الموضوع: صور وتعليق
عرض مشاركة مفردة
  #518  
قديم 28-01-2006, 04:14 PM
أحمد ياسين أحمد ياسين غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 6,264
إفتراضي

قد يقال هنا، ولكن لماذا تشارك حماس في وضع من هذا النوع؟ وهنا نشير إلى معارضتنا لتلك المشاركة من الأصل، إيمانا منا بأن خيار الأقلية مشكلة، لكن خيار الأغلبية مشكلة أكبر.

غير أن المؤيدين الذين لم يخطر ببالهم الفوز بالغالبية بحال من الأحوال رأوا إمكانية تحقيق جملة من المكاسب من الوجود في المجلس التشريعي، على رأسها تخفيف أعباء المرحلة السياسية الجديدة ممثلة في خريطة الطريق ومتطلباتها التي تستعيد متطلبات أوسلو في مطاردة الفصائل وتفكيك بنيتها التحتية.

من هنا يمكن القول إن حماس ستكون إزاء مشكلتين أساسيتين، تتعلق أولاهما بإصلاح أوضاع السلطة أجهزة أمنية ومؤسسات، وتتعلق الثانية بالمقاومة والتفاوض، والسؤال هو كيف ستتصرف الحركة إزاء هاتين المشكلتين.

بالنسبة للمشكلة الأولى الأكثر تعقيدا من وجهة نظري يمكن القول إن ما سيزيدها تعقيدا هو سلوك حركة فتح التي لن تألو جهدا في السعي إلى إفشال التجربة بكل الوسائل الممكنة المشروعة وغير المشروعة.

وسيكون عماد تحركها هو العمل على استمرار السيطرة على مفاصل السلطة، وعدم السماح لحماس بإحداث تغيير جوهري فيها، ما يعني أن غنمها سيكون لفتح، أما غرمها أمام الناس فعلى حماس.

إنها تلك المعادلة التي ستشتغل بها فتح مع الأسف، وتتمثل في منح حماس الحكومة مفرغة من مضمونها، ما يذكر بمقولة لعبد الوهاب الآنسي، أحد قيادات التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي في اليمن الذي شغل منصب رئيس الوزراء في حكومة التحالف مع حزب المؤتمر الحاكم خلال التسعينيات، حيث قال، "شاركنا في الحكومة ولم نشارك في السلطة".

"
محاولة حماس إحداث تغيير سريع في الوضع قد تواجه بردة فعل عنيفة من قبل فتح، وقد تفضي إلى انقلاب على شاكلة الانقلاب الجزائري
"
من المؤكد أن محاولة حماس إحداث تغيير سريع في الوضع قد تواجه بردة فعل عنيفة من قبل فتح، وقد تفضي إلى انقلاب على شاكلة الانقلاب الجزائري، مباشرة أو من خلال الاحتجاج بتضارب الصلاحيات مع الرئيس المنتخب، وهو قائد فتح عمليا.

وهذا الأمر قد يفضي إلى حل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ استنادا إلى حساسية الوضع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني.

لمواجهة هذا الموقف المعقد، وفي ظل صعوبة المواجهة مع حركة فتح وكلفتها الباهظة على الشعب الفلسطيني، فإن على حماس أن تفكر، وهي قد تفعل ذلك، بحكومة "تكنوقراط" يرأسها شخص مستقل مشهود له بالنزاهة تكون مهمتها معالجة الأوضاع الداخلية أمنيا ومؤسسيا من أجل تخفيف أعباء الحياة على الشعب الفلسطيني.

وإذا قيل إن الخارج الأميركي والأوروبي لن يقدم للفلسطينيين مساعدات، فإن على حماس أن تلجأ إلى الدول العربية وإلى الشارع العربي والإسلامي برمته تحت شعار ساعدوا الفلسطينيين في مواجهة من يريدون إذلالهم.

وفي اعتقادي أن المدد سيكون كبيرا، لا سيما حين يكون شعار المقاومة هو المتبنى في مواجهة الاستخفاف الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني وحقوقه.

بوسع مثل هذه الحكومة أن تبادر إلى إصلاحات تخفف أعباء الحياة على الفلسطينيين، في ذات الوقت الذي تساعدهم فيه على مواجهة الضغوط الإسرائيلية والدولية، ومن ثم أعباء المقاومة عندما يكون الخيار هو استمرارها بعد انتهاء التهدئة بتوافق وطني.

المسألة الثانية التي ستواجه حماس هي مسألة المفاوضات والمقاومة، وهنا يمكن القول إن هذه المشكلة ليست بالغة التعقيد إذا ما نجحت الحركة في التعامل مع المشكلة الأولى، وإذا ما أحسنت ترتيب أوراقها على النحو المطلوب.

ما يجب أن يقال ابتداءً هو أن ما سيسهل التعاطي مع هذا الملف هو أن أزمة التسوية لم تكن يوما أزمة الفلسطينيين، وإنما أزمة الإسرائيليين الذين لا يريدون منح الفلسطينيين شيئا يذكر.

ونتذكر مقولة ياسر عرفات إنه لم يكن يطلب المستحيل وإنما دولة على الأراضي المحتلة عام 67 بما فيها القدس، في حين كان بوسعه التجاوز عن مسألة اللاجئين، لكنهم لم يحتملوه فقتلوه.

ضمن هذه الرؤية على حماس أن تتعامل مع هذا الملف، إذ يجب الحذر من استدراجها إلى مقولات الاعتراف بالدولة العبرية التي يرددها قادة الغرب والشرق، إذ إن الإسرائيليين هم الذين يجب أن يعترفوا بالحقوق الفلسطينية، وينفذوا قرارات ما يسمى الشرعية الدولية، وحين يفعلون ذلك يكون لكل حادث حديث.

ينبغي أن تتحول هذه المقولة إلى لازمة على ألسنة المتحدثين باسم حماس، إذ لا رد على مقولات الموقف السياسي غير المطالبة بتنفيذ الإسرائيليين لمطلب الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس وعودة اللاجئين والإفراج عن الأسرى، وبعد ذلك لكل حادث حديث.

ليس ثمة ما يمكن التفاوض عليه أو الحديث بشأنه، ولا ينبغي أن تكرر حماس أخطاء فتح، إذ القرارات الدولية واضحة، فلتتفضل إسرائيل بتنفيذها وبعد ذلك لكل حادث حديث، ولا اعتراف بخريطة الطريق ولا بأي شيء آخر ينتقص من حقوق الفلسطينيين التي يعترف بها العالم.

يمكن بالطبع حل هذه الإشكالية عبر جملة من الخطوات إذا كان لا بد من عملية سياسية تتواصل، فمن جهة يمكن استعادة الحديث عن إحالة مرجعية التفاوض لمنظمة التحرير، ولكن بعد تشكيلها على أسس جديدة تأخذ في الاعتبار توزيع القوى في الساحة الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة.

يمكن أيضا تشكيل لجنة وطنية من رموز فلسطينية من الداخل والخارج تأخذ على عاتقها إدارة العملية السياسية ضمن مرجعية وطنية عنوانها دحر الاحتلال عن الضفة الغربية وقطاع غزة وإعادة اللاجئين والإفراج عن المعتقلين، كما يمكن إحالة الملف إلى مصر إن قبلت بذات الشروط المطروحة.

"
ما يجب أن يكون واضحا هو أن الوضع العربي والدولي البائس الناتج عن الغطرسة الأميركية في العراق وأفغانستان لن يتواصل طويلا، إذ سيكون في طريق التغيير مع تواصل الفشل الأميركي
"
أما مسألة الاعتراف من عدمه فلا ينبغي الخوض فيها، إذ إنها ليست ضرورية في كل الأحوال، وطالما شاركت في الحكومات الإسرائيلية أحزابا لا تعترف بشيء اسمه الشعب الفلسطيني، فلماذا يراد من حماس أن تعترف باحتلال اليهود لما نسبته 78% من أرض فلسطين التاريخية؟

ونتذكر أن حزب الله قد حقق الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني من دون قيد أو شرط.

يتبع هذا الملف بالطبع ملف المقاومة، وهنا لا بد من توفير إجماع وطني على برنامج المقاومة بشعار مرحلي عنوانه دحر الاحتلال عن الضفة الغربية وقطاع غزة من دون قيد أو شرط، بصرف النظر عن السلوك الإسرائيلي المقابل، وعما إذا كان سيمضي في الاتجاه الذي اختطه شارون وتبناه خلفه أولمرت، أي الانسحاب أحادي الجانب من الضفة الغربية وحشر الفلسطينيين في تجمعاتهم السكانية شرق الجدار.

هنا لا ينبغي أن تكرر حماس خطأ السلطة بقبول تنسيق الانسحاب مع الإسرائيليين كما حصل في قطاع غزة، الأمر الذي تركه رهينة بيد الإٍسرائيليين، بل يجب أن ترفض ذلك وتعلن استمرار المقاومة بكل الوسائل المتاحة، سلمياً وعسكرياً.

ما يجب أن يكون واضحاً هنا هو أن الوضع العربي والدولي البائس الناتج عن الغطرسة الأميركية في العراق وأفغانستان لن يتواصل طويلاً، إذ سيكون برسم التغيير مع تواصل الفشل الأميركي.

وحين يحدث ذلك لن يكون بوسع الإسرائيليين أن يفرضوا على الفلسطينيين ما يريدون وسيكون بوسع خيار المقاومة والصمود الذي حرر قطاع غزة أن يحرر الضفة الغربية أيضاً.

وإن لم يحدث ذلك وتواصلت الغطرسة الإسرائيلية فسيتواصل الصراع برمته كرافعة للوضع العربي والإسلامي وصولاً إلى حل جذري يقتلع المشروع الصهيوني من المنطقة، ويضع الأمة على سكة الوحدة والنهوض.



__________________

كاتب فلسطيني