عرض مشاركة مفردة
  #28  
قديم 03-02-2007, 06:31 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

9ـ الحرب العراقية الإيرانية ودحض المزاعم في أن العراق هو من أشعلها.


تمهيد:

يسود اعتقاد لدى قادة الفرس على مر التاريخ أنهم أمة أكثر عراقة ورقيا وحضارة من العرب، وأن الإسلام قد قوي بالفرس أكثر ما قوي بالعرب، وأن العرب هم أقوام همجية لا حضارة لهم ولا يطيعون سلطانا ولا يؤمن جانبهم (كما نقل ذلك الجاحظ في كتابه البيان والتبيين إذ كان يتعرض لصورة العرب بأعين الفرس).. وتكاد تلك الصورة أن تجد لها مكانا في نفوس بعض الطيبين العرب.

والحقائق التاريخية تنفي ذلك نفيا كاملا، فإذا عرفنا أن عدد سكان الكرة الأرضية عند مولد السيد المسيح عليه السلام كان 200 مليون نسمة*1 فقد كان سكان الأردن وحدها في ذلك التاريخ 12 مليون نسمة. وأن عدد سكان العراق في عهد هرون الرشيد كان 35 مليون نسمة. في حين أن عدد سكان إيران عام 1850 كان 10 ملايين نسمة*2 . كما أن إيران ذات المساحة التي تساوي أربعة أضعاف مساحة العراق، بها خمس قوميات هي الفارسية والعربية والأذرية والبلوشستانية والكردية ..

ويعود تاريخ إيران في أقصى قدمه الى القرن السادس عشر قبل الميلاد عندما زحفت قبائل آرية من ضفاف نهر (الفولغا) لتحتل المنطقة الشرقية وتؤسس دولة (بيريث) أي فارس، جهة خراسان وما حولها والدولة الميدية في الغرب بمحاذاة تخوم العراق ، وكانتا بلغة آرية وقد أطلق المؤرخون عليهما (اريان )، وقد أعيد هذا الاسم عام 1925 أيام (رضا بهلوي) ..

وقد سطع نجم إيران في عهد (كورش) الذي قضى على الدولة البابلية، واحتل العراق وزحف نحو فلسطين، بأحلام توسعية لم ولن تنتهي لغاية اليوم .. وتكاد فترة الحكم الساساني أن تكون مصدر المجد الوحيد لمفكري إيران، وساستهم وأدبائهم الذين ما فتئوا يتغنون بتلك الأمجاد، حيث ألغوا التقويم الهجري الإسلامي أيام الشاه (محمد رضا بهلوي) وجعلوا يوم (صفر) تاريخهم تبدأ باليوم الذي أعاد به (كورش) اليهود الذين سباهم البابليون الى فلسطين!

كما أن عقدة العرب والإسلام لا زالت تسيطر عليهم، فبالرغم أن عمر بن الخطاب وخالد ابن الوليد رضوان الله عليهما من أكثر صحابة الرسول صلوات الله عليه وتسليمه، وأحدهما من المبشرين بالجنة، فإيران تخلو من هذين الاسمين، بل وقد وضع مقام لقاتل الفاروق (أبي لؤلؤة المجوسي) في وسط طهران ليتبرك به الفرس!

كما لم يذكر التاريخ للفرس أنهم اشتركوا في حرب لصالح المسلمين، في حين تجدهم حاضرين في كل فتنة وفي كل فرصة للهجوم على العرب والمسلمين:

1ـ كانوا حضورا في فتنة عثمان بقوة، وهم من قتلوه، وألصقوا جريمة قتله بغيرهم ..
2ـ كانوا حاضرين وجاهزين بفتنة (الأمين والمأمون) فقتلوا الأمين..
3ـ كانوا في الفترة التي تستعد قوات العثمانيين لدخول فيينا في طريقها لنشر الإسلام في كل أوروبا، جاهزين للانقضاض على العراق لتقفل قوات المسلمين راجعة لمعالجة عدوانهم ..
4ـ لم يمر قرن من الزمان إلا ولهم عدوان كبير على العرب( راجع جيران العرب/إيران على هذا الموقع كموضوع منفصل) ..
5ـ كانوا باستمرار وقوفا مع أعداء الأمة، مع الصليبيين وهولاكو، ووزعوا الحلوى في هزيمة العرب أمام الكيان الصهيوني، ووقفوا مع الأمريكان واستغلوا حالة عدوانهم على العراق ليمضوا تقتيلا وذبحا لعلماء وقادة العراق.

