عرض مشاركة مفردة
  #2  
قديم 06-02-2007, 08:38 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

إثيوبيا من الهضبة الى الإمبراطورية ..

عرفنا أن إثيوبيا الهضبة هي النواة لإثيوبيا المعاصرة .. وقد بقيت تلك النواة ثابتة على كل العصور .. وقد كانت بمثابة جزيرة مسيحية تتراجع عند الشدائد وتكتفي بالهضبة، ثم تتحين الفرص لتتمدد الى ما خارجها .. وقد كان الجذر لسكان تلك الهضبة يتكون من ثلاث مكونات عرقية هي: (الأمهرا و التيغران و الغلا ) وعاشت تلك العروق في المرتفعات حول بحيرة (تانا) من جنوب (أديس أبابا) .. وقد مررنا على ما آلت إليه تلك الدولة في عهد ملكها القوي (منليك الثاني) .. ويمكننا تقسيم مراحل تطور الأوضاع السياسية في إثيوبيا الى:

المرحلة الأولى 1882ـ 1913م

تبدأ هذه المرحلة ببداية التوسع الإيطالي في إريتريا عام 1882، وتنتهي بوفاة (منليك الثاني) عام 1913 والذي اكتملت في عهده صورة إثيوبيا المعاصرة، فيما عدا الوضع الخاص بإريتريا ..

وفيما بين هذين التاريخين شهدت المنطقة فرض الحماية البريطانية على الصومال عام 1884 وانسحاب مصر من المنطقة وقيام الصومال الإيطالي في 20/5/1889، هذا فضلا عن النزاع الإثيوبي الإيطالي، خاصة حول أوغادين وهود.

كان التوسع الإيطالي في إريتريا قد بدأ منذ 5/7/1882 رغم أن بريطانيا قد عقدت مع مصر معاهدة في 7/9/1877 اعترفت فيه بسيادة مصر على كل سواحل الصومال حتى رأس (جافون). وبدأت إيطاليا بوضع يدها على (عصب)، ثم أسرعت بمد نفوذها شمالا وجنوبا، فاحتلت (بيلول) في 25/1/1885، بعد انسحاب المصريين منها، واحتلت (مصوع) في 25/2/1885 قبل انسحاب المصريين منها.. وتوغلت غربا واستولت على (زولا)، كما مدت نفوذها جنوبا حتى أصبحت جنوب شرق (سواكن) بحوالي 160كم، لتكون وجها لوجه أمام الفرنسيين في مستعمراتهم في (أوبوك) ومقابلين ل (باب المندب).. وهكذا بسط الطليان نفوذهم على إريتريا بموافقة (بريطانيا).

في هذه الأثناء قام الملك (منليك الثاني) وبتنسيق مع الطليان بحملاته التوسعية شرقا، فيما بين 1871و 1876م ضد قبائل (الوالوغالا) كما قام بغزو إمارة (هرر) فضمها لملكه.. ثم ضم (أوغادين) الى إثيوبيا برضا (بريطانيا) التي ساعدها في إخماد الثورة المهدية في السودان لصالح بريطانيا .. ونرى هنا كيف أن بريطانيا و إيطاليا ساعدت الملك (الإثيوبي) كل على حدا، بشكل يتضاد مع مصالح الفرنسيين ..

كانت إيطاليا تغض النظر عن توسع الإثيوبيين، لكنها لم توفر أي فرصة في تحسين وضعها حتى لو كان على حساب الإثيوبيين أنفسهم، فقد تحرك الطليان ليحتلوا جنوب إثيوبيا والتي نتج عن هذا الاحتلال توقيع معاهدة (أوتشيالي) المعروفة والتي كانت نسختها الإيطالية تختلف عن نسختها (الأمهرية ـ الإثيوبية) إذ أنه في النسخة الإيطالية تبين المعاهدة أن إثيوبيا كلها تعتبر (محمية إيطالية) ..

