عرض مشاركة مفردة
  #53  
قديم 29-04-2007, 02:01 PM
redhadjemai redhadjemai غير متصل
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2006
الإقامة: أرض الله
المشاركات: 1,036
إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى redhadjemai
إفتراضي

هذا التنوع في معنى اللفظ هو الذي تدل عليه اللغة ، ثم الشرع الذي جاء بلغة العرب … لغة القرآن الكريم كما هو معروف .

من أجل ذلك كان من الواجب على كل من يتصدى للحكم بما أمر الله عز وجل – لست أعنى الآن الحكام ، إنما أعنى حكاما أو محكومين – من الواجب على هؤلاء أن يكونوا على علم بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح .

والكتاب لا يمكن فهمه – وكذا ما ضُمَّ إليه – إلا بطريق معرفة اللغة العربية معرفة خاصة ، وقد يكون إنسانا ما ليس عنده معرفة قوية أو تامة باللغة العربية ، فتساعده في استدراك هذا النقص الذي قد يشعر به في نفسه عودته إلى من قبله من العلماء ، وخاصة إذا كانوا من أهل القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية ، فرجوعه إليهم حينئذ سيكون مساعدة له لاستدراك ما قد يفوته من اللغة العربية وآدابها .

نعود الآن إلى هذه الآية : ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فأولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [ ( المائدة :44) هل من الضروري أن يكون هذا اللفظ : ]فأولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [أنه يعني كفرا خروجا عن الملة أم قد يعني ذلك وقد يعني ما دون ذلك ؟

هنا الدِّقة في فهم هذه الآية ، فهذه الآية الكريمة : ]فأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ [ قد تعني الخارجين عن الملة وقد تعني أنهم خرجوا عمليا عن بعض ما جاءت به الملة .. الملة الإسلامية .

يساعدنا على ذلك قبل كل شيء ترجمان القرآن ، ألا وهو عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، لأنه من الصحابة الذين اعترف المسلمون جميعا – إلا من كان تلك الفرق الضالة – على أنه كان إماما في التفسير ولذلك سمَّاه بعض السلف من الصحابة – ولعله هو عبد الله مسعود بترجمان القرآن .

هذا الإمام في التفسير ، والصحابي الجليل ، كأنه طَرَق سمعه يومئذ ما نسمعه اليوم تماما أن هناك أناسًا يفهمون هذه الآية على ظاهرها دون التفصيل الذي أشرت إليه آنفا ، وهو أنه قد يكون ليس هو المقصود ، بالكافرين : المرتدين عن دينهم ، وقد يكون ليس هو المقصود ، وأنه ما دون ذلك ، فقال ابن عباس رضي الله عنه : ليس الأمر كما يذهبون أو كما يظنون وإنما هو كفرٌ دون كفر .

ولعله كان يعني بذلك الخوارج ، الذين خرجوا على أمير المؤمنين ، ثم كان من عواقب ذلك أنهم سفكوا دماء المسلمين ، وفعلوا فيهم ما لم يفعلوا بالمشركين ! فقال : ليس الأمر كما قالوا أو كما ظنوا ، وإنما هو كفرٌ دون كفر .. كفر دون كفر .

هذا الجواب المختصر الواضح من ترجمان القرآن في تفسير هذه الآية ، هو الذي لا يمكن أن يُفهم سواه من النصوص التي ألمحتُ إليها آنفا في مطلع كلمتي هذه .. أن كلمة الكفر ذًكرت في كثير من النصوص مع ذلك ، تلك النصوص لا يمكن أن تفسروا به الآية .. لفظ الكفر الذي جاء في تلك النصوص لا يمكن أن يفسر بأنه يساوي الخروج من الملة .فمن ذلك مثلا الحديث المعروف في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سِباب المسلم فسوقٌ ، وقتاله كفر .. قتاله كفر عندي هو تفنن في الأسلوب العربي في التعبير ، لأنه لو قال قائل : سباب المسلم وقتاله فسوق يكون كلاما صحيحا ، لأن الفسق هو المعصية وهو الخروج عن الطاعة .

لكن الرسول عليه السلام باعتباره أفصح مَنْ نطق بالضاد قال : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر .

ترى هل يجوز لنا أن نفسر الفقرة الأولى من هذا الحديث سباب المسلم فسوق بالفسق المذكور في اللفظ الثاني أو الثالث في الآية السابقة : ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [.. ]فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [ و سباب المسلم فسوق ؟

نقول : قد يكون الفسق مرادفا للكفر الذي بمعنى الخروج عن الملة ، وقد يكون الفسق مرادفا للكفر الذي لا يعني الخروج عن الملة ، وإنما يعني ما قاله ترجمان القرآن أن كفرٌ دون كفر .

وهذا الحديث يؤكد أن الكفر قد يكون بهذا المعنى ، لماذا ؟

لأن الله عز وجل ذكر في القرآن الكريم الآية المعروفة :

وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا التِي تَبْغِي حَتَى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ ( الحجرات : 9 ) .

ذكر هنا ربُّنا عز وجل الفرقة الباغية التي تقاتل الفرقة الناجية .. الفرقة المحقة المؤمنة … ومع ذلك فما حَكَمَ عليها بالكفر ، مع أن الحديث يقول : وقتاله كفر .

إذًا قتالهم كفر : أي دون الكفر ، كما قال ابن عباس في تفسير الآية السابقة .

فقتال المسلم للمسلم بغي واعتداء وفسق وكفر ، ولكن هذا يعني أن الكفر قد يكون كفرا عمليا وقد يكون كفرا إعتقاديا ، من هنا جاء هذا التفصيل الدقيق الذي تولى بيانه وشرحه الإمام بحق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ومن بعده تلميذه البار ابن قيم الجوزية ، حيث إن لهم الفضل في الدندنة حول تقسيم الكفر إلى ذلك القسم الذي رفع رايته ترجمان القرآن بتلك الكلمة الجامعة الموجزة ، فابن تيمية رحمه الله وتلميذه ابن قيم الجوزية يفرقون أو يدندنون دائما بضرورة التفرقة بين الكفر الإعتقادي والكفر العملي ، وإلا وقع المسلم من حيث لا يدري في فتنة الخروج عن جماعة المسلمين التي وقع فيها الخوارج قديما ، وبعض أذنابهم حديثا .

يتبع
__________________