الخميني وعدوانه على العراق :

كان العراق في عهد الشاه مبتليا بدعم الشاه المقترن بالدعم الصهيوني والإمبريالي لزمرة ضالة في شمال العراق، حصلت على أفضل وضع سياسي لها على مر التاريخ، كما لم تحصل على جزء من ذلك الحق المشروع في أي دولة من الدول التي يتواجد بها الأكراد (بما فيها إيران نفسها) وقد ازداد التدخل الإيراني في دعم العصاة في الشمال بعد تأميم النفط .. وعندما كان لا بد من طي هذا الملف، الذي رأت إيران أن خططها لم تعد تقض مضجع العراق، فقد وقعت اتفاقية الجزائر التي تسمح لإيران باستخدام شط العرب للملاحة، مقابل كف إيران عن التدخل بالشأن العراقي، والمعروف أنه بعد تلك الاتفاقية، انهارت قدرة المتمردين في شمال العراق على الصمود، وهذا يدلل على أن الحرب في الشمال كانت مع إيران ، كما نصت الاتفاقية على إعادة مناطق عراقية تحت الاحتلال الإيراني (سيف سعد وزين القوس وغيرهما) .. تلكأ الإيرانيون في الإيفاء بالجزء الذي يتعلق بهم ..

الخميني وسر وصوله للحكم :

كان الخميني مبعدا من قبل نظام الشاه الى العراق (حيث بقي 14سنة)، على إثر انتفاضة في بداية الستينات على الشاه، أُتهم الخميني بالمشاركة في الإعداد لها.. وعندما أمم العراق نفطه في 1/6/1972، وزادت المهام الموكلة لنظام الشاه في إحباط خطط العراق في النجاح بذلك، وكان العراق قد أعد لذلك بالتوقيع على مشروع الحكم الذاتي في الشمال.. وهنا ضاعف الشاه جهوده من أجل تخريب مشروع الحكم الذاتي، لكي لا يفتح عيون أكراد إيران من جهة، ولكي يجعل العراق في وضع غير قادر على صيانة قرار التأميم. طلبت القيادة العراقية من (الخميني) أن يصدر بيانا للمجاملة يستنكر فيه التدخل من قبل الشاه في العراق .. فكان جواب الخميني بأنه لا يتدخل في السياسة وإنما هو رجل دين ورفض.. عندما وقعت اتفاقية الجزائر، أصبح الخميني يصدر البيان تلو البيان مهاجما الشاه في إيران، واحتراما لنص الاتفاقية (دوليا) طلبت القيادة من الخميني الكف عن نشاطه السياسي ويبقى ملتزما في أداءه الديني ..لكنه رفض فطلب منه مغادرة العراق، فطلب نقله الى الكويت التي رفضت استقباله فنقل الى ضاحية قرب باريس في فرنسا ..

وعندما عاد الى إيران عاد الى المطار وخرج الى الشوارع حيث لم تتدخل قوات الجيش الذي كان يُعد من الجيوش القلائل في العالم المعد إعدادا جيدا في تعاون دقيق منذ مجيء الشاه (أثناء الحرب العالمية الثانية) ولما أعيد الى الحكم بعد إفشال ثورة (مصدق)، مع الولايات المتحدة الأمريكية، وجهاز (سافاك) مدرب على قمع الإيرانيين !