واستغلت إيطاليا الظروف لتمد نفوذها على بلاد الصومال الواقعة بين الصومال الإنجليزي وسلطنة (زنجبار) لتنتزع بعدها اعترافا دوليا، بأن سيطرتها تمتد من النيل الأزرق حتى سواحل البحر الأحمر بما فيها (كسمايو أو قسمايو) ..

أدى هذا النشاط الإيطالي الى فك العلاقة بين الطليان والإثيوبيين، الذين تحولوا في تعاونهم الى الجانب الإنجليزي .. وأدى تصاعد سوء العلاقات الى مواجهة عسكرية استطاع الإثيوبيون أن يهزموا قوات الجنرال الإيطالي (باراتيري) بعد قتال استمر ثلاثة أيام في موقعة (عدوة) الشهيرة .. وسيبقى هذا النصر الذي دوت أصداءه في كل إفريقيا .. وشكل غصة في حلق الطليان، لم ينسوه حتى عهد (موسوليني) .. وقد كان من نتائج هذه الحرب أن أصبحت إثيوبيا قوة ودولة معترف بحدودها، كما ألغيت على إثر تلك الحرب معاهدة (أوتشيالي).

المرحلة الثانية 1914ـ 1954

بموت (منليك) عام 1913 ونشوب الحرب العالمية الأولى، شهد القرن الإفريقي عدة تغييرات أهمها:

1ـ غزو إيطاليا واحتلالها لإثيوبيا بين عامي 1935و 1941.
2ـ سيطرة بريطانيا على كل الأراضي الصومالية التي كانت تتنازع عليها مع إيطاليا وإثيوبيا.. (عدا جيبوتي)..

خلف (منليك) في حكم إثيوبيا (ليج ياسو)، إلا أنه ولتحالفه مع ألمانيا خلع عن العرش عام 1916، ونصبت بدلا منه (زوديتو) بنت (منليك) وعين الرأس (تافري ماكونن) وصيا على العرش. وبعد وفاة الإمبراطورة التي انكمشت البلاد في عهدها، اعتلى العرش (هيلاسيلاسي) عام 1930.

فر (هيلاسيلاسي) الى المنفى بعد أن عجز في مقاومة الاحتلال الإيطالي الذي ضم إثيوبيا رسميا مع إقليم (أوغادين) الى ممتلكات إيطاليا.. ووجه دعوة في منفاه الى عصبة الأمم لمؤازرته.. وبهزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، فدخلت بريطانيا (أديس أبابا) وضمت الممتلكات الإيطالية الصومالية لها.. وكان هذا الحدث قد وحد الصوماليين الى مقاومة الاستعمار البريطاني.. حيث منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949 إيطاليا في إدارة الأراضي الصومالية لمدة عشر سنوات. ولم تتعاون إثيوبيا مع الأمم المتحدة في رسم الحدود فيما بينها وبين الصومال..

المرحلة الثالثة من عام 1955 فما بعد :

استطاعت إثيوبيا أن تحصل من بريطانيا على إقليم (هود) وإقليم (أوغادين)، كما استطاعت من قبل أن تحصل على (إريتريا) عام 1952، لتطل على البحر الأحمر لأول مرة .. ودفعت ثمنا لهذا القبول بخط الحدود بينها وبين الصومال، والذي لم يكن خط حدود بمعنى الكلمة، بل كان خطا فلكيا يتكلم عن خطوط عرض وخطوط طول، بصرف النظر أين تقع تلك الخطوط، مما أبقى المشكلة قائمة حتى اليوم ..فعندما استقل الصومال عام 1960 ظهر النزاع حول الحدود مجددا، وقد رأينا أن أطماع إثيوبيا لم تتوقف، وشاهدناها في التحالف ضد المحاكم الإسلامية في الصومال مؤخرا ..

وسنفرد بالحلقة القادمة الحديث عن إريتريا، معتبرين أنها دولة حدودية غير عربية!
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس