عرض مشاركة مفردة
  #10  
قديم 04-10-2003, 05:39 AM
مسلم فاهم مسلم فاهم غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2003
المشاركات: 518
إفتراضي

قوله (وَلا شيءَ مثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ.)

فهذه الجمل الثلاث وهي قوله(وَلا شيءَ مثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ.) تفصيل لما يعتقده في توحيد الله جل وعلا، والتوحيد -كما ذكرنا- منقسم إلى الأقسام الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الإلهية. فذكر هذه الأقسام الثلاث في قوله(وَلا شيءَ مثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ.)؛ فقوله (وَلا شيءَ مثْلُهُ) راجع إلى توحيد الأسماء والصفات والأفعال، وقوله(وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ) راجع أو مُثْبِتٌ لتوحيد الربوبية، وقوله(وَلا إلهَ غَيْرُهُ) مثبت لتوحيد العبادة والألوهية.
وقدَّم رحمه الله ما يدل على توحيد الأسماء والصفات بعد ذكر لتوحيد الإلهية في قوله (إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ)؛ لأن النزاع كائنٌ في توحيد الإلهية وفي توحيد الأسماء والصفات؛ فَمَعَ أهل الشرك النزاع في توحيد الإلهية، وهو الذي كان النزاع ما بين الرسل وبين أقوامهم، ولهذا قدّم ما يعتقده بقوله (إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ)؛ لأن هذا هو حقيقة النزاع بين الرسل وبين أقوامهم، ثم قال (وَلا شيءَ مثْلُهُ) لأن هذا هو حقيقة النزاع ما بين أهل السنة والجماعة وما بين مخالفيهم من المبتدعة على أصنافهم من المجسمة والمعطلة والنفاة وأشباه هؤلاء، وأيضا قرن بينهما لأن البدع بريد الشرك، فإن ترك تنزيه الله جل وعلا عن مماثلة المخلوقين تؤدي إلى الشرك به جل وعلا، ولهذا قال من قال من أهل السنة ”المعطِّل يعبد عدما والممثل يعبد صنما“ فالتمثيل ثَم اقتران بينه وبين الشرك؛ لأن الممثل اتخذ صورة جعلها على صفات معينة فصارت صنما له، كما أن المشركين عبدوا الأصنام واتخذوها آلهة. وأما قوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ) فهو توحيد الربوبية كما سيأتي ذلك مفصلا.
إذن فترتيب المصنف الطحاوي رحمه الله لهذه الجمل الأربع ترتيب مناسب، وهو متنقل بفهمٍ في أمور الاعتقاد وموقف أهل السنة وأهل الإسلام من مخالفيهم.
الجملة الأولى في هذا اليوم هي قوله (وَلا شيءَ مثْلُهُ) والكلام عليها يكون في مسائل:
المسألة الأولى: أن قوله (وَلا شيءَ مثْلُهُ) مأخوذ من قول الله جل وعلا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{[الشورى:11]، ومن قوله جل وعلا }وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ{[الإخلاص:4]، ومن قوله حل وعلا }هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا{[مريم:65]، ومن قوله سبحانه }فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَال َإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{[النحل:74]، وأشباه هذه الأدلة التي تدل على أن الله سبحانه لا يماثله شيء من مخلوقاته.
والمسألة الثانية: أنّ قوله(وَلا شيءَ مثْلُهُ) راجع لنفي المماثلة، وهذا هو الذي جاء في الكتاب والسنة أنْ يُنفى عن الله جل وعلا أن يماثل أحدا أو شيئا من خلقه، وكذلك يُنفى عن المخلوق أن يكون مماثلا لله جل وعلا، وإذا كان كذلك، فالمماثلة أو التمثيل أو المِثلية تُعَرَّف بأنها المساواة في الكيف والوصف:
— والمساواة في الكيفية راجعة إلى أن يكون اتصافه بالصفة من جهة الكيفية مماثل لاتصاف المخلوق، كقولهم: يد الله كأيدينا وسمعه كأسماعنا وأشباه ذلك.
