأنظمة العربية غير منتبهة إليها في غمرة ما أصابها من ضرر وشلل، ذلك أن جنوب لبنان هو آخر معقل لمواجهة إسرائيل وجها لوجه ولا نحسب أن جنوبا آخر سيتشكل في المستقبل على الخريطة السياسية العربية.

ومهما بدت إسرائيل قوية وعنيفة في حربها المسعورة على لبنان وفلسطين، فإنها في الواقع تكشف عن جوانب متعددة من إفلاسها السياسي والعسكري.

إذ تظهر هذه الحرب فشل إسرائيل في إمكانية التعايش السلمي مع الشعوب الأخرى، وعدم قدرتها على الوفاء بوعدها لشعب إسرائيل في توفير عوامل الاستقرار والطمأنينة وإقامة علاقات متوازنة مع دول المنطقة.

وعلى الرغم من ترسانة الأسلحة الضخمة والمتطورة التي تمتلكها إسرائيل، وإمكانيات الدفاع والقدرات الجوية الهائلة، تأتي هذه الحرب لتؤكد فشل إسرائيل في تحقيق الأمن القومي الإسرائيلي الذي طالما وعدت به شعب إسرائيل أثناء سعيها إلى جمع شتات يهود العالم وتوطينهم في أرض الميعاد.

فقد خاضت إسرائيل في النصف الثاني من القرن الماضي حروبا طويلة مع الجانب العربي، ووقعت معاهدات سلام مع كل من مصر والأردن ومنظمة التحرير، إلا أنها في واقع الأمر ظلت معزولة ولم تتمكن من تحقيق أهدافها.

وفيما هي الآن تدفع بكل آلاتها الحربية، وبكل ما تملكه من أسلحة متطورة وفتاكة وتفوق جوي وتستدعي جنود الاحتياط لمواجهة حزب الله في جنوب لبنان، تبدو إسرائيل الآن أصغر مما بدت للعالم.

وأمام المجتمع الدولي تظهر إسرائيل في هذه الحرب وكأنها ما تزال بعد في حالة مفرطة في البدائية، وإن النظرة المتوحشة في إنسان الكهوف لتظهر وتتجلى في ضرباتها الجوية وقذائف مدفعيتها وصواريخها الموجهة ضد الأطفال والشيوخ والنساء وضد كل أشكال المدنية والإنسانية.

فهي ترد على أسر الجنود الثلاثة بقسوة بالغة، فتأسر الوزراء والنواب وتدمر البنى التحتية في لبنان وقطاع غزة، وتهدم الجسور، وتدمر المطارات، وتهاجم قوافل الإغاثة وسيارات الإسعاف والمباني السكنية ولا تكاد تفرق بين البشر والحجر.

فالجندي الأسير في نظر إسرائيل، أعلى درجة وأغلى من كل العلماء، ومن كل رجال دين، ومن كل رجال الفكر والأدب والتجارة والاقتصاد والسياسة الذين يسقطون جراء هذه الحرب المتوحشة بنيران الصواريخ وشظايا القنابل.

والقائد العسكري في نظر إسرائيل، الذي يستهلك جنوده في ميدان القتال ويجبرهم على الموت في سبيل نشوة كاذبة أنبل من كل دعاة السلام في العالم.

هذه هي ثقافة الحرب والموت التي وعتها ذاكرة شعب إسرائيل منذ أن استوطنوا أرض فلسطين، وهيأ لهم قادتهم ورؤساء حكوماتهم مجالا يموتون فيه موتا أقل ما يقال فيه أنه ملوث بدماء الأبرياء وأصحاب الحقوق الشرعيين بدل أن يموتوا موتا شريفا في ميادين التنافس الأخلاقي والفضيلة.

إن إسرائيل بما ترتكبه من فظائع وانتهاكات للشرعية الدولية وحقوق الإنسان، إنما تدين نفسها بنفسها، وتكشف للعالم عن مستوى أخلاقيات هذه الجيش الدموي ومشاعر حكومته اللإنسانية تجاه أبناء الشعوب في المنطقة بأسرها، فهي دولة لا يؤمن جانبها ولا تعايش بين الحمائم والثعابين.

