عرض مشاركة مفردة
  #9  
قديم 04-10-2003, 05:38 AM
مسلم فاهم مسلم فاهم غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2003
المشاركات: 518
إفتراضي

(لا شريكَ لَهُ) هذا تفسير لـ(واحدٌ) وتأكيدا له، ولهذا قوله (إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ) على أن التوحيد أعظم ما يفسّر به ففي الشريك عن الله جل وعلا، (نقُولُ في تَوحيدِ الله إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ) فالتوحيد يُفسّر بضده وهو نفي الشرك كما قال الشاعر:
وبضدها تتبين الأشياء
وقد لا يستقيم معرفة التوحيد بتفاصيله إلا بالإيقان بنفي الشرك بأنواعه، لهذا نقول هنا قوله (لا شريكَ لَهُ) هذا عام يشمل نفي الشريك في الربوبية، ونفي الشريك في الألوهية، ونفي الشريك في الأسماء والصفات.
والشَّرِكَة في الربوبية راجعة إلى جعل المخلوق له من صفات الرب جل وعلا في صفات الربوبية؛ يعني أنْ يجعل للمخلوق تصرفا، إذا جعل للمخلوق تصرفا في الكون مما يختص به الله جل وعلا، فهذا ادعاء للشريك معه في الربوبية، أو أن يعتقد أن الله معه معين أو ظهير أو وزير، وهذا كله منفي، وكل هذا داخل في الاشتراك في الربوبية، كما قال جل وعلا }قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ{[سبإ:22]، فذكر أنواع الاشتراك في الربوبية:
_ إما شركة مستقلة (لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) يعني استقلالا.
_ أو معاونة.
_ أو اتخاذ ظهير ووزير لله جل وعلا.
وهذه المعتقدات هذه موجودة في طوائف من هذه الأمة.
والإيمان بتوحيد الربوبية ونفي الشَّرِكة في الربوبية على درجتين:
ءالدرجة الأولى: واجبة على كل مكلَّف، ومن لم يأتِ بها فليس بموحّد، بل هو مشرك، وهو ما ذكرنا من الاعتقاد بأنّ الله واحد في ربوبيته؛ في أفعاله سبحانه، فهو الخالق وحده، وهو الرزّاق وحده، وهو المحيي المميت وحده، وهو النافع الضار وحده جل وعلا، وهو مدبّر الأمور وحده، وهو خالق الخَلق وحده، إلى آخر أفراد ذلك، فهذه واجبة على كل أحد.
ءالمرتبة الثانية من توحيد الربوبية: وهي مرتبة للخاصة ولأهل العلم وهي شهود آثار الربوبية في خَلْق الله جل وعلا، وهذه بحيث لا يرى غير الله جل وعلا مؤثرا في هذا الملكوت، ولو كان تأثير معلولات عن علل، أو تأثير مسببات عن أسباب، فإنّه يرى ألا مؤثر في الحقيقة ولا خالق إلا الله جل وعلا، وينظر لذلك في الملكوت متفكرا، متدبرا، وهذه الحال الخاصة وهي مستحبة، وهي لأهل العلم ولأهل الإيمان، وليست واجبة على كل أحد، كما قال سبحانه } إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ(190)الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا{[آل عمران:190-191]، وكما وصف الله جل وعلا بعض عباده بالتفكر والنظر والتدبر في خلق الله جل وعلا، بل أمر بذلك في بعض الآيات بقوله} قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ{[يونس:101]، وكقوله} أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا{[الأعراف:184]، وكقوله جل وعلا } قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا{[سبإ:46]، فهذا التفكر في ربوبية الله جل وعلا، في خلق الله يدل على توحيده في الربوبية، وهو حال الخاصة، كما قال الحسن البصري رحمه الله تعالى ”عاملنا القلوبَ بالتفكر فأورثها التذكر، فرجعنا بالتذكر على التفكر، وحركنا القلوب بهما، فإذا القلوب لها أسماع وأبصار“.
وهذه عند أهل البدع وأهل الكلام مطلوبة وواجبة لمن كان أهلا لها فيوجبون النظر، ويوجبون التفكر، ولا يصح إيمان أحد عندهم ممن –عند طائفة منهم- كان أهلا للنظر إلا بالنظر، فلو مات المتأهل للنظر من غير نظر لم يكن مؤمنا بربوبية الله جل وعلا، وإنْ كانت تجري عليه أحكام الإسلام في الدنيا فإنهم لا يجرون عليه أحكام أهل الإسلام في الآخرة على تفصيل مذهب أهل الكلام في ذلك.
