عرض مشاركة مفردة
  #1  
قديم 19-12-2006, 11:02 AM
نواس2006 نواس2006 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2006
المشاركات: 123
إفتراضي الجبهة الإعلامية تقدم :: دُروسٌ في العَقِيدَة (مِنْهَاجٌ مُعَدٌّ للمُجَاهِدينَ) -6-

<br><br>
دُروسٌ في العَقِيدَة
<br><br>

(مِنْهَاجٌ مُعَدٌّ للمُجَاهِدينَ في سَبِيلِ الله)




أعَدَّ هذه الدروس/ عبد العزيز بن محمّد (أبو أسامة العراقي)



الدرس السادس




(ذو القعدة 1427 للهجرة)




تنبيه: مِن باب الصدق والأمانة فإنّي كثيراً ما أسوق كلام العلماء دون العزو إليهم، وقد أذكره معزواً إلى قائله فاقتضى التنبيه.




إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره.ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيّئات أعمالنا.مَن يهده الله فلا مُضلّ له،ومَن يُضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم.
أمّا بعد.




توحيد الإلهيّة

ذكرنا في الدرس الثالث أنّ (توحيد الإلهيّة) هو: إفراد الله تعالى بالعبادة.وأنّ مداره على: نفي جميع ما يُعبد مِن دون الله، والبراءة مِن هذا المنفي والكفر به وخلعه، وعلى إثبات العبادة لله وحده، وصرفها له سبحانه لا شريك له.فهو سبحانه وحده الإله الذي يألهه الخلق أي يعبدوه لا شريك له.فلا يُعبد إلا الله، لا ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل، فضلاً عن غيرهما.



التوحيد هو دين الناس كلّهم قبل الاختلاف

وهذا التوحيد العظيم هو الدين الذي فطر الله تعالى الناس عليه، وهو ملّة الناس كلّهم قبل أن يختلفوا، كما قال تعالى (كان الناس أمّة واحدة فبعث الله النبيين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق لِيَحكُم بين الناس فيما اختلفوا فيه) ألآية [ألبقرة:213].
والمعنى أنّ الناس كلّهم كانوا على ملّة الإسلام، فاختلفوا بعد ذلك، فبعث الله النبيين مبشّرين ومنذرين، كما قال عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما: (كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلّهم على شريعة مِن الحقّ فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشّرين ومنذرين) [رواه الطبري في التفسير 2/347 وإسناده صحيح].وذكره الإمام ابن كثير في التفسير (1/237) وعزاه إلى مجاهد أيضاً.وساق عن قتادة في معنى الآية قوله: (كانوا على هدى جميعاً).واختار هذا المعنى ابن كثير وقال: (لأنّ الناس كانوا على ملّة آدم حتّى عبدوا الأصنام فبعث الله إليهم نوحاً عليه السلام، فكان أوّل رسول بعثه الله إلى أهل الأرض).
ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى (وما كان الناس إلا أُمّةً واحدةً فاختلفوا) [يونس:19].أي أنّ الناس كلّهم كانوا على دين واحد هو الإسلام، ثمّ وقع الاختلاف بين الناس، وحدث الشرك فيهم بعد أنْ لم يكن، وعُبدت الأصنام والأنداد والأوثان، فبعث الله الرسل بآياته وبيّناته وحججه البالغة وبراهينه الدامغة.
وجزم بهذا المعنى الإمام ابن القيّم رحمه الله، فقال في (إغاثة اللهفان) (2/292ـ293):
(قال سعيد عن قتادة: ذُكر لنا أنّه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلّهم على الهدى وعلى شريعة مِن الحقّ، ثمّ اختلفوا بعد ذلك، فبعث الله نوحاً، وكان أوّل رسول بعثه الله إلى أهل الأرض، وبُعث عند الاختلاف بين الناس وترك الحقّ.
وقال ابن عبّاس: (كان الناس أمّة واحدة): كانوا على الإسلام كلّهم.
وهذا هو القول الصحيح في الآية) ـ إلى أن قال ـ (وهذا هو الصواب قطعاً)انتهى.
وقرر هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقال في (منهاج السنّة النبويّة) (5/256ـ257):
(وقال تعالى (كان الناس أمّة واحدة) يعني: فاختلفوا.كما في سورة يونس، وكذلك في قراءة بعض الصحابة، وهذا على قراءة الجمهور مِن الصحابة والتابعين: أنّهم كانوا على دين الإسلام.
وفي تفسير ابن عطيّة عن ابن عبّاس أنّهم كانوا على الكفر.وهذا ليس بشيء.وتفسير ابن عطيّة عن ابن عبّاس ليس بثابت عن ابن عبّاس، بل قد ثبت عنه أنّه قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلّهم على الإسلام.
وقد قال في سورة يونس (وما كان الناس إلا أُمّةً واحدةً فاختلفوا) فذمّهم على الاختلاف بعد أنْ كانوا على دين واحد، فعُلم أنّه كان حقّاً) انتهى كلامه رحمه الله.
وقال شيخ الإسلام في (الرسالة الصفديّة) (551):
(وقال تعالى (كان الناس أمّة واحدة فبعث الله النبيين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق لِيَحكُم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه مِن بعد ما جاءتهم البيّنات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لِما اختلفوا فيه مِن الحقّ بإذنه والله يهدي مَن يشاء إلى صراطٍ مستقيم) [ألبقرة:213].
قال ابن عبّاس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلّهم على الإسلام.
وقوله (كان الناس أُمّةً واحدة) أي: على الحقّ وهو دين الإسلام، فاختلفوا، كما ذكر ذلك في سورة يونس، هذا قول الجمهور وهو الصواب) انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً في (مجموع الفتاوى) (20/60):
(ولم يكن الشرك أصلاً في الآدميين، بل كان آدم ومَن كان على دينه مِن بَنيه على التوحيد لله لاتّباعهم النبوّة.قال تعالى (وما كان الناس إلا أُمّةً واحدةً فاختلفوا) [يونس:19].
قال ابن عبّاس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلّهم على الإسلام.
فبتركهم اتّباع شريعة الأنبياء وقعوا في الشرك..) انتهى.



