عرض مشاركة مفردة
  #21  
قديم 15-01-2007, 06:36 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

موقفه من مسألة تأميم النفط واستخدامه كسلاح .

عندما يتبجح الغرب ويقول: عندنا ديمقراطية، فهم صادقون بقولهم، لكن أي ديمقراطية؟ .. إنها ديمقراطية لصوص اتفقوا على أن يقتسموا ما يسرقون وفق نظم يضعونها، ويغلفونها بقوانين دولية، تبدو للمغفلين أنها قوانين تراعي حقوق الإنسان وتحترم إرادة البشر .. ولكن تلك القوانين لا يطبقها الغرب إلا على من لا يملك القوة.. وإن رفض فإن أذرعا جاهزة أعدت لإجبار من يتمرد على الانصياع والرضوخ، فهناك أذرع اقتصادية تتمثل بصندوق النقد الدولي، ومجموعة السبعة التي أصبحت مجموعة الثمانية بعد انضمام روسيا .. وهناك منظمة (الغات) .. كما أن هناك أذرعا عسكرية يتم فلسفة أداءها من خلال مجلس الأمن الذي كرس لخدمة أولئك اللصوص ..

فلن يتدخل أحد من اللصوص إذا ما تم الاتفاق على نهب نحاس إفريقيا بسعر عشرين دولار للطن، فلن ينبري أحد من الشركاء السارقين ليقول: إنه حرام .. اجعلوا الطن بثلاثين .. ولن ينبري أحد إذا ما جعل ثمن قلم الحبر المُصنَع في الغرب يعادل عشرة براميل نفط .. أو جعل ثمن طائرة يساوي إنتاج دولة من النفط ليومين .. كما أنهم وهم يسلكون هذا السلوك يمنون على الدول التي ينهبون خيراتها، أنه لولا جهد الغرب لبقيت تلك الدفائن في مكانها.. وكأنهم سحرة يفكون طلاسم الحارس الجني لتلك الدفائن ..

لقد ربط الغرب نهبه للموارد الطبيعية، بإفشاء التخلف والابتعاد عن المشاريع الاقتصادية العملاقة، التي تبعد المنتجين عن الالتحاق بركب التقدم العلمي، فلذلك لا عجبا أن نجد اليوم أن أكثر الدول المنتجة للنفط من دول العالم الثالث، هي أقلها للدعم العلمي وأكثرها لإقامة المشاريع العقارية والعمرانية التي تفتح باب الطلب على ما ينتجه الغرب من مكملات لتلك الأبنية .. ويفرح أصحاب تلك الدول أن لديهم حركة حضارية .. سرعان ما تختفي، وتختفي ثرواتهم من خلال تجميد موجوداتهم المالية لدى الغرب، أو سحبها مرة أخرى من خلال مضاربات الأسهم ..

في حين تثور ثائرة الغرب، فيما لو أحس أن هناك ما يهدد مصالحها .. وهذا ما رأيناه عندما صب الغرب ضرباته الجوية على سد الموصل الذي تساوي طاقته التخزينية مرتين ونصف ما يخزن في السد العالي في مصر .. وكان ذلك في حرب الكويت .. فأين الكويت وأين الموصل و سدها ؟

أدرك الشهيد ورفاقه منذ اليوم الأول أنه لا فائدة من الاستقلال ما لم تكن ثروات العراق محررة تحريرا كاملة .. فمنذ السنة الأولى تم إيفاد المهندسين والكيميائيين الى الاتحاد السوفييتي وإسبانيا، تهيئة لكوادر تكون قادرة على إنجاز عملية التأميم وصيانتها. وبعد أن تم استخراج النفط من حقول (الرميلة) بأيدي وخبرات عراقية خالصة، وبعد أن تبين أن إنتاج تلك الآبار فاق ما يأخذه العراقيون كحصة متفق عليها من كل نفط العراق بحقوله كلها (عين زالا ، كركوك، البصرة و غيرها) .. أيقنت القيادة العراقية أن معركة التأميم قادمة وشرسة ..

وفي سؤال تم طرحه على الشهيد حول قرار التأميم، هل كان مدروسا أم لا؟ أجاب: ( أنا دائما أفرق بين القائد والخبير، بين القائد وبين المساعد، بين القائد وبين الاستشاري، لذلك اعتقد أنه عندما يتحول الخبراء الى قادة، فإن أي نظام من هذا النوع لا يمكن أن يحقق تدابير وانجازات عظيمة وتاريخية. وعندما يكون السياق العام والاعتيادي للقادة هو إهمال رأي الخبراء والاستشاريين، يتحول تصرفهم الى ضرب من العمل المغامر في أحيان كثيرة، والى عمل مرتجل في أغلب الأحيان)*1 .. (في قرار التأميم جمعنا معلومات عن مواردنا السنوية غير النفطية، درسنا ماذا يمكن أن نحصله من القروض من العرب أو غير العرب، درسنا إمكانية الصعوبات التي تجابهنا في تسويق النفط، تناقشنا مع الفنيين الاختصاصيين في الشؤون المالية والاقتصادية والماليين بما في ذلك الخبراء النفطيون من التأميم بصورة أو بأخرى، ولم يكن خبير واحد متحمسا للتأميم، ولكننا اتخذنا قرار التأميم)*2