اجتهاد في تفسير وصول الخميني للحكم :

هناك في السياسة ما يسمى ب (إدارة الأزمات) ..وهي أشبه باجتهاد بعض السلطات المعنية بإيصال التيار الكهربائي للمواطنين، أن تجعل الكهرباء تقطع عن الحي 4 ساعات ثم تقطع عن حي آخر في نفس المدينة أربعة ساعات أخرى.. كإدارة للأزمة، في حين يفترض أن تبحث عن حل جذري لتلك المسألة. كما يحدث هذا في توزيع المياه والوقود وغيره ..

وأحيانا تلجأ بعض النظم الحاكمة في إدارة أزمة البلاد، عندما تتفاقم ويصبح هناك حديث وململة بين الناس. فيتم تسريب إشاعة بأن هناك تغيير وزاري وحكومة جديدة في الأفق، وتماطل في ظهور تلك الحكومة عدة شهور فيلتهي الناس بمراهنات التوقع (المجانية) من سيكون رئيس وزراء ومن سيكون وزير كذا ..حتى تأتي الوزارة الجديدة وتشبع المواطنين وعودا وتطلب منهم الصبر قليلا ليحصدوا في معيتها الخير .. حتى ينكشف أمرها وتعاود الكرة بأن هناك تغيير وزاري ..

في السياسة الدولية، هناك خطوط حمراء إن تعداها نظام ما في بلد ما فإن الضغوط الدولية واللغط بشأنه سيزيد .. لكن إن كان هناك نظام حليف للغرب واستنزف قدرته على البقاء أو حل مشاكل الناس، فإن الغرب لن يبقى متمسكا بهذا النظام .. فيهيئ الفرص للتخلص منه وسيكون هذا أشبه بإدارة الأزمة..

كان نظام الشاه الذي كان يسمى (شرطي الخليج) قد أوكلت به بعض المهام:
1ـ منع تكوين حكومات عربية قوية في دول الخليج العربي، وجعل تلك الدول بشكل فسيفسائي لا حول لها ولا قوة .. وهي رؤية صهيونية إيرانية مشتركة. فتلتقي مصالح (الإمبريالية والصهيونية والفرس ) بها .. ثم أضيف لهذا الثالوث فيما بعد من استمرأ ذلك المخطط ليحيا حياة عبثية شبيهة بحياة الدول، لكنها ليست هي..

2ـ مشاغلة العراق وتأخير تقدمه، ومحاولة تقسيمه أسوة بالحالة الخليجية، حتى لا يكون هناك جسم قوي موحد يشكل هواجس خطرة على الثالوث المذكور.

شعر شاه إيران أن البلاد أصبحت من القوة بمكان وأنه لا بد أن يعيد أمجاد (ساسان) .. فألغى التقويم الهجري واحتفل احتفالا أسطوريا بذكرى (كورش) .. ثم أخذ يفكر في تنمية البلاد فأطلق ما سمي ب (الثورة البيضاء!) .. وكون إيران التي يعيش فيها حوالي 70 مليون نسمة، لا تستطيع إطعامهم فقد نصحوه الأمريكان أن يدعو لتأسيس (سوق آسيوية مشتركة) .. فذهب الى باكستان فرفضوا فكرته وطاف في بلاد آسيا فأعد له رماة البيض الفاسد وغيرهم، ليبلغوه رسالة أمريكا بانتهاء مهمته .. خصوصا أن الهدفين الذين أوكلا بهما لم يعد مؤثرا بهما.. فدول الخليج على علاقة طيبة مع الغرب.. والعراق، هو من خرج رابحا من الصراع الطويل الذي كانت ساحته في الشمال ..

هنا كان دور الخميني (التزاما بنظرية كيسنجر لاستغلال الدين )

يتبع


المراجع:

*1ـ مقدمة في دراسة المجتمع العربي/دار الطليعة بيروت ط2/1980/ د الياس فرح ..
*2ـ إيران وتركيا/ جامعة الموصل/ 1992/د ابراهيم خليل احمد ود خليل علي مراد

*3ـ التآمر على العراق / زهير صادق الخالدي/ ط1/1988/ص439
__________________
ابن حوران