النوع الثاني أنْ يعتقد بأن الله جل وعلا لا شريك له في إلهيته سبحانه وتعالى: والإلهية معناها العبادة، يعني لا شريك له في عبادته، كما دلت عليها كلمة التوحيد (لا إله إلا الله وحده لا شريك له)، فيعتقد أن الله جل وعلا ليس معه إله يستحق العبادة، وأنّ كل من أُدعي فيه الإلهية وأنه يُعبد، فإنما عُبد بالبغي والظلم والعدوان والتعدي، وكل من أشرك بالله جل وعلا فهو ظالم أبشع الظلم وأكبر الظلم؛ لأنه سبحانه توعَّد أهل الشرك بالنار، بل أوجب لهم النار في قوله }إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ{( ) وكما قال المسيح عليه السلام }وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ{[المائدة:72].
لبيان هذا التوحيد وما يتصل به، كتب توحيد العبادة المعروفة ومن أعظمها وأشملها كتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى.
الثالث من أنواع نفي الشريك المشتمل عليه (لا شريك له) نفي الشريك لله في الأسماء والصفات: وذلك بأنْ يعتقد أنّ الله جل وعلا لا شريك له في كيفية اتصافه بالصفات؛ يعني لا مُماثل له سبحانه و تعالى، ولا مشابه له في كيفية اتصافه بالصفات، وأنه سبحانه لا شريك له في المعنى المطلق لصفاته سبحانه ولأسمائه، ولا مشابه له في المعنى المطلق لأسمائه وصفاته، وأنّ اشتراك بعض خلقه معه سبحانه في الصفات إنما هو اشتراك في مطلق المعنى وفي أصله لا في المعنى المطلق ولا في كماله ولا في الكيفية، فيعتقد أنّه لا شريك له في صفاته ولا في أسمائه ولا في أفعاله سبحانه، بل }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{[الشورى:11]، لأجل هذا المعنى العام، عطف عليها المصنف بقوله (ولا شيء مثله ولا شيء يعجزه ولا إله غيره) كما سيأتي تفصيل الكلام على هذه المسائل في ذكر معنى هذه الجُمل الثلاث.
إذن هذا إجمال لمعنى التوحيد ونفي الشريك، ويأتي تفصيلها مع بيان كل مسألة: توحيد الربوبية وأبحاثه، توحيد الأسماء والصفات وأبحاثه، توحيد الإلهية وأبحاث توحيد الإلهية.
بقي أن نقول: إنّ في قوله(نقُولُ في تَوحيدِ الله مُعتَقدينَ بتوفيق الله إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ) إنّ هذه العبارة ( لا شريكَ لَهُ) تفسيرها على طريقة أهل السنة ذكرناها، وأما أهل البدع فيقولون في تفسير (واحدٌ لا شريكَ لَهُ) عبارات مختلفة تجدونها في التفاسير، ويُكثر منها أهل البدع، فيقولون في تفسير (واحدٌ): واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شريك له وواحد في أفعاله لا نِدَّ له. وفي قولهم في أولها (واحد في ذاته لا قسيم له) هذه من التعبيرات المحدثة، وإن كان يمكن أن تحتمل معنى صحيحا؛ لكن التوحيد والأَحدية تُفسر بواحديته وأحديته في ربوبيته وإلهيته وفي أسمائه وصفاته، وأهل البدع في التوحيد اختلفت عباراتهم؛ وسبب اختلاف عباراتهم في التوحيد أنهم نظروا في تعريف التوحيد إلى حال النصارى وأهل الملل، ففسروا التوحيد بما يخالف ما عليه بعض الطوائف، فقالوا: واحد في ذاته لا قسيم له. يعني نفيا للأقانيم الثلاثة التي هي صور لله جل وعلا مختلفة كما هو اعتقاد النصارى أو طائفة من النصارى، وكذلك اعتقاد السِّنَوِيَّة والذين يقولون أن ثَم إلهين هو إله واحد لكن له أقنومان شيء للخير وشيء للشر.
والله سبحانه وتعالى واحد في ذاته وأسمائه وصفاته، واحد في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى.
سيأتي إن شاء الله مزيد بيان لقول المخالفين في تفسير الربوبية والألوهية والأسماء والصفات فيما نستقبل إن شاء الله تعالى.
__________________
اللهم ألحقنا بحبيبنا نبى الرحمه صلى الله عليه وسلم وارزقنا قفوا آثاره واتباع سنته ,,,,

هذا وأصل بلية الاسلام ** تأويل ذي التحريف والبطلان

وهو الذي فرق السبعين ** بل زادت ثلاثا قول ذي البرهان