عرض مشاركة مفردة
  #26  
قديم 23-01-2007, 10:37 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

7ـ موقفه من الأقطار العربية وكيفية التعامل معها (خصوصا بعد انعقاد المؤتمر القومي الحادي عشر لحزب البعث العربي الاشتراكي في تشرين الثاني/نوفمبر 1977) ..

مرت الأمة العربية في القرن العشرين، بأشكال من الخطاب ذا الطبيعة الوجدانية، المشحونة بالقهر نتيجة عشرة قرون من فقدانها لقيادة نفسها، حيث بقيت تحت سيطرة أشكال فضفاضة من الحكم غير العربي المستتر تحت القبة الإسلامية.. وقد حرصت القوى الإمبريالية التي قسمت الوطن العربي وفق اتفاقية سايكس ـ بيكو .. وزرعت الكيان الصهيوني في المنطقة، أن تبقى سياستها تراقب ثابتين مهمين لإبقاء حالة الشرذمة للأمة:

الثابت الأول: أن لا يحدث لقاء وتفاهم بين (الثالوث الذي انتبه إليه محمد علي باشا في حركته) والثالوث الهام من العواصم، القاهرة و دمشق وبغداد ..

الثابت الثاني: والذي ظهر بعد اكتشاف النفط بكميات هامة، أن لا يلتقي أي زاويتين من المثلث (بغداد ـ الرياض ـ طهران) ..

بالمقابل ظهرت بؤر وأصوات عروبية من أقصى المغرب العربي الى أقصى المشرق العربي تتغنى بأمجاد العروبة شعرا ونثرا حتى تطورت الى تيارات سياسية، وضعت أعداءها ضمن قائمة سهلة الحفظ (الصهيونية والإمبريالية، وعملائهما من أبناء الأمة العربية) .. لم تكن تلك التيارات في بداياتها أكثر من جهود لإثارة الهمم الطيبة، فكانت الكتابات ذات طابع أدبي هائم، لا تتورع أن ترفع شعارات ضخمة بإمكانيات بسيطة، ولو كانت مدربة بما فيه الكفاية لاستثمرت حالة التفكك العالمي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث انشغلت معظم دول العالم (القوية) بتضميد جراح الحرب ..

وكان الخط الفاصل بين الوطنية وأعدائها واضحا وضوح الشمس، فكانت كلمة تصدر من جمال عبد الناصر (ارفع رأسك يا أخي العربي) تترك مفعولا مهيجا لدى من كان ينتظر سماع خطاباته. ولم يكن التداخل في خندق المعارضة للخط المعادي للأمة كما هو عليه الآن، حيث نجد عشرات الأصناف من اليساريين الذين لا يقبلون ببعض وعشرات الأصناف من القوميين الذين لا يقبلون ببعض، وكذلك مثلها أو أكثر من التيارات الإسلامية السياسية التي يعتقد كل فصيل منها بأنه هو محتكر الحقيقة وحده..

كان حزب البعث من بين تلك الفصائل التي استطاعت أن تصل الى الحكم في قطرين عربيين في عام واحد 1963، في سوريا والعراق، ولكن إجهاض التجربتين، بشكل مبكر، دفع البعثيين لتغيير تكتيكهم في الوصول للسلطة، فكان ثقل الشعور بهزيمة حزيران 1967 سببا في أن تحشد العناصر البعثية جهدها وتنقض على السلطة في العراق.. وظهر تياران هناك تيار لا يؤمن إلا بالتغيير الحاد المسلح وكان يفلسف لهذا الاتجاه بعض أعضاء القيادة القومية مثل عبد الخالق السامرائي، وقد حاول الانقضاض على السلطة من خلال (ناظم كزار) مدير الأمن العام الذي كانت درجته الحزبية تفوق درجة وزير الدفاع (حماد شهاب) ووزير الداخلية (سعدون غيدان) واللذين وظفهما في محاولته من خلال اختطافهما و تسخير جهاز الأمن العام..

وكانت رؤية هذا التيار أن يستلم زمام الحكم ويتوجه الى الأقطار المجاورة، الكويت والأردن ويضع قوته أمام قوة الكيان الصهيوني، مرة واحدة، ويصعد من حربه لإنهاء حالة التقسيم العربي، ولكن خشي هذا التيار معارضة التيار العقلاني الذي كان يمثله رئيس ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة (البكر وصدام حسين) فكان المخطط أن يتم قتلهما في المطار أثناء عودة البكر من بلغاريا(تموز1973)، لكن الأقدار تدخلت وفشلت الخطة ..

لقد سقنا تلك النتفة لنبين أن الحاضنة في العمل السياسي بشكله العنيف، كانت موجودة في كل البيئة العربية، منذ قديم الزمان والى زمننا الحاضر، وهي ليست مقتصرة علينا كعرب، فالتاريخ مليء بالأمثلة ..

في المؤتمر القومي الحادي عشر، ظهرت الأصوات التي كان وراءها الشهيد صدام حسين، والقائلة: بأنه طالما أننا نقيم علاقات مع دول كثيرة في العالم من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، من فرنسا وبريطانيا وروسيا وغيرها، فلماذا لا تكون علاقاتنا على نفس القدر إن لم يكن أحسن مع الدول العربية الشقيقة؟

ويمكننا تلخيص رؤية الشهيد في المجال العلاقات العربية ونشاطه بما يلي:

لقد أدرك الشهيد ورفاقه بأن الوحدة التي ينشدها البعث والجماهير العربية تمر من بوابة (فلسطين)، ولما كانت الفورة الشعبية والجماهيرية قد بدأت بعض الأنظمة العربية تتآمر عليها في الاحتيال بما يسمى (الحلول السلمية) وبالذات بعد زيارة (جوزيف سيسكو) مساعد وزير الخارجية الأمريكي، وما تلاه من صيغ عرفت ب (مشروع روجرز) الذي قاد في النهاية الى قبول الأنظمة المحيطة بفلسطين به .. وما تلاها من حرب (تحريك) في تشرين/أكتوبر 1973واستبعاد العراق من التنسيق فيها. رغم دخوله الحرب والاشتراك فيها دون إذن من أحد ليدافع عن دمشق، وقد كان للجيش العراقي وقيادته رؤية واضحة وخطة تم إعدادها وإطلاع القيادة السورية عليها لاحتلال (الحولة) وما حولها لإحداث جيب داخل الأرض المحتلة من فلسطين (1948) .. وقد أوقف السوريون تنفيذ تلك الخطة قبل ساعة الصفر بعدة ساعات*1

من هنا أدركت القيادة العراقية أن هناك تراجع من لدن الدول التي كانت تسمى تقدمية (مصر وسوريا والجزائر) وحدث قبول هائل لفكرة تسوية مهينة مع الكيان الصهيوني، ابتدأت بمؤتمر الرباط الذي حصر قضية فلسطين بالفلسطينيين تمهيدا لخطوات أشد وطأة كمعاهدة كامب ديفيد وغيرها من اتفاقيات .. ومع ذلك التزمت القيادة في العراق وعلى رأسها الشهيد بما يلي*1 :

1ـ دعم الدول المحيطة بفلسطين بالمال وعدم تركها تتهاوى تحت الشروط الغربية، وحتى لما كان العراق في حرب مع ايران لم يتوانى عن دعم تلك الدول والمقاومة الفلسطينية ..

2ـ التوقف عن مقاطعة المؤتمرات العربية، والعمل على التنسيق الاقتصادي البيني مع الدول العربية وبالذات الدول المجاورة لفلسطين لتعزيز صمودها.

3ـ دعم الدول العربية الفقيرة من أجل وحدة الصف العربي، (موريتانيا، جيبوتي، اليمن، الأردن) ..

4ـ الوقوف مع حركات التحرر العربي، والقضايا العربية بشكل مبدأي، القضية الفلسطينية، والأريتيرية وعرب الأحواز .. والوقوف في وجه الأطماع الإيرانية في الخليج العربي..

5ـ الالتزام بفكرة الوحدة العربية، فلم التدخل لدعم أي حركة انفصالية عربية، فوقف مع وحدة لبنان ووقف مع عودة الصحراء المغربية للمغرب، مما أثار حفيظة الأخوة في الجزائر وغيرهم ..

6ـ لم يحاول دعم أي تمرد في أي قطر عربي مهما كان لونه، ابتداء من أحداث أيلول/سبتمبر 1970 وحتى قضية الصحراء المغربية ..

7ـ أصدر الشهيد الإعلان القومي في 8/2/1980 الذي كان يتنبأ فيه لما ستؤول إليه الأحوال في الوطن العربي وقد تضمن الإعلان ما يلي:

أ ـ رفض تواجد الجيوش والقوات الأجنبية العسكرية في أي بقعة من بقاع الوطن العربي، وتحريم تقديم المساعدات لمثل تلك الأفكار.. ومقاطعة وحصار الدولة العربية التي تشذ عن ذلك (مفهوم هنا أثر اتفاقية كامب ديفيد).

ب ـ تحريم اللجوء الى استخدام القوات المسلحة من قبل أي دولة عربية ضد أخرى، وفض أي نزاع بين دولتين عربيتين بالطرق السلمية والحوار ( نعلم كم سيعترض الآن بعض القراء الذين يتربصون بإيجاد أي ثغرة (قضية الكويت) .. لكننا سنأتي على ذكر ذلك في حينه..

ج ـ يطبق المبدأ أعلاه مع الدول الجارة غير العربية، ( وهنا لا يحسب الكيان الصهيوني الدخيل والهجين مع دول الجوار) .. لكن يستثنى من ذلك حالات الدفاع عن النفس ضد التهديدات الخارجية التي تمس أمن الأقطار العربية.

د ـ تضامن الأقطار العربية جميعا ضد أي عدوان أو انتهاك يقوم به أي طرف أجنبي للسيادة الإقليمية

هـ ـ تأكيد التزام الأقطار العربية بالقوانين والأعراف الدولية فيما يتعلق باستخدام المياه والأجواء والأقاليم من قبل أية دولة ليست في حالة حرب مع أي دولة عربية ..

و ـ ابتعاد الأقطار العربية عن دائرة الصراعات أو الحروب الدولية والتزامها الحياد التام وعدم الانحياز إزاء أي طرف .. وامتناع الدول العربية عن إرسال قوات لها للاشتراك في الحروب الدولية ..

ز ـ التزام الأقطار العربية بإقامة علاقات اقتصادية متطورة وبناءة فيما بينها بما يوفر ويعزز الأرضية المشتركة للبناء الاقتصادي العربي المتطور ويدفع باتجاه تطوير فكرة الوحدة العربية ..

ح ـ إن العراق إذ يضع مبادئ هذا الإعلان يؤكد استعداده للالتزام به تجاه كل قطر عربي يلتزم به .. وهو مستعد لمناقشته مع الأشقاء العرب وسماع ملاحظاتهم .. وهو لا يعتبر بديلا عن ميثاق الجامعة العربية وعن معاهدة الدفاع المشترك والاتفاقيات الأخرى .. *2

المراجع :

1 ـ التقرير السياسي : للمؤتمر القومي الحادي عشر/دار الحرية
2ـ الفريق أول الركن عبد الجبار شنشل في حديث تلفزيوني ..
3ـ من نص الإعلان القومي الذي أعلنه رئيس الجمهورية في8/2/1980
__________________
ابن حوران