عرض مشاركة مفردة
  #20  
قديم 17-04-2006, 07:21 AM
عبد الرحمن السحيم عبد الرحمن السحيم غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 73
إفتراضي الجزء الأخير من الإجابة

..

أما قوله تعالى : (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)[البقرة:256] ..


فأولاً :
لم يَحدِث – كما قُلْتَ – سبي بطريقة آلية لِكل النساء والأطفال ..

بل لم يحصل السَّبي إلا في حال الحرب ، وهذا - كما تقدّم – إنما هو خِيار اختاره أصحابه وقرار اتَّخَذوه بأنفسهم ! وهو قرار الحرب .

ثانياً : مِن باب العدل والإنصاف أن تُذْكَر الجوانب المشرقة في هذا الباب :
فمعاملة الرقيق ( أو أسير الحرب ) لم تَكن في زمان أو في عُرْف كما كانت في الإسلام ، مما تقدّم بعضه من مزايا مُعاملة الرقيق في الإسلام .

ومن ذلك أيضا أن أرباب تلك الأموال ورعايا تلك الأنفس ( من أطفال ونساء ) إذا جاءوا مُسلِمين فإنّ ديننا حثّنا على ردّ ما اُخِذ منهم
وهذا ما حصل في غزوة الطائف التي وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .

لما جاء وفدُ هوازنَ مُسْلِمين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَرُدّ إليهم أموالهم وسَبْيَهم ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحبُّ الحديث إليّ أصْدَقُـه ، فاخْتَارُوا إحْدى الطائفتين ؛ إمّا السّبي وإمّا المال ، وقد كنت اسْتَأنَيْتُ بهم ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم انْتَظَرَهم بضع عشرة ليلة حين قَفل من الطائف ، فلما تّبَيّن لهم أن رسول الله غيرَ رادٍّ إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا : فإنا نختار سَبْيَنَا ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاؤونا تائبين ، وإني قد رأيت أن أردَّ إليهم سَبْيَهم فمن أحبَّ منكم أن يُطيِّبَ بذلك فليفعل ، ومن أحبَّ منكم أن يكون على حَظِّه حتى نُعْطيَه إياه من أول ما يَفيء الله علينا فليفعل . فقال الناس : قد طَـيّبْنا ذلك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا لا نَدري من أذِن منكم في ذلك ممن لم يأذَن ، فارْجِعُوا حتى يَرفعَ إلينا عرفاؤكم أمرَكم ، فَرَجَع الناس فَكَلّمهم عرفاؤهم ، ثم رَجَعُـوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فـأخْبروه أنهم قد طَـيّبوا وأذِنُوا . رواه البخاري .

ثالثاً : معنى الآية التي أشرتَ إليها :

فالآية قد نَزَلَتْ في أهل الكتاب خاصة ، وأنهم لا يُكْرَهُون على الإسلام إذا أدّوا الجزية ، والذين يُكْرَهون أهل الأوثان ، فلا يُقبل منهم إلا الإسلام .
والحجّة لهذا القول ما رواه زيد بن أسلم عن أبيه قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية : أسْلِمي أيتها العجوز تَسْلَمِي ، إن الله بعث محمدًا بالحق قالت : أنا عجوز كبيرة والموت إليّ قريب ! فقال عمر : اللهم اشهد ، وتلا : (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) . كما قال القرطبي .
ومِن معنى الآية :
لا إكراه في الدِّين من ناحية إدخال الإيمان إلى القلوب ، لما عُلِّل به الْحُكم في قوله تعالى : (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)[البقرة:256] . أي إذا كان الحقّ بهذا الوضوح فلا يَحتاج الأمر إلى إكراه ، كما أنه لا أحد يستطيع أن يُكرِه غيره فيُدْخِل الإيمان في قلبه .. لأن هذا الأمر ليس بيد أحد من البشر .

وأما قوله تعالى : (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) فالْحُكْم للأغلب .
فالذي لم يُقاتِل هو من سالَم كبيرا كان أو صَغيرا
أما مَن قاتَل رِجالهم فالنساء والأطفال تبَع لهم

ومِن هذا المعنى ما جاء في صحيح البخاري وصحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الذراري من المشركين يُبَيَّتُون فيُصِيبون من نسائهم وذراريهم . فقال : هم منهم .