ويضيف الشهيد ( نحن تصرفنا بروح وعقلية أخرى، أساس حساباتها يكمن في تقديرنا الصائب أن الروح المعنوية التي يخلقها التأميم للشعب ستتحول الى عملة صعبة تعالج الثغرات التي أشار إليها الفنيون، وهي حسابات من النوع الذي لم يستطع الفنيون رؤيته أو معرفة طريقه... لذلك كان قرارنا صائبا)*3

ردات الفعل المحلية والعربية والدولية:

كانت ميزانية العراق في عام 1971 (241 مليون دينار عراقي) أي ما يقارب 780 مليون دولار .. في حين وصلت الى ما يقارب ال 30 مليار دولار عام 1979 .. فكيف كانت ردات الفعل :

1ـ في ليلة إعلان قرار التأميم خرج كل الشعب العراقي مهللا ومرحبا بالقرار، وعندما حوصر العراق ومنع من تصدير نفطه، بادر المواطنون بشراء سندات الصمود لدعم الدولة في قرارها الذي انتصرت في معركته في 1/3/1973

2ـ عربيا: لا زلت أذكر نشرة أخبار إذاعة (صوت العرب من القاهرة) في السابعة صباحا .. عندما جاء على لسان المذيع : ( أممت الحكومة السورية أنابيب شركة نفط العراق .. ثم صمت ليضيف على استحياء: كما أممت حكومة العراق مصالح الشركة المذكورة !) ..

كما أن الحكومة السورية رفضت السماح للنفط العراقي المرور بالأنابيب، رغم أنها كانت تتقاضى بضعة بنسات (أجزاء من الدولار) لكل برميل، في حين عرضت الحكومة العراقية دولارين لكل برميل يمر الى الموانئ السورية، دون جدوى ..

3ـ عالميا: رفضت معظم دول العالم أن تشتري النفط العراقي، وبادرت الحكومة السوفييتية بمطالبة العراق بمبلغ (16) مليون دولار ديونا كانت مترتبة على عبد الكريم قاسم .. فعرض أن يسدد قيمة هذا الدين على شكل (قمح) حيث كان موسم عام 1972 يزيد عن (7) مليون طن .. ففي حين كان السوفييت يشترون الطن ب 45 دولار .. عرضه العراق ب (32) دولار ثم ب (24) دولار، واضطر أخيرا أن يبيع للحكومة السعودية ب (8) دولارات ليسدد دين السوفييت .

عندما استطاع العراق كسر الحصار بتسويق نفطه بواسطة أسطول بسيط كان قد أعده مسبقا لذلك، بيَت الغرب الخطط للتخلص من نظامه الوطني منذ ذلك التاريخ، فقد أعدت في عهد (كارتر) الخطط لغزو العراق، ولكن الظروف الدولية حينها أجلت من ذلك .. فأخذت المخابرات المركزية الأمريكية على عاتقها، تخطط لقلب النظام من خلال تسع محاولات كان آخرها تلك التي تعاونت فيها مع مجموعة من المحيطين بالشهيد ..

استطاع العراق أن يستثمر عائداته النفطية، في عدة مشاريع ضخمة، أهمها الصناعات البتروكيمياوية (أسمدة و غيرها) .. كما استطاع أن يقيم سد الموصل وينظف العراق من الملوحة التي قال عنها الخبراء الهولنديون والصينيون أنه لو وضعنا قطارا يحيط بعرباته الكرة الأرضية لامتلأ من ملح العراق مرتين .. كما نهض بمشاريع مكافحة الأمية و النهوض بالمستوى التعليمي و التقني وغيرها من الانجازات التي شهد له كل منصف بالعالم عندما أقروا بأن العراق قد غادر موقعه من مصاف دول العالم الثالث .. كما استخدم النفط كسلاح بالتنسيق مع الراحل الملك فيصل في حرب تشرين 1973التي كانت كفسحة لرد بعض الاعتبار المعنوي للأمة ..

ثم لتقلب الصفحات في محاولة إعاقته بوسائل إقليمية ودولية أخرى ..

المراجع :
1ـ المختارات/ صدام حسين الجزء العاشر/ ص 56
2ـ المصدر نفسه ص 57
3ـ المصدر نفسه 58
__________________
ابن حوران