عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 22-06-2003, 04:11 PM
sayed1965 sayed1965 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2003
المشاركات: 36
إفتراضي ايها القابضون على الجمر اصبروا.كلمات غالية لكل غريب.تفضلوا.

ايها القابضون على الجمر اصبروا.كلمات غالية لكل غريب.تفضلوا.
من تفسير الظلال لسيد قطب.رحمه الله.


سورة العنكبوت.

من الاية 3 الى الاية 3

وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)

إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف ; وأمانة ذات أعباء ; وجهاد يحتاج إلى صبر , وجهد يحتاج إلى احتمال . فلا يكفي أن يقول الناس:آمنا . وهم لا يتركون لهذه الدعوى , حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم . كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به - وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه - وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب .

هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت , وسنة جارية , في ميزان الله سبحانه:

(ولقد فتنا الذين من قبلهم , فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين). .

والله يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء ; ولكن الابتلاء يكشف في عالم الواقع ما هو مكشوف لعلم الله , مغيب عن علم البشر ; فيحاسب الناس إذن على ما يقع من عملهم لا على مجرد ما يعلمه سبحانه من أمرهم . وهو فضل من الله من جانب , وعدل من جانب , وتربية للناس من جانب , فلا يأخذوا أحدا إلا بما استعلن من أمره , وبما حققه فعله . فليسوا بأعلم من الله بحقيقة قلبه ! .

ونعود إلى سنة الله في ابتلاء الذين يؤمنون وتعريضهم للفتنة حتى يعلم الذين صدقوا منهم ويعلم الكاذبين .

إن الإيمان أمانة الله في الأرض , لا يحملها إلا من هم لها أهل وفيهم على حملها قدرة , وفي قلوبهم تجرد لها وإخلاص . وإلا الذين يؤثرونها على الراحة والدعة , وعلى الأمن والسلامة , وعلى المتاع والإغراء . وإنها لأمانة الخلافة في الأرض , وقيادة الناس إلى طريق الله , وتحقيق كلمته في عالم الحياة . فهي أمانة كريمة ; وهي أمانة ثقيلة ; وهي من أمر الله يضطلع بها الناس ; ومن ثم تحتاج إلى طراز خاص يصبر على الابتلاء .

ومن الفتنة أن يتعرض المؤمن للأذى من الباطل وأهله ; ثم لا يجد النصير الذي يسانده ويدفع عنه , ولا يملك النصرة لنفسه ولا المنعة ; ولا يجد القوة التي يواجه بها الطغيان . وهذه هي الصورة البارزة للفتنة , المعهودة في الذهن حين تذكر الفتنة . ولكنها ليست أعنف صور الفتنة . فهناك فتن كثيرة في صور شتى , ربما كانت أمر وأدهى .

هناك فتنة الأهل والأحباء الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه , وهو لا يملك عنهم دفعا . وقد يهتفون به ليسالم أو ليستسلم ; وينادونه باسم الحب والقرابة , واتقاء الله في الرحم التي يعرضها للأذى أو الهلاك . وقد أشير في هذه السورة إلى لون من هذه الفتنة مع الوالدين وهو شاق عسير .

وهناك فتنة إقبال الدنيا على المبطلين , ورؤية الناس لهم ناجحين مرموقين , تهتف لهم الدنيا , وتصفق لهم الجماهير , وتتحطم في طريقهم العوائق , وتصاغ لهم الأمجاد , وتصفو لهم الحياة . وهو مهمل منكر لا يحس به أحد , ولا يحامي عنه أحد , ولا يشعر بقيمة الحق الذي معه إلا القليلون من أمثاله الذين لا يملكون من أمر الحياة شيئا .

وهنالك فتنة الغربة في البيئة والاستيحاش بالعقيدة , حين ينظر المؤمن فيرى كل ما حوله وكل من حوله غارقا في تيار الضلالة ; وهو وحده موحش غريب طريد .

وهناك فتنة من نوع آخر قد نراها بارزة في هذه الأيام . فتنة أن يجد المؤمن أمما ودولا غارقة في الرذيلة , وهي مع ذلك راقية في مجتمعها , متحضرة في حياتها , يجد الفرد فيها من الرعاية والحماية ما يناسب قيمة الإنسان . ويجدها غنية قوية , وهي مشاقة لله !