فالنساء تبَع للرِّجال .. وإلا فمن المعلوم أن المرأة لا تُقاتِل غالبا

ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَنْهى عن قَتْل النساء والأطفال لأنهم لا يُقاتِلون ..

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصَّتِه بتقوى الله ، ومن معه من المسلمين خيرا ، ثم قال : اغْزُوا باسم الله في سبيل الله ، قَاتِلُوا مَن كَفَرَ بالله ، اغْزُوا ولا تَغُلُّوا ، ولا تَغْدُرُوا ، ولا تُمَثِّـلُوا ، ولا تَقْتُلُوا وَليداً ، وإذا لَقِيتَ عَدوك من المشركين فادْعُهم إلى ثلاث خصال أو خلال ، فأيتهنّ ما أجابوك فاقْبَل منهم وكُفّ عنهم : ادْعُهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقْبَل منهم وكُفّ عنهم ، ثم ادْعُهم إلى التحوّل من دارهم إلى دار المهاجرين ، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فَلَهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين ، فإن أبَوا أن يَتَحَوّلُوا منها فأخبرهم أنهم يكَونون كأعراب المسلمين يَجري عليهم حُكم الله الذي يَجري على المؤمنين ، ولا يَكون لهم في الغنيمة والفيء شيء ، إلا أن يُجَاهِدوا مع المسلمين ، فإن هُم أبَوا فَسَلْهُم الجزية ، فإن هُم أجابوك فاقْبَل منهم وكُفّ عنهم ، فإن هُم أبَوا فاسْتَعِن بالله وقاتِلهم . رواه مسلم .

ولذلك يُسْبَون لأن رجالهم اخْتَارُوا القِتال .. ولا يُقتَلُون لأنهم لم يُقاتِلوا ..

وإذا أردنا أن نقلِب الدعوى قلنا : ما ذنب أطفال أفغانستان والعراق بل وفلسطين – حينما يُقتل ابن الخامسة أو السادسة ؟ أو الطفل في مهدِه ؟ أمام سَمْع العالَم وبصَرِه مِن غير نَكِير !

ثم إن الإحسان إلى غير المحارِبين لم يُـنْـهَ عنه في دِيننا ..

ولذلك أهْدَى عمر رضي الله عنه جُبّة إلى أخٍ له بمكة ، وكان مشرِكا . كما في الصحيحين ( البخاري ومسلم ) .

واستأذَنَتْ أسماء بنت أبي بكر أن تَصِلّ أمّها ، فإذِن لها النبي صلى الله عليه وسلم . كما في الصحيحين ( البخاري ومسلم ) .


وهذا كله داخل في الآية (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
ثم إن هذه الآية أعقبها قول رب العِزّة سبحانه وتعالى : (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) .

وأما البلاد المفتوحة أو التي أسْلَمَت أو أُعْطِيت الأمان فلا يُمكن أن تُسبى نساؤهم .. ولم يَكن ذلك في الإسلام أبدا

ولذلك لم يَكن في مكة سبي ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم الأمان ، فقال : مَن دَخَل دار أبي سفيان فهو آمِن ، ومَن ألْقَى السلاح فهو آمِن ، ومَن أغْلَق بابه فهو آمِن . رواه مسلم .

وهذا يُؤكِّد على أن الإسلام ليس مُتطلِّعا إلى السبايا ولا إلى أخذ أموال الناس .. فرسولنا صلى الله عليه وسلم ردّ على أهل الطائف نساءهم – كما تقدّم – وأمّـن أهل مكة بمجرّد إغلاق الأبواب وعدم المحارَبَة .

كما أن مكة ليست كغيرها فهي بلد مُحرّم لا يُقتَل صيده ، ولا يُقطَع شجره .. وذلك من زمان إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام .. فجاء الإسلام فزاد ذلك توثيقا وتقديسا .

وبعد فتح مكة صارتْ بلد إسلام يُهاجَر إليها ولا يُهاجَر منها ، ولم تُصبَح بعد ذلك بلد كُفْر ولن تُصبِح كذلك ..
فلا يَرِد السؤال : ( لماذا لم نسمع عن سبي القرشيات المشركات مثلا و استرقاق غلمانهم ؟ )

لأن أهل مكة أُعْطُوا الأمان ..
ولأن مكة تختلف عن غيرها من البلاد .