— وأما المماثلة في الصفات فهي أن يكون معنى الصفة بكماله التام في الخالق كما هو في المخلوق.
إذا تقرر ذلك، فإن اعتقاد المماثلة في الكيفية أو في الصفات على النحو الذي ذكرتُ هذا تمثيل يَكْفُر به صاحبه، فلهذا كفّر أهلُ السنة النصارى، وكفّر أهلُ السنة المجسمة؛ لأن النصارى شبّهوا المخلوق بالخالق، وشبّهوا عيسى بالله جل وعلا، والمجسمة شبّهوا الله جل وعلا ومثّلوه بخلقه.
المسألة الثالثة: الفرق ما بين المماثلة والمثلية وبين التشبيه، ولتقرير ذلك فانتبه إلى الذي جاء نفيه في الكتاب والسنة إنما هو نفي المماثلة، أما نفي المشابهة؛ مشابهة الله لخلقه فإنها لم تُنْفَ في الكتاب والسنة؛ لأن المشابهة تحتما أن تكون مشابهة تامة، ويحتمل أن تكون مشابهة ناقصة، فإذا كان المراد المشابهة التامة فإن هذه المشابهة هي التمثيل وهي المماثلة، وذلك منفي، لقوله تعالى}لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ{[الشورى:11]، فإذن لفظ المشابهة ينقسم:
—إلى موافق للمماثلة الشبيه، موافق للمثيل وللممثل.
—وإلى غير موافق.
يعني قد يشترك معنى الشبيه والمثيل ويكون المعنى واحدا، إذا أُريد بالمشابهة المشابهة التامة في الكيفية وفي تمام معنى الصفة.
وأما إذا كان المراد بالمشابهة المشابهة الناقصة وهي الاشتراك في أصل معنى الاتصاف، فإن هذا ليس هو معنى التمثيل المنفي، فلا يُنفى هذا المعنى الثاني، وهو أن يكون ثم مشابهة بمعنى أن يكون ثم اشتراك في أصل المعنى.
وإذا كان كذلك فإن لفظ الشبيه والمثيل بينهما فرق -كما قررتُ لك- ولفظ المشابهة لفظ مجمل لا ينفى ولا يثبت، وأهل السنة والجماعة إذا قالوا: إن الله جل وعلا لا يماثله شيء ولا يشابهه شيء. يعنون بالمشابهة المماثلة، أما المشابهة التي هي الاشتراك في المعنى فنعلم قطْعا أنّ الله جل وعلا لم ينفها؛ لأنه سبحانه سمّى نفسه بالملك}مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{[الفاتحة:4]، }الْمَلِكُ الْحَقُّ{( ) وسمى بعض الخلق بالملك}وَقَالَ الْمَلِكُ{( ) وأشباه ذلك من الآيات، وكذلك سمّى نفسه بالعزيز، وسمّى بعض الخلق بالعزيز، وكذلك جعل نفسه سبحانه سميعا، وأخبرنا بصفة السمع له، والبصر، والقوّة، والقدرة، والكلام، والاستواء، والرحمة، والغضب، والرضا وأشباه ذلك، وأثبت هذه الأشياء للمخلوق؛ للإنسان فيما يناسبه منها، فدل على أن الاشتراك في اللفظ وفي بعض المعنى ليس هو التمثيل الممتنِع؛ لأن كلام الله جل وعلا حق وبعضه يفسر بعضا، فنفى المماثلة سبحانه بقوله }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{[الشورى:11]، وأثبت اشتراكا في الصفة، وإذا قلتُ اشتراكا ليس معنى ذلك أنها من الأسماء المشتركة في الصفات، لكن أثبت اشتراكا في الوصف يعني شركة فيه، فإن الإنسان له ملك والله جل وعلا له الملك، والإنسان له سمع والله جل وعلا له سمع، والإنسان له بصر والله جل وعلا له بصر، وهذا الإثبات فيه قدْر من المشابهة، لكنها مشابهة في أصل المعنى، وليست مشابهة في تمام المعنى ولا في الكيفية، فتحصّل من ذلك أن المشابهة ثلاثة أقسام:
ءالأولى: مشابهة في الكيفية، وهذا ممتنع.