على أن هذه الحرب الشرسة قد تكون علاجا للشعب العربي الذي دب في بنيته الضعف والترف والانحطاط، ولعلها تثير في نفوس العرب الغرائز التي أفرزتها ظاهرة السلام مع دولة لا تعرف إلا الحرب. فالحرب هي الدواء أحيانا لما نشأ عن السلام من تهاون وتقاعس وتفريط بالكرامة الإنسانية، وكلما رغب الشعب عن الحرب اقترب أكثر فأكثر من التدهور وتهيأ لقبول حالة من الذل والهوان لا ينفع معها العلاج أبدا.

والسؤال هنا لماذا عندما ترسل أمريكا قنابلها وأسلحتها وخبراتها إلى إسرائيل نقف نحن موقف المتفرج ولا نرسل لا أسلحتنا ولا حتى موقفنا الصارم تجاه ذلك؟؟!!!!
وهل سيتم الخيار في احتلال لبنان من جديد إما من قبل الجيش الاسرائيلي أو قوة دولية لا تخدم سوى اسرائيل؟؟؟!!!!

كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية تطرح مجددا فكرة الشرق الأوسط الجديد، وهو شعار سبق أن أطلقه شمعون بيريز على أثر اتفاقات السلام، ولم تكن إسرائيل تؤمن به، لأنها تنطلق من عقيدة القلعة المغلقة التي تخشى الذوبان في المحيط العربي.

قبل ذلك كان الرئيس الأميركي جورج بوش قد أطلق شعار الشرق الأوسط الكبير، وباع الفكرة لمجتمع الدول الثماني الكبرى، وما هي إلا أفكار يقصد فيها البعد والإلتفاف حول قضايا أساسية تدور لإكساب اسرائيل الوقت الكافي لتحقيق بعض أهدفها، ولكن شيئا لم يحصل على أرض الواقع، سوى العدوان الأميركي على العراق واحتلاله وتدمير الدولة العراقية، وهذه عينة لما يمكن أن تأتي به مشاريع الشرق الأوسط الأميركية.

لنجاح أي مشروع أميركي يهدف لإحداث تغيير جوهري في الشرق الأوسط لا بد من تعاون العرب الذين يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه المنطقة المضطربة، لكن العرب لن يتعاونوا مع أميركا لأنهم لا يثقون بها بسبب انحيازها الأعمى لجانب إسرائيل.

صورة أميركا في نظر العرب تقول إنها لن تتحرك إلا لخدمة إسرائيل كما تدل التجارب العملية، أما مصالح الدول والشعوب العربية فتأتي في نهاية قائمة الأولويات، وبالتالي فإن الشرق الأوسط الجديد ليس سوى إقليم تقف إسرائيل على رأسه، وتسيطر عليه سياسيا وأمنيا واقتصاديا. وإذا كان الأمر كذلك فلا حاجة بنا لهذا المشروع.

رايس تأتي إلى المنطقة ليس لإطفاء الحريق بل للتأكد من استمراره حتى يتم حرق باقي الأرض اللبنانية، فهي ترى أن استمرار إطلاق النار هو الوضع الطبيعي، وأن وقف إطلاق النار يحتاج لظروف وشروط غير متوفرة حاليا في رأيها، وعليه فإنه يجب أن يستمر طالما أن إسرائيل تريد مهلة أطول لإكمال مهمتها، وهي تصفية المقاومة التي تهدد أمنها.

الغريب في الأمر أن أميركا تعتبر حكومة لبنان المنتخبة حكومة صديقة تستحق الدعم والمساندة، ومع ذلك فإنها تتخلى عنها وتسمح لإسرائيل بإضعافها وربما إسقاطها، ذلك أن إسرائيل تأتي أولا، أما أصدقاء أميركا فدورهم أن يكونوا ضحايا أو جوائز تقدمها أميركا لهذه الجهة أو تلك، وبذلك تؤكد أميركا سياستها الثابتة في التخلي عن الأصدقاء.

لم يعد العربي أو المسلم قادراً على التمييز بين إسرائيل وأميركا، وهذا وضع لا يستفاد منه إطلاقاً.
__________________