أما ما يُثار عن التعدد في الإسلام فليس فيه ما يُعاب به الإسلام ، بل هو مَحَلّ مَدْحٍ !
كيف ؟
عندما جاء الإسلام كان الرَّجُل يتزوّج بما شاء من النساء ..
بل كان ذلك قبل الإسلام ففي سِفْر التكوين الإصحاح 4 : 19 تَزَوّج من امرأتين . ما زال المبشِّرُون النصارى يَتغاضون عن تعدد الزوجات في إفريقية وغيرها .
وفي سِفر الملوك الأول الإصحاح 11 : 3
700 زوجة و 300 سُرّية لسليمان عليه السلام



يقول الدكتور مصطفى السباعي : حين كنت في " دبلن " زرت مؤسسة الآباء اليَسُوعيين فيها ، وجَرَى حديث طويل بيني وبين الأب المدير لها ، وكان مما قلته له :
لماذا تَحْمِلُون على الإسلام ونَبِـيِّه ، وبخاصة في كُتبكم المدرسية بما لا يَصِحّ أن يُقال في مثل هذا العصر الذي تَعَارَفَتْ فيه الشعوب ، والْتَقَتْ فيه الثقافات ؟
فأجابني : نحن الغربيين لا نستطيع أن نَحْتَرِم رجلا تزوّج تِسْع نساء !
قلت له : هل تَحْتَرِمُون نبي الله داود ، ونبيّه سليمان ؟
قال : نعم ، وهما عندنا من أنبياء التوراة .
قلت : إن نبي الله داود كان له تسع وتسعون زوجة كما هو معلوم ، ونبي الله سليمان كانت له – كما جاء في التوراة – سبعمائة زوجة من الحرائر ! وثلاثمائة من الجواري ، وكُنّ أجمل أهل زمانهن فلِمَ يَسْتَحِقّ احترامكم من يتزوّج ألف امرأة ، ولا يَسْتَحِقّ مَن يتزوّج تِسعـاً ؟!
لماذا لا يستحق احترامكم من تزوّج تسعـاً ، ثمانية منهن ثيبات وأمهات ، والتاسعة هي الفتاة البكر الوحيدة التي تزوجها طيلة عمره ؟
فَسَكَت قليلاً وقال : لقد أخطأت التعبير ، أنا أقصد أننا نحن الغربيين لا نَستسيغ الزواج بأكثر من امرأة ، ويبدو لنا أن من يُعَدِّد الزوجات غريب الأطوار ، أو عارِم الشهوة !
قلتُ : فما تقولون في داود وسليمان وبقية أنبياء بني إسرائيل الذين كانوا جميعاً مُعَدِّدِين للزوجات بدءًا من إبراهيم عليه السلام ؟
فَسَكَت ولم يَجِد جوابـاً !


فالإسلام لم يأتِ بالتعدد ابتداءً ، وإنما حدّدَه وضَبَطه وقيَّدَه .

ومبدأ التعدد تتفّق عليه أمم الأرض قديما وحديثا ..
وهو في مصالِح الشعوب ..

وهذا سبق أن بَسَطْتُه في مقال بعنوان :
قضية تعدد الزوجات بأعين الأمم المعاصرة
وهو هنا :
http://saaid.net/Doat/assuhaim/39.htm

أما التّسَرِّي وبيع وشراء الإماء فهو مُختَلِف تماما عن الزواج ، فالزواج له أحكامه الخاصة به ، والتسَرِّي له أحكامه الخاصة به أيضا .
أما المتعة فهي بمثابة تأجير قصير ! تَعمل به بعض الطوائف المنتسِبة إلى الإسلام !

ثم إن العمل بِموجب هذا لم يَكن في الإسلام فحسب ، بل هو في الشرائع السابقة .

كما أن التشريع الرباني قد تُعلَم حِكمته وقد لا تُعلَم ، وربّ العِزّة سبحانه وتعالى (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) .

ووفقك الله لما يُحب ويَرضى
الرد مع إقتباس