عرض مشاركة مفردة
  #20  
قديم 11-09-2005, 02:27 PM
مُقبل مُقبل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2005
المشاركات: 461
إفتراضي شكراً لرفع التثبيت عن الموضوع !!

الحلـــــــــف و الاستغـــــاثة


مضتْ أيامٌ قلائل بعد النقاش والصراع .. خفّت حدة التوتر قليلاً ..
ذهبنا جميعاً إلى البحر في وقت الفجر .. آه ما أجمله !!
كانت النجومُ ما تزال تلمع في كبد السماء ..
وأشعة الشمس .. لقد بدأت بالظهور شيئاً فشيئاً ..

دخل الزوج مع إخوته إلى البحر ... يتلاعبون .. يتمازحون .. تذكرتُ إخوتي ..؟!
كم أشتاق إليهم .. ناداني الجميع لأشاركهم المرح واللعب في البحر ..
اعتذرتُ وعللتُ بقائي برغبتي في الجلوس مع والدة الزوج قليلاً ..
ولكن الرفض كان سببه أني لا أريد كسر طوق الجليد مع إخوته !
فكيف أوافق على اللعب معهم إذاً ؟!

بقيتُ مع والدته .. استرقْتُ النظر إليها .. إنها تتأمل أبناءها ..
تذكرتُ أمي .. إخوتي .. أبي .. تنهدتُ بعمق ..
مسحتُ دمعةً حزينة كادتْ أن تفتح باباً لأنهار الدمع بداخلي ..
آه .. عائلتي تعتقد بأن السعادة ترفرفُ على أرجاء حياتي !!
إنها لا تعلم بمعاناتي !!

حدّقتُ في البحر .. في الزرقة الممتدة أمامي بلا نهاية .. آه ..
أشتاق كثيراً لسماع صوت أمي ..
لمداعبات أبي وأخوتي .. أوه ..
أفقتُ من أحلامي الجميلة عندما تحركتْ والدة الزوج ونظرتْ إليّ !!!
تحركتُ بحذر .. ثم قلتُ بابتهاجٍ مُصطنع :
- خالتي .. هل تريدين أنْ أعدَّ لك بعض الطعام ؟!
- لا .. لا أشعر بالجوع الآن ... شكراً لكِ ..
فقط أريد كوباً من الشاي ..
فالطقس يُساعد على الانشراح ..

ابتسمتُ بصدق ..
وأحضرتُ لها كوب الشاي لتشربه ..
إنها تفضله دائماً من صنع يدي .. ناولتها الكوب ..
حذّرتُها من إمكان وقوعه .. فالأرض غير مستوية ..
عبّرت عن امتنانها لي بابتسامةٍ مسرورة .. وقامتْ بوضعه أمامها ..
أما أنا فعدتُ ثانيةً لتأمل ظهورقرص الشمس كاملاً ..
تحركتْ الأم وهي تحدّق في أبنائها مسرورة ..
فانسكب الشاي على قدمها وأحرقها ..

فتمتمتْ قائلة بغضب وهي تحدث نفسها ..
- ( يا فلان بن فلان ) .. تتوسّل بأحد الأموات وتستنجد به !!
استولى الاستياءُ عليّ .. فأدرتُ ظهري للبحر وقابلتُها مباشرةً ..
ثم قُلتُ لها بلطف :
- خالتي .. ماذا تقصدين بـ ( فلان بن فلان ) ! ولِمَ هو بالذات ؟!
نظرتْ إليّ باستغراب وكأنها لم تكن تنتظر مني مثل هذا السؤال ..

ثم قالت بعد صمتٍ وتلعثم :
- إنه .. إنه .. أحد أولياء الله الصالحين المقرّبين إلى الله ..
آه لقد مات منذ زمنٍ بعيد .. نستنجد به ونتوسل إليه ..
وهذا أمرٌ واجبٌ مفروضٌ يا ابنتي .. واجبٌ دينيّ يجب علينا وعليك أيضاً عمله !!
حدّقتُ بها شككتُ في صحة معلوماتها فقلت :
- ولكنك كما قلتِ مات !!
فماذا تطلبين من ميتٍ أو ترجين منه يا خالتي ؟!!!

شعرتُ بأنها تأخذ نفساً عميقاً .. ضمّتْ يديها وقالت بتعجرف :
- ولكن روحه تخرج إلينا .. وتساعدنا وتجيب ملهوفنا ..
ولذلك نطلب منه ومن غيره من أولياء الله ما نريد !
- تطلبون منه ما تريدون ؟!! مثل ماذا ؟
- مثل .. مثل .. الرزق .. الأولاد .. الزواج .. النجاح .. الشفاء من الأمراض والأوجاع ...
حبسْتُ أنفاسي في مكانٍ ما حول قلبي الذي كان يطرق بقوةٍ وعنفٍ ..

هناك صوتٌ صغيرٌ بداخلي قد يئس منهم يهتف بي بقوة بأن هذه حقائق زائفة ..
ولا يهمني سماعها ..
ألا يجب أن تكون أكثر عقلانيةً في مثل هذه السّنّ ؟
قلتُ بقلق :
- خالتي الحبيبة .. فكري معي قليلاً .. أرجوكِ ..
حسناً لنتبادل وجهات النظر ونؤيد أصحها ..
ألا ترين معي أن سؤال الميت أو الغائب يُعدُّ مُنكراً لنفوسنا ؟
لا نرتضيه لأنفسنا !!
ثم إنه لم يأمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ..
ولا فعله أحدٌ من الصحابة أو التابعين .. فكيف نفعله نحن ؟

قاطعتني بجديةٍ وهي تؤمن بكلمة تقولها :
- أوووه ... ماذا تقولين ؟ ما هذا الهراء ؟
إننا قد تعوّدنا أن نستغيث بهم إذا نزلتْ بنا تِرةٌ أو عرضتْ لنا حاجة !
إني أقول لميت من الأولياء ( يا سيّدي فلان بن فلان )
أنا في حسبك أو أقضِ لنا حاجتنا .. وسُرعان ما يقضيها ..
تجهّم وجهي على الفور ..