وهنالك الفتنة الكبرى . أكبر من هذا كله وأعنف . فتنة النفس والشهوة . وجاذبية الأرض , وثقلة اللحم.
والدم , والرغبة في المتاع والسلطان , أو في الدعة والاطمئنان . وصعوبة الاستقامة على صراط الإيمان والاستواء على مرتقاه , مع المعوقات والمثبطات في أعماق النفس , وفي ملابسات الحياة , وفي منطق البيئة , وفي تصورات أهل الزمان !
فإذا طال الأمد , وأبطأ نصر الله , كانت الفتنة أشد وأقسى . وكان الابتلاء أشد وأعنف . ولم يثبت إلا من عصم الله . وهؤلاء هم الذين يحققون في أنفسهم حقيقة الإيمان , ويؤتمنون على تلك الأمانة الكبرى , أمانة السماء في الأرض , وأمانة الله في ضمير الإنسان .

وما بالله - حاشا لله - أن يعذب المؤمنين بالابتلاء , وأن يؤذيهم بالفتنة . ولكنه الإعداد الحقيقي لتحمل الأمانة . فهي في حاجة إلى إعداد خاص لا يتم إلا بالمعاناة العملية للمشاق ; وإلا بالاستعلاء الحقيقي على الشهوات , وإلا بالصبر الحقيقي على الآلام , وإلا بالثقة الحقيقية في نصر الله أو في ثوابه , وعلى الرغم من طول الفتنة وشدة الابتلاء .

والنفس تصهرها الشدائد فتنفي عنها الخبث ; وتستجيش كامن قواها المذخورة فتستيقظ وتتجمع . وتطرقها بعنف وشدة فيشتد عودها ويصلب ويصقل . وكذلك تفعل الشدائد بالجماعات , فلا يبقى صامدا إلا أصلبها عودا ; وأقواها طبيعة , وأشدها اتصالا بالله , وثقة فيما عنده من الحسنيين:النصر أو الأجر , وهؤلاء هم الذين يسلمون الراية في النهاية . مؤتمنين عليها بعد الاستعداد والاختبار .

وإنهم ليتسلمون الأمانة وهي عزيزة على نفوسهم بما أدوا لها من غالي الثمن ; وبما بذلوا لها من الصبر على المحن ; وبما ذاقوا في سبيلها من الآلام والتضحيات . والذي يبذل من دمه وأعصابه , ومن راحته واطمئنانه , ومن رغائبه ولذاته . ثم يصبر على الأذى والحرمان ; يشعر ولا شك بقيمة الأمانة التي بذل فيها ما بذل ; فلا يسلمها رخيصة بعد كل هذه التضحيات والآلام .

فأما انتصار الإيمان والحق في النهاية فأمر تكفل به وعد الله . وما يشك مؤمن في وعد الله . فإن أبطأ فلحكمة مقدرة , فيها الخير للإيمان وأهله . وليس أحد بأغير على الحق وأهله من الله . وحسب المؤمنين الذين تصيبهم الفتنة , ويقع عليهم البلاء , أن يكونوا هم المختارين من الله , ليكونوا أمناء على حق الله . وأن يشهد الله لهم بأن في دينهم صلابة فهو يختارهم للابتلاء:

جاء في الصحيح:" أشد الناس بلاء الأنبياء , ثم الصالحون , ثم الأمثل فالأمثل , يبتلى الرجل على حسب دينه , فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء " . .

وأما الذين يفتنون المؤمنين , ويعملون السيئات , فما هم بمفلتين من عذاب الله ولا ناجين . مهما انتفخ باطلهم وانتفش , وبدا عليه الانتصار والفلاح . وعد الله كذلك وسنته في نهاية المطاف:

(أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ? ساء ما يحكمون !). .

فلا يحسبن مفسد أنه مفلت ولا سابق , ومن يحسب هذا فقد ساء حكمه , وفسد تقديره , واختل تصوره . فإن الله الذي جعل الابتلاء سنة ليمتحن إيمان المؤمن ويميز بين الصادقين والكاذبين ; هو الذي جعل أخذ المسيئين سنة لا تتبدل ولا تتخلف ولا تحيد .


__________________
المستقبل لهذا الدين "سيد قطب"