ءوالثاني: مشابهة في تمام الاتصاف ودلالة الألفاظ على المعنى لكمالها، وهذا ممتنع.
ءوالثالث: مشابهة في معنى الصفة؛ في أصل المعنى، مطلق المعنى وهذا ليس بمنفي.
ولهذا صار نفي التمثيل، ونفي المثيل، ونفي المثلية صار شرعيا؛ لأنه واضح دلالته غير مجملة، وأما لفظ المشابهة فإن دلالته مجملة فلم يأتِ نفيه.
ونحن نقول إن الله جل وعلا لا يماثله شيء ولا يشابهه شيء سبحانه وتعالى. ونعني بقولنا (ولا يشابهه شيء) معنى المماثلة في الكيفية أو المماثلة في تمام الاتصاف بالصفة وتمام دلالة اللفظ على كمال معناه.
المسألة الرابعة: على قوله (وَلا شيءَ مثْلُهُ) أنّ إثبات الصفات لله جل وعلا قاعدته مأخوذة من هذه الجملة (وَلا شيءَ مثْلُهُ)، فإثبات الصفات مأخوذ من قوله سبحانه }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{[الشورى:11]، فنفى سبحانه وتعالى وأثبت، وعند أهل السنة والجماعة أن النفي يكون مجملا (لا شيءَ مثْلُهُ)، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، وأنّ الإثبات يكون مفصلا (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)، وهذا بخلاف طريقة أهل البدع فإنهم يجعلون الإثبات مجملا، والنفي مفصلا، فيقولون في صفة الله جل وعلا: إن الله ليس بجسم ولا بشبح ولا بصورة ولا بذي أعضاء ولا بذي جوارح ولا فوق ولا تحت ولا عن يمين ولا عن شمال ولا قُدّام ولا خلف وليس بذي دم ولا هو خارج ولا داخل. إلى آخر تصنيفهم للمنفيات، وإذا أتى الإثبات، إنما أثبتوا مجملا، فصار نفيهم وإثباتهم على خلاف ما دلت عليه الآية (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ).
فطريقة أهل السنة أن النفي يكون مجملا وأن الإثبات يكون مفصلا على قوله سبحانه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)، والنفي المجمل فيه المدح، والإثبات المفصل فيه مدح، والنفي المجمل والإثبات المفصل من فروع معنى استحقاق الله جل وعلا للحمد، والله سبحانه أثبت أنه محمود ومسبَّح في سماواته وفي أرضه جل وعلا، كما قال سبحانه }وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ{[الإسراء:44]، وكقوله }وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ{[الروم:18]، وكقوله }فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ{[الروم:17]، }يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ{( ) ونحو ذلك، والجمع بين التسبيح والحمد هو جمْعٌ بين النفي والإثبات؛ لأن التسبيح نفي النقائص عن الله فجاء مجملا، والحمد إثبات الكمالات لله جل وعلا فجاء مفصلا، فإثبات الكمالات من فروع حمده سبحانه وتعالى، ولهذا صار محمودا جل وعلا على كل أسمائه وصفاته، وعلى جميع ما يستحقه سبحانه، وعلى أفعاله جل وعلا، وتنزيهه سبحانه بالنفي؛ يعني بالتسبيح أنْ يكون ثَم مماثل له سبحانه وتعالى؛ فمعنى (سبحان الله) تنزيها لله جل وعلا عن أن يماثله شيء أو عن النقائص جميعا، والحمد إثبات الكمالات بالتفصيل.
__________________
اللهم ألحقنا بحبيبنا نبى الرحمه صلى الله عليه وسلم وارزقنا قفوا آثاره واتباع سنته ,,,,

هذا وأصل بلية الاسلام ** تأويل ذي التحريف والبطلان

وهو الذي فرق السبعين ** بل زادت ثلاثا قول ذي البرهان