حُدوث الشرك في بني آدم

بعد أنْ كانوا أمّةً واحدةً على التوحيد




والمقصود أنّ الأمر جرى على السَّداد والاستقامة، والأمّة واحدة، والدين واحد، والمعبود واحد.فلم يزالوا كذلك حتّى كاد إبليسُ بني آدم حتّى انقسموا قسمين، كفّاراً ومؤمنين، فكادهم بعبادة الصالحين وعبادة الأصنام مِن جهة العكوف على قبور الصالحين وتصويرهم والغلوّ فيهم، فظهر الشرك مِن تعظيم قبورهم وتصويرهم، وهذا كان أوّل أسباب الشرك الذي كادهم به إبليس.
قال الإمام ابن القيّم رحمه الله في (إغاثة اللهفان) (1/286):
(ومِن أعظم مكايده التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا إلا مَن لم يرد الله فتنته: ما أوحاه قديماً وحديثاً إلى حزبه وأوليائه مِن الفتنة بالقبور، حتّى آل الأمر فيها إلى أنْ عُبد أربابها مِن دون الله، وعُبدتْ قبورهم، واتُّخذتْ أوثاناً، وبُنيتْ عليها الهياكل، وصُوّرتْ صور أربابها فيها، ثمّ جُعلتْ تلك الصور أجساداً لها ظلّ، ثمّ جُعلتْ أصناماً وعُبدتْ مع الله) انتهى.
فلمّا تغيّرتْ فِطَر الناس بعث الله الرسل بصلاحها وردّها إلى حالتها التي خُلقتْ عليها.فمَن استجاب لهم رجع إلى أصل الفطرة.ومَن لم يستجب لهم استمرّ على تغيير الفطرة وفسادها.


وقد قصّ الله تعالى قصّة المشركين الذين غيّروا فطرتهم وأحدثوا الشرك بعد أنْ لم يكن، وأخبر الله تعالى أنّه بَعث إليهم عبده ورسوله نوحاً عليه الصلاة والسلام يأمرهم بالتوحيد.
فأوّل ما حدث الشرك في بني آدم كان في هؤلاء القوم.
قال الله تعالى عنهم (وقالوا لا تَذَرُنَّ آلهتكم ولا تَذَرُنَّ وَدّاً ولا سُواعاً ولا يَغُوْثَ ويَعُوْقَ ونَسْراً) [سورة نوح:23].
روى البخاريّ في الصحيح (6/199) عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: (صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بَعْدُ، أمّا وَدّ كانتْ لِكَلْبٍ بِدوْمَة الجَنْدَل، وأمّا سُوَاع كانت لِهُذَيل، وأمّا يَغُوْث فكانت لِمُراد، ثمّ لِبَني غُطَيفٍ بالجَوْف عند سبأ، وأمّا يَعُوْق فكانت لِهمدان، وأمّا نَسْر فكانت لِحِمْيَر، لآلِ ذي الكَلاع، أسماءُ رجالٍ صالحين مِن قوم نوح، فلمّا هَلَكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انْصِبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنْصاباً وسَمُّوها بأسمائهم، ففعلوا فَلَمْ تُعْبَد، حتّى إذا هَلَك أولئك وتَنَسَّخَ العِلْم عُبِدَتْ).
وقوله في الحديث: (أنْصاباً) هي جمع (نصب).والمراد بها الأصنام المصوّرة على صورهم، المنصوبة في مجالسهم.ذكره الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمّد بن عبد الوهّاب رحمهم الله في (تيسير العزيز الحميد) (309).
وقوله: (وتَنَسَّخ العِلْم) أي: درست آثار العلم الذي فيه بيان الشرك والتوحيد، وسببه ذهاب العلماء.أفاده بمعناه الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمّد بن عبد الوهّاب رحمهم الله في (فتح المجيد) (221).
وقد تبيّن مِن حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّ أوّل شرك حدث في الأرض هو الشرك بالصالحين.وهو أصل شرك العرب.كما نصّ على هذا الإمام ابن أبي العزّ رحمه الله في (شرح العقيدة الطحاويّة) (81).
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله في (مجموع الفتاوى) (17/274):
(وقد قال غير واحد مِن السلف إنّ هذه أسماء قوم صالحين كانوا فيهم.فلمّا ماتوا عكفوا على قبورهم، ثمّ صوّروا تماثيلهم، ثمّ بعد ذلك عبدوهم.وذلك أوّل ما عُبدت الأصنام، وإنّ هذه الأصنام صارت إلى العرب..)انتهى.
وكذلك ذكر الإمام ابن القيّم رحمه الله عن السلف في (إغاثة اللهفان) (1/287).ونقله أيضاً عنهم الإمام ابن أبي العزّ رحمه الله في (شرح العقيدة الطحاويّة) (81).
وفي كلام السلف السابق ذِكْرُ العكوف على قبور الصالحين قبل تصويرهم.والعكوف على القبر شرك في العبادة كما نصّ عليه الشيخ عبد الرحمن بن حسن في (فتح المجيد) (223).وقال:
(لأنّ العكوف لله في المساجد عبادة.فإذا عكفوا على القبور صار عكوفهم تعظيماً ومحبّة عبادة لها) انتهى.