فقلتُ بغيظٍ كظيم :
- ولكنّ أحداً من الصحابة لم يستغثْ بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ( وهو نبي ) !!
ولا بأحدٍ من الأنبياء أو بغيرهم .. والاستغاثة بغير الله عزّ وجلَّ مُحرّمة ..
فقدتْ أعصابها عند سماع كلماتي ..
فلم تجدْ بداً من الإدلاء بدليلٍ تحاول به تشويه الواقع :
- لن أقتنع .. هلاّ علمتني بأن أحد أئمة الصوفية العظماء كان قد دعا الله ستّ سنوات أن يرزقه الولد .. فلم يُرزق !!
فذهب إلى وليّ صالحٍ .. فما إن استغاث به وطلب منه الولد حتى رُزق بطفلين توأمين !!!!

حملقْتُ فيها بعينيّ .. شعرتُ بأنّ لمعاتِ البرق تكادُ أن تمزق السماء !
شحب وجهي .. لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم ..
هل بعد هذا الشرك من شرك ؟!
وبحركةٍ لا شعورية .. تابعتْ قولها وهي ترتعد غضباً مني ..
وأنفاسها تتمزق ..
_- ألا تصدقين ؟! حسناً .. بجاه فلان بن فلان .. وبحق النبي .. أن هذا ما حدث له !!
ولكن ما أدراكِ أنت ؟!!
إنّ تربيتك الدينية كانت غيرسليمة .. أعانك الله عليها يا بُنيتيّ !!!

امتقع وجهي فأصبح كالغمام .. طالتْ فترةُ الصمت .. وساد صمتٌ آخر ..
إنها تحلف !! بمَن ؟ أيضاً بغير الله !!
- خالتي .. خالتي نحن نتجاذب أطراف الحديث !!
يجب أن تُقنع إحدانا الأُخرى !
كيف.. كيف تدعين وتستغيثين بغير الله ؟!
خالتي إنك تفتقرين إلى غير الله ..
ألا تعلمين أن في ذلك إذلال للنفس وظلم لها ؟
ثم .. ثم .. إنك تحلفين أيضاً بغير الله ...
خالتي ..

رفعتْ حاجبها باستغراب بسرعة ..
ترددتْ قليلاً قبل أن تجيب :
- كوني على ثقة ويقين بأنك عندما تطلبين اليمين بالله منّا نحن الصوفيّون فإننا نعطيك ما تريدين صدقاً أو كذباً ..
بينما .. عندما تطلبين منّا اليمين بالشيخ أو الوليّ أو صاحب القبر فإننا نصدق معك ولا نجرؤ على الكذب أبداً ..
وذلك لعظمتهم و جلالة قدرهم ... !!!!!

تملكتني موجةٌ من الغضب والانفعال اللاإرادي ..
فهتفتُ وأنا أقفُ وأجمع حاجياتي رغبةً في الهروب منها ..
- ولكن هذا لا يجوز !! حرامٌ أن تسألي بمخلوقٍ يا خالتي !!
عودي إلى رشدك يا خالتي ..
افهميني أرجوك !
ألم تستمعي قوله تعالى : ( ادعوني أستجب لكم ) ؟
ألم تستمعي إلى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم :
" من حلف بغير الله فقد أشرك " ؟!!

لمْ تردّ .. لم تتحدثْ !!
فضّلتُ السكوت للحظات .. لقد بلغ الصمتُ حداً يثير الأعصاب !!
لا طيور تزقزق ! ولا أوراق تهتز مع نسيم الريح الخفيف ..
حتى صوت البحر بدا مكتوماً !!
قلتُ لها قبل أن أفترق عنها بلطفٍ ورجاء :
- خالتي .. لقد شاهدتِ قبل قليل ولادةً لنهارٍ جديد ..
وأعتقد أنه باستطاعة المرء أن يُولد مرةً أخرى ..
إذا فتح صفحةً جديدةً .. ناسياً كل الأمور والأحداث الماضية !!
خفّفْتُ لهجتي الهادئة من اضطرابها وغضبها ..
فنقلتْ نظرها إلى البحر .. خلفي .. واعتقدتُ أنها تتأمله !!!

قالت بدون أن تنظر إلي .. وقد ركّزتْ نظرها خلفي :
- إنها فكرةٌ جيدة لم تخطر ببالي يوماً !!
ولكن .. لا تظني بأنها ممكنة !!
شعرتُ بخيبة أملٍ عنيفة .. تنهّدتُ بأسى من الأعماق ..
وبحركةٍ لا شعورية ..
التفتُّ إلى الوراء .. خلفي ..
حيث كانت نظراتها مُسلّطة .. وإذا بي أجده ورائي ..
وقد بدتْ عليه إمارات الغضب الشديد !!!!!

نعم ( لقد كانت والدته تنظر إليه هو ولم تكن تتأمل البحر )!!
اكتفيت بالنظر إليه وقد اتسعتْ عيناي تعجباً وتحجّر قلبي تخوّفاً ..
فلم أجد الكلمات المناسبة للدفاع ...!!
فضّلتُ الصمت !
منذ متى وهو يقف خلفي ؟!
شعرتُ بالوهن الشديد أمام نظراته التي كانت تنمّ عن حقدٍ دفينٍ وقهرٍ شديد !!



وللقصة تتمة بإذن الله
الرد مع إقتباس